بعد سلسلة اجتماعات سورية - تركية برعاية روسية، وحديث روسي عن خريطة طريق للمصالحة وتصريحات عن لقاء مرتقب بين الرئيسين التركي والسوري.
تراجعت الآمال تدريجيا بتحقيق هذه المصالحة، لا بسبب تناقض شروط كل من أنقرة ودمشق، بل أيضا بسبب جملة متغيرات إقليمية ودولية، تؤثر على خطوات تحقيق هذه المصالحة.
الرئيس السوري، بشار الأسد، أكد بشكل واضح وقطعي في أكثر من مناسبة أنه لا قمة مع نظيره التركي، ولا مصالحة مع تركيا دون سحب الأخيرة قواتها من المناطق التي تسيطر عليها في شمال شرق سوريا، فيما الرئيس التركي، رجب أردوغان الذي أبدى مرارا رغبته قبل الانتخابات الرئاسية التركية بعقد لقاء مع نظيره السوري، سارع بعد الانتخابات إلى القول إنه لا انسحاب من هذه المناطق، بحجة أن بلاده تتعامل مع الإرهاب على حدودها الجنوبية،
ويضاف إلى تناقض مواقف الطرفين بدت أولوياتهما مختلفة، فتركيا تربط كل شيء بالقضاء على الإدارة الذاتية في شرقي سوريا بحجة أنها مشروع كردي مرتبط بحزب العمال الكردستاني، فيما الجانب السوري يركز على الجماعات المسلحة المرتبطة بتركيا في شمال غرب سوريا، وبسبب تناقض شروط الطرفين تراوحت المفاوضات بينهما مكانها، قبل أن تدخل مرحلة جمود وسط متغيرات لا تبدو في صالح فتح صفحة جديدة بين الجانبين.
ولعل من أهم هذه المتغيرات، الإشكاليات التي تشهدها العلاقات الروسية - التركية في الفترة الأخيرة، فالمواقف التركية الأخيرة، منذ إعلانها أحقية انضمام أوكرانيا إلى حلف الأطلسي "الناتو"، وإطلاق سراح قادة كتيبة آزوف، والموافقة على ضم السويد إلى عضوية الأطلسي، وصولا إلى الموافقة على إقامة مصنع للمسيرات التركية في أوكرانيا،
بدت تركيا وكأنها ذاهبة إلى التماهي مع حلف الأطلسي في سياسته اتجاه الأزمة الأوكرانية حتى النهاية، وهو ما دفع بعض المسؤولين الروس، والصحافة الروسية إلى وصف هذه المواقف بالعدائية، والإعلان عن وقف اتفاق تصدير الحبوب الأوكرانية عبر تركيا، الأمر الذي وجه الأنظار إلى قمة مرتقبة بين رئيسي البلدين، دون تحديد موعدها إلى الآن، رغم إعلان تركيا مرارا عن زيارة للرئيس بوتين إلى تركيا،
ولعل هذه الإشكاليات الجديدة في العلاقة الروسية - التركية على شكل أزمة صامتة بينهما، أثرت على وتيرة الجهود الروسية للمصالحة بين أنقرة ودمشق، إذ اختفت تلك التصريحات الروسية التي كانت تتحدث عن تحضيرات لقمة مرتقبة بين الأسد وأردوغان، بالتزامن مع تمسك الطرفين بشروطهما، في وقت ربما كانت تركيا تراهن على ضغط روسي على دمشق لدفعها إلى هذه المصالحة دون شرط الانسحاب.
في المتغيرات أيضا، ثمة من يرى أن سوريا وجدت في الانفتاح العربي عليها بعد إعادتها إلى جامعة الدول العربية، ورقة مهمة داعمة لموقفها في التفاوض مع تركيا، ولذلك طرحت شروطها السيادية بقوة لتحقيق مكاسب سياسية كبيرة، ولعل الجانب التركي نفسه لديه مثل هذا الاعتقاد، وعليه بدت تركيا حذرة كثيرا في مواقفها الأخيرة إزاء قضية التقارب مع دمشق، دون أن يقلل ما سبق من أهمية المصالحة للجانبين.
فتركيا التي تحس بمأزق حقيقي بسبب وجود قرابة أربعة ملايين لاجئ سوري على أراضيها قد لا تجد أي حل حقيقي لمشكلة هؤلاء خارج المصالحة مع دمشق، إذ أن الخطوات التي تتخذها بهذا الخصوص، لن تشكل حلا لهذه المشكلة التي ترخي بظلالها على الداخل التركي، خاصة أنها مرشحة من جديد لأن تتحول إلى مادة للجدل السياسي الداخلي مع اقتراب موعد الانتخابات البلدية المقررة في مارس/ آذار المقبل.
تعثر جهود المصالحة بين دمشق وأنقرة، لا يعني ذهاب الطرفين إلى التصعيد أو المواجهة العسكرية، بل ربما يوجه الأنظار إلى جهود الراعي الروسي لهذه المصالحة، وإلى التطورات الجارية على جبهة العلاقات الروسية - التركية في ضوء المتغيرات الأخيرة، وفيما إذا كان الرئيسان بوتين وأردوغان سينجحان خلال قمتهما المرتقبة في صوغ شراكة جديدة بينهما في ضوء هذه المتغيرات.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة