لعب دور إقليمي، تخريبيا كان أم غير ذلك، يتطلب رافعة اقتصادية متينة، وقدرة على توظيف الموارد بحيث يمكن حماية ذلك الدور.
تنتاب الخمينيين والأردوغانيين ومن والاهم ومولهم، حالة استثنائية من السعار. فهم، وإن كانوا يضرون بأنفسهم، فإنهم لا يتوقفون عن السعي لإلحاق الأذى بالعراق وسوريا وليبيا ولبنان واليمن، وكأنهم في حرب مع المنطق، وكل غايتها الخراب.
أنظر في الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعانيها إيران وتركيا. فهذان البلدان يقفان على شفير هاوية بلا قرار، وبدلا من أن يلتفتا إلى معالجة مشكلاتهما بروح العقل والمنطق بما قد يسمح برأب الصدوع الاقتصادية الخطيرة التي تهز أركان الاستقرار فيهما، إلا أنهما يواصلان المضي قدما في سياساتهما العدوانية تجاه المنطقة، وكأنهما قررا الانتحار.
معدلات الفقر والبطالة والتضخم ترتفع إلى مستويات غير مسبوقة. وبرغم سنوات من أعمال النهب والتسلط والتمدد، فإن اقتصاد هذين البلدين لم يثبت أنه جنى فائدة تستحق الذكر من تلك الأعمال.
الهيمنة الإيرانية على العراق، لم تظهر إلا مع مستوى خرافي من الفساد والفشل، حتى أصبحا صنوان لا يفترقان، وكلاهما يؤشر إلى سلطة الولي الفقيه. الذي لو كان يفقه منطقا، لوجد في العراق أرضا للتعاون المثمر والمصالح المشتركة والنجاح المتبادل. إلا أنه ومليشياته وعصاباته، اختار العنف والفساد والترويع والإرهاب، ليس من أجل أي مصلحة إلا الخراب.
إن لعب دور إقليمي، تخريبيا كان أم غير ذلك، يتطلب رافعة اقتصادية متينة، وقدرة على توظيف الموارد بحيث يمكن حماية ذلك الدور.
سلطة أردوغان فعلت الشيء نفسه في سوريا. فهي دعمت، سرا وعلانية، تنظيم داعش، وأقامت علاقات "حسن جوار" مع دولته، وحاربت الذين حاربوه، وأنشأت معارضة مسلحة خاصة بها، حولتها إلى عصابات تمد بقايا داعش وجبهة النصرة بالدعم والإسناد، حتى ليكاد المرء لا يستطيع أن يفهم من ذلك أي مصلحة، سوى الخراب نفسه. ووسعت طموحاتها التخريبية إلى البحر الأبيض المتوسط وليبيا، بتمويل ممن لا يقصدون إلا الخراب، من دون أن تثبت لتلك الطموحات أي منافع اقتصادية قادرة على البقاء.
وفي الواقع، فان لعب دور إقليمي، تخريبيا كان أم غير ذلك، يتطلب رافعة اقتصادية متينة، وقدرة على توظيف الموارد بحيث يمكن حماية ذلك الدور، وهو أمر لا تملكه أنقرة كما لا تملكه طهران، فاقتصاديات هذين البلدين أدنى بكثير من أن تكون قادرة على التوسع خارج الحدود. وحتى لو سمحت الظروف لهما بذلك فان العاقل لا يندفع فيها إلى ما اندفعت إليه ولاية الفقيه في إيران أو ولاية الإخوان في تركيا. لماذا؟ لأن موارد تمويل التدخلات إنما سوف تُقتطع من موارد التمويل الأساسية الأخرى داخل البلاد، وهذا ما حصل بجلاء.
تحولت مليشيات الولي الفقيه إلى مصدر للإنفاق أضر وأضعف كل القطاعات الاقتصادية المنتجة للموارد، وعندما بدأت دوائر الاهتراء تتسع في خدمات الصحة والتعليم والبنية التحتية، فماذا فعل "الولي الفقيه" بفقهه العجيب؟ زاد الطين بلة بأن حول تلك المليشيات إلى دولة داخل الدولة، وأعطاها سلطة تسمح بأن تكون هي القوة الاقتصادية الأكبر، إنما في تبديد الموارد وليس في إنتاجها.
الخليفة الأخواني في أنقرة لم يستطع أن يفعل ذلك مبكرا، ولكنه بدأ يستلهم التجربة، فأقر إنشاء مليشيات مماثلة للحرس الثوري، أو تؤدي جانبا من وظيفتها. وهو يفعل ذلك بعد أن بلغ الانهيار الاقتصادي مبلغا أضخم من أن يتمكن من تمويل طموحاته التوسعية.
ولقد اختار أن يجعل من تلك الطموحات مصدرا للارتزاق ممن يعتقدون أن لهم مصلحة في تمويل الخراب، فمولوه وسدوا العجز في ميزانيته وزادوا في تمويله، كلما نجح في تحقيق اختراق تخريبي جديد.
السؤال الذي ظل غائبا عن أذهان أولياء "الفقه" التخريبي هؤلاء هو: إلى أين؟ ثم إلى متى؟
هل يمكن أن يتضح من الخراب والفقر الذي يعيش فيه العراق، أي أفق لأي مصلحة يمكن أن تجنيها إيران؟
الملايين الذين ظلوا يتظاهرون ضد المشروع الطائفي الصفوي في العراق، قالوا الكلمة الأخيرة والنهائية في مستقبل هذا المشروع.
ولئن بدت سلطة عصابات الإخوان في طرابلس وكأنها أقوى مما كانت قبل وقت قصير بفضل المرتزقة الذين دفعهم أردوغان إلى ليبيا، ومولهم متعهدو الخراب في المنطقة، فإن الأفق هناك أيضا مسدود، مسدود! من ناحية لأن هناك شعبا لا يريد لبلاده أن تعود إلى أحضان المشروع العثماني – الأخواني الجديد، ومن ناحية أخرى، لأن المنطقة بأسرها لن تتحمل مشروعا تافها كهذا يستجلب شيئا من عفن الماضي ليمزجه بوقاحة المشروع الأخواني وإرهابه.
هناك موارد محدودة وها إنها تتبدد. وها هي تقف أمام أفق مظلم، فإلى أين يمكن للسعار أن يذهب؟
المسعورون، مسعورون لأنهم لا يراعون في سعارهم مصلحة، إلا السعار نفسه.،وهو محنتهم التي لا شفاء لهم منها، فهم إذ لا يقدمون للآخرين إلا الخراب، فإن دائرته لا بد في النهاية أن تدور عليهم. أفلا يقرؤون معدلات الفقر والبطالة والتضخم على الأقل؟ أم أنهم لا يُبصرون؟.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة