تبدو التفاهمات التركية الروسية مرشحة للدخول في أزمة حقيقية، بسبب إدلب ومصير جبهة النصرة وأكراد سوريا،
رغم التقاء الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتن، ثماني مرات خلال عام 2017، وتوقيعهما اتفاقيات عدة للتعاون الثنائي في سوريا من أستانة إلى سوتشي، إلا أن كل هذا التقارب الذي بدأ مجدداً بعد الاعتذار التركي لموسكو عام 2016 عن حادثة إسقاط الطائرة الروسية، لم يتجاوز على ما يبدو حاجز عدم الثقة والخلاف في المصالح بين الطرفين فيما يتعلق بالملف السوري.
الإشارات تتوالى وتتصاعد بشأن خلاف بين البلدين، واتهامات متبادلة بعدم الالتزام بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الاجتماعات المغلقة وخلف الأبواب المغلقة، ويبدو أن صفقة محافظة إدلب السورية التي كانت مبنية بين موسكو وأنقرة على أساس أن تعمل أنقرة على تفكيك جبهة النصرة، وإقناع الفصائل المسلحة في إدلب بالانخراط في الحل السياسي أو على الأقل عدم عرقلته، مقابل دعم موسكو لأنقرة في تحجيم النفوذ الكردي في شمال سوريا، والسماح للجيش التركي بالتدخل في إدلب من أجل محاصرة الأكراد في عفرين، هذه الصفقة باتت مهددة بسبب اتهام كل طرف للآخر بعدم الوفاء بما تم الاتفاق عليه.
أنقرة تسعى للتعاون مع أي طرف يتفق معها على حجم الطموحات الكردية في شمال سوريا، لكن واشنطن ترفض ذلك لأن قواعدها وتواجدها العسكري سيكون على الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد، ما يستدعي تعاوناً أميركياً كردياً، وكذلك موسكو لا تريد إغضاب الأكراد حتى لا تخسرهم كلياً.
بداية الخلاف كانت مع صدور بعض الإشارات والتصريحات من دمشق بأن أنقرة لم تلتزم بتعهدها لموسكو فيما يتعلق بجبهة النصرة، فبدلاً من العمل على تفكيك الجبهة وتحييد المقاتلين الأجانب فيها، دخلت القوات التركية إلى إدلب تحت حماية جبهة النصرة وبالتعاون معها بعد ذلك.
وللضغط على أنقرة سرّبت موسكو أنباء عن دعوة أكراد حزب الاتحاد الديمقراطي السوري إلى اجتماع الحوار السوري في سوتشي، ما أغضب أنقرة التي تعتبر هذا الحزب إرهابياً وخطراً على أمنها القومي، أيضاً في هذه الأثناء بدأ الجيش السوري عملية عسكرية واسعة من خلال الزحف على إدلب من الجنوب والشرق، بدعم من الطائرات الروسية، فيما بدا أنها عملية تهدف لاستعادة كامل إدلب والقضاء على جبهة النصرة التي أعلنها وزير الخارجية الروسي حينها هدفاً لعمليات قوات بلاده خلال عام 2018.
جاء الرد تركياَ بعد ذلك بالضغط على فصائل معارِضة من أجل مقاطعة مؤتمر سوتشي، وبعد تحضيرات في البرلمان التركي لتشكيل وفد برلماني يزور دمشق لفتح باب التطبيع معها بالتنسيق مع موسكو، انقلب الرئيس أردوغان على هذا المسار وأعلن خلال زيارته لتونس قبل عشرة أيام تقريباً، أن بشار الأسد إرهابي لا يمكن التعامل معه، وكرر هذا الحديث في زيارته لباريس حين أكد أن الحل في سوريا يجب أن يكون سياسياً ولكن بعد رحيل الأسد من خلال انتخابات عامة لا يشارك فيها.
في الأثناء أيضاً قصفت جهة مجهولة القاعدة العسكرية الروسية حميميم في طرطوس السورية، فقتلت الصواريخ جنديين روسيين وأحدثت أضراراً في الطائرات هناك – ورغم نفي موسكو لإصابة طائراتها نشر نشطاء روس صوراً تؤكد وقوع أضرار – وكان مفاجئاً أن يجرؤ أي فصيل معارض على هذه الخطوة غير المسبوقة والتي تحمل من الجرأة الشيء الكثير.
ومع تصاعد التوتر على هذا الشكل، استدعت الخارجية التركية السفيرين الإيراني والروسي في أنقرة، وطلبت منهما نقل رسالة بضرورة احترام إيران وروسيا للاتفاقات التي تم التوصل إليها في قمة سوتشي نوفمبر الماضي بين بوتين وأردوغان وروحاني، وهدد وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو، بعقد لقاء دولي موسع بديل أو مواز لمؤتمر الحوار السوري في سوتشي، تحضره الدول التي "تشاطر تركيا رؤيتها حول الحل في سوريا"، ليذكرنا هذا التصريح بلفتة صدرت عن أردوغان حين قال "بأننا نريد ونأمل بتنسيق العمل في سوريا مع أميركا، كما ننسق حالياً هناك مع إيران وروسيا"، وهي اللفتة التي حملت إشارة بأن أنقرة تفكر في تغيير حلفائها في سوريا، والانتقال إلى دعم خطط واشنطن هناك بشرط وقف دعم الولايات المتحدة للمجموعات العسكرية في شمال سوريا عسكرياً، وهو ما يبدو صعب الحدوث، كما عززت تركيا من تواجدها العسكري حول منطقة عفرين الكردية شمال إدلب وبدت على استعداد لدخولها في أية لحظة.
الرد الروسي على استدعاء السفراء جاء تصعيدياً، من خلال بيان روسي من الخارجية دعا تركيا إلى "ضبط الفصائل المسلحة في إدلب" مشيراً إلى أن الصواريخ التي تم إطلاقها على قاعدة حميميم جاءت من مناطق المعارضة "المتعاونة مع أنقرة".
أنقرة تسعى للتعاون مع أي طرف يتفق معها على حجم الطموحات الكردية في شمال سوريا، لكن واشنطن ترفض ذلك لأن قواعدها وتواجدها العسكري سيكون على الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد، ما يستدعي تعاوناً أميركياً كردياً، وكذلك موسكو لا تريد إغضاب الأكراد حتى لا تخسرهم كلياً، بل تسعى لكسب ودّهم لموازنة التأثير الأميركي عليهم في سوريا.
وعليه تبدو التفاهمات التركية الروسية مرشحة للدخول في أزمة حقيقية، بسبب إدلب ومصير جبهة النصرة وأكراد سوريا، لكن بعض المحللين يرون في التصعيد التركي مناورة لا أكثر مع موسكو، وأنه في حال سمحت موسكو للجيش التركي بدخول عفرين ذات الغالبية الكردية والسيطرة عليها، فإن أنقرة ستتراجع عن كل تصريحاتها السابقة.
فالأولوية أمام السياسة التركية هي توجيه ضربة لأحلام القوات الكردية المسلحة في سوريا، كما تراهن أنقرة على عامل الوقت الذي يضغط على الرئيس الروسي بوتن الذي يريد دخول الانتخابات الرئاسية في بلاده بعد تأسيس حل سياسي في سوريا، والقضاء على جبهة النصرة. لذا فإنه بحاجة إلى دعم تركيا لتحقيق غرضه، وعليه فإن موسكو قد تبتلع المناورة التركية وتسمح لأنقرة بدخول عفرين من أجل عودة الوئام مجدداً بينهما، لكن في حال تصلب الموقف الروسي، فإن أياماً ساخنة قد تكون بانتظار التحالف التركي الإيراني الروسي في سوريا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة