الكل يحذر من كارثة إنسانية ولكن هذه ليست كل الحقيقة، معركة إدلب مفصل مهم لأن ما قبل إدلب سوف يكون بالتأكيد مختلفا عما بعدها.
هل تصبح إدلب الحلقة الأكثر وضوحا في مشاريع بناء القوة العسكرية؟ وهل سيكون الشمال السوري مسرحا لبناء نفوذ دولي محتمل بين قوى عالمية وإقليمة؟ ليس هناك مبالغة في أن ما سوف يحدث في إدلب لن يكون مجرد حرب بين متحاربين، كل ما يحدث هناك نتائج طبيعية للأزمة السورية ولكنها اليوم لم تعد سوريا، فهناك أطراف كثيرة ومتعددة سوف تلعب دورا بارزا، وإدلب قد تكون البوابة الأخيرة في الأزمة السورية من أجل وضع الإشارات الأولى للخطط الدولية في المنطقة.
ولعلنا نعود هنا قليلا إلى التاريخ وتحديدا بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وكيف تغيرت المسارات الدولية نحو بناء نفوذ دولي يعتمد على القوة والتخطيط لتغيير الكثير من القواعد السياسية في المنطقة، فالنزعة التدخلية لدى الكثير من دول العالم تضاعفت عشرات المرات خلال الثمانية عشرة عاما الماضية في منطقة الشرق الأوسط تحديدا، وبدأت من أمريكا التي غزت أفغانستان في نوفمبر 2001، والعراق في مارس وأبريل 2003م، هذه النزعة التدخلية خلقت نزعة مضادة لدى الدول والشعوب التي اتخذت الاحتياطات اللازمة لحماية نفسها، فبعض دول الشرق الأوسط نجحت في حماية نفسها والبعض الآخر لم يستطع، وهذا ما شاهدناه في تونس والعراق وسوريا وليبيا واليمن.
السؤال المهم والحقيقي يقول ماذا يمكن أن يحدث في إدلب؟ كل الخيارات مطروحة ولعل أقربها سيكون خيار الحفاظ على الوضع القائم وتأجيل الحسم؛ بهدف احتواء مخاطر تفجر الوضع في هذه المرحلة
لا أحد يستطيع أن ينكر أن البنية العسكرية الدولية تغيرت خلال العقدين الماضيين على مستوى البيئة الأمنية عالميا، وسياسات التسلح والسياسات الدفاعية، هذا التغير لم يكن وحيدا في المنطقة، فعملت الدول الكبرى على تأجيج الطائفية والاثنية لدفع الكثير من المجتمعات التي عانت من أزمات داخلية لتبرير التواجد الدولي على أراضيها، كما حدث في العراق عند مجيء الأمريكان وتدخل إيران، وكما يحدث في سوريا بوجود الأمريكان والروس والإيرانيين والعرب.
الأزمات في المنطقة أصبحت تلد الأزمات بشكل متسارع وغير قابل للحصار، لقد أصبحت المساومات مكلفة على القوى الدولية، وأصبحت أطراف النزاعات متعددة الرؤوس وأصبحت فرصة إقامة التحالفات ضئيلة جدا، وهذا تطلب تواجد الجميع في المكان ذاته والتوقيت ذاته، فهل ستكون معركة في إدلب أم أن التأجيل محتمل لقضية معقدة عنوانها القوة على مسرح الاستراتيجيات لبناء النفوذ الدولي؟
الكل يحذر من كارثة إنسانية ولكن هذه ليست كل الحقيقة، معركة إدلب مفصل مهم لأن ما قبل إدلب سوف يكون بالتأكيد مختلف عما بعدها، ولا بد من الفهم السياسي أن طبيعة انتقائية ومجزئة سيطرت على الدول الكبرى في مواجهتها الإرهاب خلال الثمانية عشرة عاما الماضية.
بمعنى دقيق.. لم يتم القضاء بشكل كامل على أي جماعة إرهابية، هذه السياسات سمحت للإرهاب بأن يختار مناطق هشة ومتفرقة في مواقع كثيرة في دول الحروب الأهلية، وهذا ما عقد القضاء على هذه الجماعات، والسؤال المهم والحقيقي يقول ماذا يمكن أن يحدث في إدلب؟ كل الخيارات مطروحة ولعل أقربها سيكون خيار الحفاظ على الوضع القائم وتأجيل الحسم بهدف احتواء مخاطر تفجر الوضع في هذه المرحلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة