"قبرص جديدة بشمال سوريا".. خبراء يكشفون عن أهداف العدوان التركي
العدوان التركي على شمالي سوريا يعطي قبلة حياة للتنظيمات الإرهابية بعد دحرها بالعراق وسوريا، ويسهم أيضا في زيادة التوتر والعنف بالمنطقة
كشف خبراء وسياسيون عرب عن أبرز السيناريوهات والأهداف غير المعلنة للعملية العسكرية التركية على شمالي سوريا، مؤكدين أنها محاولة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتأسيس قبرص جديدة شمال سوريا.
وتدعم تركيا نظاما في شمال قبرص غير معترف به دوليا منذ ثمانينيات القرن الماضي، في محاولة للتأثير على البلد الذي يكافح للوحدة، الأمر الذي يرى الخبراء أن أردوغان يسعى لإعادة إنتاجه في الشمال السوري لوضع قوى موالية لأنقرة.
- العدوان على سوريا.. العالم ينتفض ضد "مغامرات" أردوغان
- بالصور.. نزوح جماعي هربا من العدوان التركي على سوريا
وقال الخبراء، الذين تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، إن أردوغان يعد من وراء هذه العملية لسيناريو "قبرص جديدة" في شمال سوريا يستهدف تقوية مناطق النفوذ التركية؛ سياسيا وعسكريا، وهذا سيؤدي إلى تسهيل عبور مليشيات إيرانية لشرق الفرات وتنفيذ مشروعها التدميري، وسيسمح لتنظيم داعش وخلاياه النائمة بإعادة قواه من جديد في المنطقة.
وشن النظام التركي عدوانا على شمالي سوريا، ضمن عملية عسكرية ضد الأكراد شرقي نهر الفرات، في تحدٍ سافر لكل المواثيق والقوانين الدولية.
وزعم الرئيس أردوغان، في تصريحات صحفية مؤخرا، أن الهجوم يستهدف القضاء على التهديدات التي يمثلها مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية السورية وإرهابيو تنظيم داعش وتمكين اللاجئين السوريين في تركيا من العودة إلى ديارهم بعد إقامة "منطقة آمنة".
وذكر في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 سبتمبر/أيلول أنه "يعتزم القضاء على الهيكل الإرهابي لحزب العمال الكردستاني (وحدات حماية الشعب الكردية)، وإنشاء ممر للسلام".
ومعلوم أن وحدات حماية الشعب، القوة الرئيسية في قوات سوريا الديمقراطية التي تضم عرباً وكرداً وآشوريين في صفوفها، قد خاضت معارك دامية وشرسة ضد تنظيم داعش عندما كان الأخير في أوج قوته عامي 2014 و2015.
كما خاصت العديد من المعارك ضد الجماعات الإرهابية مثل "جبهة النصرة" وغيرها عندما حاولت الأخيرة السيطرة على المدن والمناطق الكردية في سوريا.
المشروع التدميري الإيراني
ورسم خبراء عرب، في أحاديث منفصلة لـ"العين الإخبارية"، سيناريوهات وتداعيات العدوان التركي على سوريا.
وقال المعارض السوري الدكتور محمد خالد الشاكر، أستاذ القانون الدولي ورئيس التيار العربي المستقل، إن "العملية التركية في شمال وشرق سوريا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بتطلعات السوريين أو العملية السياسية، ولن تقدم إلا مزيداً من الصراعات التي تعوق وتعطل وتطيل أمد وإطار العملية السياسية في سوريا".
وحذر الشاكر، في حديث لـ"العين الإخبارية"، من أن "العملية العسكرية ستمهد لحالة صراع وفوضى في المنطقة؛ لأنها ستسمح بعبور المليشيات الإيرانية إلى شرق الفرات، وتنفيذ مشروعها التدميري الطائفي".
وأوضح الشاكر أن العملية التركية ستعطي إيران قوة مضافة كحليف لأنقرة في إطار ثلاثي أستانا".
وكانت العاصمة الكازاخستانية أستانا قد احتضنت، 29 نوفمبر/تشرين الأول 2018، الجولة الحادية عشرة لمباحثات أستانا حول سوريا بمشاركة الدول الضامنة الثلاث (روسيا وتركيا وإيران)، لوضع رؤية لإنهاء الأزمة السورية.
وشرح الشاكر طبيعة وتداعيات العملية العسكرية في شمال شرق سوريا، قائلا: قوات سوريا الديمقراطية قوامها أكثر من 50% من أبناء المكون العربي في المنطقة، وأن أي عملية عسكرية تركية لا تعني اقتتالاً بين مكونين سوريين وحسب (الكرد وفصائل درع الفرات) وإنما هي في واقع الحال اقتتال بين أبناء المكون العربي أنفسهم".
وتابع: "هذا ما يزيد من حالة الانقسام المجتمعي لأبناء المنطقة الذين تربطهم رابطة دم واحدة، كما تزيد من حالة الفراغ والفوضى في المنطقة التي شبعت من الموت والتهميش".
وأكد المعارض السوري أن ذلك يهدد بإثارة المزيد من الصراعات في المنطقة، وفتح الباب على مصراعيه لمزيد من الأدوار التي تسمح لتنظيم داعش وخلاياه النائمة بإعادة قواه من جديد في منطقة شرق الفرات.
وقال الشاكر إن "التجارب التي يعيشها السوريون أثبتت فشل الأتراك في مناطق نفوذه، التي ما زالت إما ساحة لتبادل مناطق النفوذ والمصالح وإما ساحة لاقتتال الفصائل وحالة الفراغ والفوضى والفلتان الأمني الذي دفع ثمنه السوريون في مناطق لم تكن سوى ساحة لتجاذبات المصالح بين القوى المتصارعة".
قبرص جديدة بسوريا
سيناريو "قبرص جديدة بشمال سوريا أو جمهورية شمال سوريا التركية" طرحه الشاكر أيضا ضمن ما يسعى أردوغان لتحقيقه، وهو ما فصله بالقول: "يسعى أردوغان لتحقيق الرغبة الروسية في إعادة اللاجئين في إطار تحالف ثلاثي أستانا، ولكنها عودة ستكون لحل مشكلة تركيا وليست عودة إلى مناطقهم، وبالتالي سيكون هناك تغيير ديموغرافي على الحدود مع سوريا".
واستطرد: "يسعى هذا المخطط لتحقيق مشروع المجال الحيوي التركي في سوريا كمشروع يتعدى كونه سياسياً ولكنه مشروع ثقافي واجتماعي تركي داخل سوريا، يشبه إلى حد كبير المجال الحيوي لتركيا في شمال قبرص، وهو الأمر الذي يمثل خطورة كبيرة على شكل دولة سوريا في المستقبل.
منعطف جديد في الأزمة
من جهته، اعتبر الباحث السياسي اللبناني توفيق شومان، في حديث لـ"العين الإخبارية"، أن ما تفعله تركيا هو محاولة لإعادة تدوير الأزمة السورية وإدخالها في منعطف جديد يؤدي إلى تقوية أوراق القوة السياسية والعسكرية وتوسيع مناطق النفوذ، وذلك حتى تقترب من الأوراق التي تملكها إيران وروسيا في سوريا.
وشدد شومان على أن العملية التركية لن تحقق أهدافها، بل ستعقد الأمور، قائلا إن "التوصل لحل سياسي في سوريا ما زال صعبا وطويلا ومعقدا".
قبلة حياة للإرهاب
من جهته، قال الدكتور أحمد قنديل، الخبير السياسي بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لـ"العين الإخبارية"، إن العملية العسكرية بشمالي سوريا التي شنها نظام أردوغان بزعم إنشاء منطقة آمنة في الشمال السوري سوف تعطي قبلة الحياة لتنظيم داعش الإرهابي وباقي التنظيمات الإرهابية بعد دحرها في سوريا والعراق.
ووصف قنديل العملية بأنها "استمرار للبلطجة التركية، وانتهاك لسيادة دولة عربية وتمزيق لوحدتها وسلامتها"، متابعا: هذا التصرف الأرعن والخطير للغاية سيدفع لمزيد من التوتر والعنف في المنطقة.
وقال الخبير بمركز الأهرام إن قوى التطرف والإرهاب ستنتعش في الفترة المقبلة نتيجة للتصرف الأحمق من جانب أردوغان.
وأوضح قنديل أن العملية العسكرية ستكون بمثابة "المغناطيس" الذي سيجذب التنظيمات الإرهابية في العديد من مناطق العالم للشمال السوري باعتبار أن المنطقة الآمنة المزمع إنشاؤها ستكون خارج نطاق سيطرة أي دولة.
ونبه إلى أن إقدام نظام أردوغان على بدء عملية عسكرية ضد سوريا، وتماديه في التدخل بشؤون دول المنطقة جاء بسبب عدم وجود مواقف حازمة من القوى المؤثرة الدولية ضد أنقرة، وهو ما أوضحه بالقول: "كانت هناك مواقف مخزية دولية عقب إعلان النظام التركي من قبل ودون وجه حق التنقيب عن الغاز في شرق المتوسط".
وكانت عمليات التنقيب التركية في مناطق تابعة لقبرص في البحر المتوسط قد بدأت عام 2017، عندما أطلقت أنقرة سفينة "خير الدين بربروس باشا"، التي تم شراؤها من النرويج عام 2013.
وفي مايو/أيار 2018، أطلقت تركيا أول سفينة حفر سمتها "الفاتح"، التي اعتبر وزير الطاقة التركي إطلاقها بمثابة "بداية حقبة جديدة" في مخطط اكتشاف النفط والغاز في تركيا.
aXA6IDMuMTQzLjUuMTYxIA== جزيرة ام اند امز