"تتريك" شمال سوريا.. أنقرة تعاود "لدغة" القرن الماضي
ظاهرها دعم وباطنها احتلال.. خطوات حثيثة من أنقرة، لفرض سياسة تتريك جديدة في مناطق شمال وشرق سوريا، تثير المخاوف من "لدغة" جديدة.
فمنذ احتلالها مناطق من سوريا تعمل تركيا على قدم وساق لطمس هوية سكان الشمال والشرق السوري، وتغيير التركيبة الديمغرافية بالقوة.
وخوفا من أن يعيد التاريخ نفسه وتلدغ سوريا من الجحر التركي مرة أخرى، حين احتلت أنقرة لواء أسكندرون السوري، القرن الماضي، تخشى فعاليات سياسية من الخطوات التركية الجديدة.
فما بين تغيير السجل المدني للسكان، والحث على تداول الليرة التركية، والسعي لتغيير المناهج الدراسية، وفرض اللغة التركية، يخشى السوريون من فرض الجار الذي يتحين الفرص، أمرا واقعا لتقسيم بلادهم واحتلالها.
الخارجية السورية نددت مؤخرا بإحداث تركيا أمانة عامة للسجل المدني في محافظة إدلب، ورفضت الخطوة التركية بسحب البطاقة الشخصية والعائلية السورية من السكان، واستبدلتها بأخرى لـ"المحتل الجديد".
ومنذ وطئت أقدام الجيش التركي والموالين له الأراضي السورية، كان واضحا أن الأهداف المعلنة مجرد شعار، باطنه انتهاج سياسة تتريك شاملة لمناطق الشمال والشرق السوري.
أيادي العبث التركية
فرضت تركيا فور تدخلها العسكري منذ عام 2018، في مناطق شمال سوريا اللغة التركية على المناهج الدراسية، وجلبت فروعا للمؤسسات الحكومية، مع محاولة يائسة لفرض التعامل بالليرة التركية.
وروجت "قوة الاحتلال الجديد" كما يصفها السوريون، التعامل بالليرة التركية في إدلب وأرياف حلب، لكن "العملة المفروضة"، رُفضت حتى الآن، لغياب التخطيط السليم اقتصاديا.
ولفرض السمة التركية دخلت أنقرة من باب التعليم، وبدأت بفتح فروع لجامعاتها، وظهرت كلية تركية للطب وفرع جديد لأحد المعاهد.
وتماديا في تعسفها لفرض أمر واقع منعت السلطات التركية في إدلب مؤخرا الطلاب من الذهاب لإجراء الامتحانات النهائية في مدارس تديرها الحكومة السورية.
وفي شهادة على التوغل التركي "الناعم" يقول خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، كيريل سيمونوف، لصحيفة "كوميرسانت" كما نقل موقع "روسيا اليوم": "إننا نرى كيف تفقد سوريا إدلب. ليس لدى أنقرة خيارات، فإما أن تتحمل المسؤولية عما يجري هناك، وكذلك في مناطق أخرى في شمال سوريا، وإما ستكون هناك "منطقة رمادية" مع كل العواقب المترتبة على ذلك".
وتشرح الأمينة العامة لحزب "سوريا المستقبل" في مقابلة مع موقع "المرصد السوري" الأسبوع الماضي كيف تعمل تركيا على تغيير ملامح عفرين شمال سوريا، الأمر الذي يشكل خطورة على استقرار البلاد، ويهدد سلامتها ووحدة أراضيها.
وتقول سهام داوود الأمينة العامة للحزب في حديثها مع المرصد السوري إن أحد أهداف عملية “غصن الزيتون” التي قامت بها تركيا وتوابعها عام 2018، هي احتلال هذا الجزء من سوريا.
وتحدثت داوود عن إدراج تركيا مناهج تعليمها بلغتها ورفع علمها في "المناطق المحتلة" على الدوائر والمدارس والمستشفيات، خاصة في عفرين.
وبحسب السياسية السورية فإن تركيا تقوم بنفس الممارسات في مناطق تل أبيض، ورأس العين، التي احتلتهما في التاسع من أكتوبر/تشرين الأول عام 2019.
الهدف البعيد
وعن الأهداف غير المعلنة لتركيا من التدخل في سوريا، ترى داوود أن أنقرة تسعى من خلال سياساتها الاستعمارية في سوريا إلى إعادة صياغة المنطقة سياسيًا واجتماعيًا وعسكريًا، لتصبح القوة المهيمنة في الشرق الأوسط، وتلعب دورا في رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد.
وفي محاولة لفهم استراتيجية التدخلات التركية في المنطقة عموما، توضح سهام داوود أن أنقرة "تسعى إلى تطبيق الميثاق المحلي في المنطقة؛ حيث تعتبر أن الأراضي السورية بدءًا من حلب مرورا بمناطق شمال وشرق سوريا وصولًا إلى الموصل وكركوك (بالعراق) هي أراضٍ تابعة للدولة التركية" المزعومة.
"فضح التتريك واجب"
وتطرقت الأمينة العامة لحزب سوريا المستقبل، في مقابلتها المطولة مع "المرصد السوري"، إلى "سعي منظمات الحقوق المدنية والدولية ومنظمات حقوق الإنسان إلى فضح سياسات تركيا في المنطقة من خلال رصد كافة الانتهاكات المرتكبة بحق أبناء سوريا؛ وبالأخص عمليات التغيير الديمغرافي التي تقوم بها، مشيرة إلى توثيق معظم حالات التهجير والاختطاف والقتل والتعذيب والاغتصاب".
واعتبرت داوود أن "الاستمرار بفضح سياسات تركيا في سوريا والمنطقة واجب أخلاقي وإنساني بالدرجة الأولى، وهو واجب وطني على جميع الأحزاب السياسية في سوريا إلى جانب المنظمات الدولية والإقليمية، من أجل وضع حد للتدخلات التركية في الشأن السوري والمنطقة".