التكنولوجيا تنقذ أرواح السوريين وسط حرب لا تنتهي
الفريق أطلق مشروعه أولا في إدلب، الواقعة تحت قصف عنيف، ثم بدأوا بإخبار معارفهم السوريين عنه ومشاركته عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
بعد حالة الرعب التي بثتها الغارات الجوية لنظام الأسد بين المدنيين السوريين لعدة أعوام، تعمل الآن مجموعة من النشطاء المبادرين على بناء شبكة استشعار ترصد أصوات الطائرات الحربية وتحذر الناس بتوقيت ومكان القذائف.
جون جايجر، خبير تكنولوجي أمريكي من ولاية إلينوي، عمل بعدد من الشركات التكنولوجية ووزارة الخارجية الأمريكية عندما كانت تبحث عن أناس لنقل الخبرات التكنولوجية إلى سوريا، في البداية لم يكن يعلم شيئا عن الحرب الدائرة في سوريا، لكن ما أن أدرك مدى حاجتهم للمساعدة شعر بأن عليه فعل المزيد لمساعدة المدنيين الموجودين هناك.
- سوريا.. مقتل 39 شخصا في انفجار مستودع أسلحة بإدلب
- سوريا.. 53 قتيلا بينهم 28 طفلا حصيلة غارات النظام على إدلب وحلب
جايجر بدأ يستوعب كبرى المشاكل التي تواجه المدنيين السوريين ويمكن من خلال خبراته حلها، وكانت القصف.
كانت خيارات تقليل خسائر الغارات الجوية المتوفرة أمامه قليلة، ثم توصل إلى شيء ربما يمكنه المساعدة في الأزمة، لكنه كان في حاجة لمساعدة وجدها لدى المبرمج السوري مراد، الذي استخدم اسما مستعارا لأسباب أمنية، وديف ليفين، الحاصل على ماجيستير في إدارة الأعمال من كلية وارتون بجامعة بنسلفانيا.
مراد كانت لديه فكرة تتمثل في التواصل مع مؤسسات الدفاع المدني في عدة مدن، حتى يمكنهم التواصل بشكل أفضل بشأن الهجمات العسكرية. جون جايجر وفريقه مولوا الفكرة، بالإضافة إلى بعض مساعدات، ليبدأوا العمل بعد ذلك على المشروع.
يقوم المستشعر الذي يسمى "الحارس" على تحليل البيانات الموجودة على شاشات الطائرات والتنبؤ بوجهتها ثم إرسال تحذيرات إلى الناس المعرضين لهذا الخطر، لكن في البداية كانت هناك مشاكل بالنظام لذا لم يتمكنوا من إخراجه للناس، فعملوا عليه في الفترة من عام 2015 حتى 2016، ليحين وقت خروجه للنور.
أطلق الفريق مشروعه أولا في إدلب، الواقعة تحت قصف عنيف، ثم بدأوا بإخبار معارفهم السوريين عنه ومشاركته عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وسرعان ما حصدوا أول نجاحات مشروعهم عبر مقطع فيديو شاركه أحد الأشخاص قال فيه إنه تمكن هو وعائلته من النجاة بحياتهم بفضله، حيث تلقى رسالة بهجوم قريب لينتقل هو وعائلته إلى مكان آمن.
والنسخة الأخيرة من "الحارس" عبارة عن نموذج استشعار مصمم لتمييز الطائرات ومقياس السرعة والاتجاه، وكل شيء متعلق به يعتمد على حقيقة بسيطة؛ كلما زاد الوقت المتاح أمام الشخص للاستعداد لغارة جوية، زادت فرص نجاتهم، ويعتمد الكثيرون الآن عليه.
ونقلت مجلة "وايرد" الأمريكية قصة سوري يدعى أبو النور، الذي استطاع بفضل هذا "الحارس" إنقاذ عائلته من موت محقق. ففي صباح 11 أبريل/نيسان، كان أبو النور مستلقيا داخل منزله الواقع في إدلب، وأولاده الذين تتراوح أعمارهم بين عامين و23 عاما، ما بين فريق يلعب بالخارج وفريق يدرس بالداخل، بينما كانت زوجته تعد الغداء.
منزلهم كان صغيرا لكنه كان فخورا به، فقد بناه بنفسه. أبو النور مزارع مثله مثل باقي المقيمين في المدينة، لكن منذ اشتعال الحرب عام 2011، ارتفعت أسعار الوقود والأسمدة ارتفاعا يتخطى قدرته على تحملها، لكنه كان يحاول مواكبة الأوضاع من خلال عمله في الحصاد أو أعمال البناء.
سقطت المنطقة التي يقطن فيها في أيدي المعارضة المسلحة عام 2012، ما جعلها هدفا لقصف الحكومة، الذي بدأ 2012 ووصل أشده في 2014، حتى أن كثيرا من المزارعين هربوا خوفا، ومن بقي وقع في دوامة فقر مدقع، حيث ساءت أعمالهم بسبب الصراع.
عندما وقعت الغارة الأولى بحي أبو النور، خلفت 8 قتلى من عائلة واحدة، حاول المساعدة قدر استطاعته لكن تغلب عليه الحزن تاركا إياه غير قادر على الحراك.
وبعد مرور 5 أعوام على هذا الواقع المرير، تنامى إلى علمه وجود خدمة اسمها "الحارس"، إذا سجل بها ترسل له رسالة عبر فيسبوك أو تليجرام لإخباره بأن مروحيات الحكومة في طريقها إليهم.
في ظهيرة 11 أبريل/نيسان، أضيئت شاشة هاتف أبو النور برسالة تحذيرية بإقلاع مقاتلة سورية من قاعدة حماة على بعد 50 ميلا، متوجهة إلى قريته، فصاح في عائلته وسحب أصغر أطفاله للتوجه إلى ما أطلق عليه اسم "الكهف" للاحتماء من القصف.
تمكن أبو النور وأطفاله من بلوغ الكهف، لكن زوجته أصيبت بشظية في ظهرها، ما جعل أطفاله ما بين حالة صدمة وبكاء، لكن لحسن الحظ الجميع على قيد الحياة، وقال إنهم شاهدوا الموت بأعينهم، وبدون تحذير "الحارس" لأصبحت عائلته في عِداد الموتى.