كل القمم والمؤتمرات التي تُعقد وتُنظم للنقاش والتشاور حول القضية السورية إما أن تخلو من العنصر السوري أو أن يكون الحضور شكليا
مازالت القضية السورية على رأس الأولويات الدولية لما لها من حضور وتأثير على معظم أجندات السياسية الدولية، فهي على تماس مباشر بكلّ أطرافها مع الأطراف الدولية, ولكن ما يلفت النظر أنَّ المسألة السورية تحضر دون حضور المصالح السورية، بل ودون حضور السوريين أنفسهم حكومة كانوا أو معارضة.
كل القمم والمؤتمرات التي تُعقد وتُنظم للنقاش والتشاور حول القضية السورية؛ إما أن تخلو من العنصر السوري أو أن يكون الحضور شكليا بأجندات الدول الداعمة للجهة التي تحضر, وآخر هذه القمم القمة الدولية الرباعية التي عُقدت في إسطنبول بحضور رؤساء أربع دول هي، روسيا وتركيا وفرنسا وألمانيا دون حضورٍ سوري, وفي تتبع دقيق لمفرزات هذه القمة والتصريحات التي أدلى بها الرؤساء الأربعة في مؤتمرهم الصحفي بعد إعلان البيان الختامي لنتائج القمة، أنّ كلّ دولة تحدثت بما يناسب أجنداتها ومصالحها وهواجسها, وإنَّ تم إلباس هذه المصالح بلبوس المصلحة السورية، والخوف على استقرار وأمن البلاد وإعادة إعمارها, وتجلى ذلك بجعل كل من هذه الدول ما يهم مصالحها هو الأولوية.
في واقع الأمر لم تحمل القمة الجديد فيما يخصّ الملف السورية سوى نقطة واحدة مررها الجميع على طريقته؛ وهي أنّ مصير الرئيس السوري بشار الأسد يقرره الشعب عبر الآليات الديمقراطية، وهذا ما لم نكن نسمعه بشكل صريح من القادة الأربعة، وهذا مايُعد تغيرا كبيرا لن يصب في صالح المعارضة السورية
روسيا مثلا تبحث عن الوجود الدائم في سوريا من خلال التلويح الدائم بأنّ تدخلها عسكريا جاء من الحكومة التي تقول عنها موسكو شرعية معترف بها أمميا، لذلك قالها صراحة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنّ الدعم الروسي للنظام السوري لن يتوقف فهو مستمر وثابت مادام الإرهاب قائماً.
أما الجانب التركي فهاجسه هو الكرد، وهذا ما أتى عليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حين قال إنّ بلاده لن تسمح بانتشار منظمات إرهابية بالقرب من حدودها، وبأن تركيا ستواصل حربها ضد الإرهاب في إشارة إلى حرب تركيا مع القوى الكردية المدعومة أمريكياً.
وحتما لم يقصد أردوغان مصالح السوريين حينما لوح بورقة اللاجئين منهم المقيمين على أرضه، فلطالما هدد القارة الأوروبية بهم كورقة يلوح بها حال اشتد الخلاف بين أنقرة والعواصم الأوروبية.
ألمانيا ربحت من القمة الحصول على ضمانات من الروس عدم فتح معركة إدلب وفسح المجال لموجة هجرة جديدة ستكون على الأغلب ألمانيا وجهتها، وهذا ما قاد المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل للتحذير منه وبشدة خاصة وأنّ حزبها يتعرض لموجة انتقادات حادة من المعارضة نتيجة عدم إغلاق الباب أمام اللاجئين السوريين .
أما فرنسا التي دخلت مؤخراً بشكل مباشر على خطوط القضية السورية فقد انصبت تصريحات رئيسها إيمانويل ماكرون على ضرورة استقرار سوريا، وإنهاء العمل بتحديد اللجنة الدستورية قبل نهاية هذا العام وتهيئة الأجواء لإعادة الإعمار الذي يعد على رأس الأولويات الفرنسية صاحبة أقوى ثاني اقتصاد في القارة الأوروبية، لذلك تبحث باريس عن حصتها في ذلك عقب غيابها عن الساحة السورية السياسية والعسكرية ولا تنوي الخروج دون حصة اقتصادية.
في واقع الأمر لم تحمل القمة الجديد فيما يخصّ الملف السورية سوى نقطة واحدة مررها الجميع على طريقته، وهي أنّ مصير الرئيس السوري بشار الأسد يقرره الشعب عبر الآليات الديمقراطية، وهذا مالم نكن نسمعه بشكل صريح من القادة الأربعة وهذا مايُعد تغيرا كبيرا لن يصب في صالح المعارضة السورية.
نستطيع القول بأنّه، وعلى الرغم من البيان الختامي للقمة، الذي يشدد على وحدة أراضي سوريا واستقلالها وإرساء الأمن فيها، إلا أن هذا يبقى حبرا على ورق مع قبول كل طرف دولي بمراعاة مصالح الطرف الآخر وهذا يدفع بالضرورة نحو تقسيم سوريا، وإن لم يكن ذلك صريحا ومباشرا لتشرعن هذه الدول بقاءها وتدخلها المستمر في الشأن الداخلي السوري بشماعة محاربة الإرهاب المختلفة الأهداف.
فالإرهاب الذي تحاربه روسيا هو الفصائل المعارضة ككل، والتي منها ما هو مدعومٌ تركيّاً ومنها ما هو مدعوم أمريكياً, والإرهاب الذي تحاربه تركيا ممثلا في الأكراد هو حليف للولايات المتحدة، وكذلك الإرهاب الذي تحاربه من خلال التحالف الدولي؛ وهو التحالف الذي تؤيده فرنسا وملتزمة بالتعاون معه, وفي ذلك خلط للأوراق وإشارة إلى أن الصراع لن ينتهي وربما يكون أشد من الصراعات العسكرية المباشرة لتبقى سوريا ساحة الصراع الدولية على حساب المصالح السورية التي لم تكن حتى اللحظة على الأقل في ذهنية القوى العالمية المتصارعة على سوريا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة