في واقع الأمر لم يكن قرار الانسحاب الأمريكي جديداً وليس وليد اللحظة بل منذ إعلان الرئيس ترامب بدأت الأطراف إعلان التوجه إلى منبج
ما إن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراره سحب القوات الأمريكية من الأراضي السورية حتى ساد جوٌّ من التخبط والارتباك على الأرض السورية بين الجهات الفاعلة على الأرض؛ من جيش حكومي ومعارضة وقوات سوريا الديمقراطية ومن يدعم هذه الأطراف من الجهات الدولية كروسيا وتركيا وإيران وغيرها من الدول العربية والغربية لاحتواء الفراغ الذي ستخلفه القوات الأمريكية بما يخدم مصالح تلك الجهات والدول.
تعتبر المدينة الأكبر من حيث الحجم وعدد السكان بعد حلب وإدلب في الشمال السوري وتقع على بُعد 30 كم غرب الفرات على الحدود السورية التركية والسيطرة عليها تعني الكثير للقوة الجديدة أيا كانت
في واقع الأمر لم يكن قرار الانسحاب الأمريكي جديداً وليس وليد اللحظة بل منذ إعلان الرئيس ترامب عن هذا الانسحاب بدأت الأطراف إعلان التوجه إلى منبج في سباق مع الزمن للوصول أولا، إذ سارعت القوات النظامية بالإعلان أنها دخلت مدينة منبج بدعمٍ روسي، وفي الوقت ذاته أعلنت قوات سوريا الديمقراطية المسيطرة على المدينة بقاءها في منبج والاستعداد للدفاع عنها، وفي الوقت ذاته كانت تركيا تحشد الجيوش والعتاد على الحدود السورية للتهيؤ لدخول المدينة واستمر الوضع على ما هو عليه حتى اليوم؛ النظام وقواته على أطراف منبج من الجهة الغربية والأتراك من الشمال وقوات سوريا الديمقراطية داخل المدينة وشرقها فلماذا منبج؟
ثلاثة أمور تجعل منبج مهمة في نظر الأطراف الراغبة في السيطرة عليها:
أولا: تعتبر المدينة الأكبر من حيث الحجم وعدد السكان بعد حلب وإدلب في الشمال السوري وتقع على بُعد 30 كم غرب الفرات على الحدود السورية التركية والسيطرة عليها تعني الكثير للقوة الجديدة أيا كانت.
ثانيا: هي نقطة الربط بين شرقي الفرات وغربه لموقعها الاستراتيجي وانفتاحها على الحدود التركية وعندما سيطر عليها تنظيم داعش عام 2014 اتخذها عاصمة اقتصادية، مستغلاً موقعها الاستراتيجي لتمويل وإمداد التنظيم وعاصمته السياسية (الرقة) بالدعم الميداني واللوجستي لمساحتها الكبيرة المنفتحة على الحدود التركية، كما جعلها المكان الآمن لقادته وغرف عملياته حتى أطلقت عليها صحيفة التليغراف اللندنية اسم (لندن الصغيرة) لكثرة البريطانيين الدواعش فيها.
ثالثا: كثرة القواعد العسكرية فيها إذ أُطلق عليها بعد تحريرها من التنظيم على يد التحالف وقوات سوريا الديمقراطية اسم "مدينة القواعد العسكرية" فيها قواعد عدة لقوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة وجنود فرنسيون وآخرون من جنسيات أخرى، بالإضافة لقرب فصائل المعارضة منها .
لا شكّ أنّ هذه الأمور جعلت من منبج ذات أهمية كبيرة لجميع الأطراف، خاصة لتركيا التي تعتبرها بوابتها ما قبل الأخيرة للإجهاز على المشروع الكردي الذي تعتبره تهديدا لأمنها القومي كما تكرر ذلك دائما، في حين تتباطأ حركة الانسحاب الأمريكي خشية تفرد أنقرة بقوات سوريا الديمقراطية التي تنسق على ثلاث جهات لدرء الخطر التركي، واشنطن من جهة أخرى استطاعت فرملة قرارها بالانسحاب، وإن بشكل أقل حدة وبالتفاهم مع الروس، للحصول على ضمانات بعدم استغلالهم من دمشق التي يتفاوضون معها للوصول إلى صيغة نهائية يمكن من خلالها الخروج من المأزق وعدم تكرار تجربة عفرين .
يبدو أن الأمور تسير باتجاه سيطرة القوات النظامية على منبج اعتمادا على القاعدة الشعبية التي ترفض إلى حد ما الوجود التركي، خاصة أنّ معظم من يسكن المنطقة ينتمون إلى العشائر العربية التي تحظى بمقبولية لدى السلطات السورية ويمكن لشيوخ عشيرة "البوبنا" ذات النفوذ الواسع داخل المدينة وعلى امتداد ريفها الواسع الحصول على ضمانات تشبه تلك التي أبرمت في باقي المناطق السورية وبضمانة روسية، وبالتالي قطع الطريق على التركي الذي لم يحصل -حتى اللحظة رغم شديد إغرائه لإدارة ترامب- على ضوء أخضر لاقتحام المدينة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة