قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب من سوريا فتح الأسئلة الكبرى حول الشرق الأوسط وما حجم الآثار المحتملة لمثل هذا القرار؟
قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب من سوريا فتح الأسئلة الكبرى حول الشرق الأوسط وما حجم الآثار المحتملة لمثل هذا القرار؟ وهل سوف يترتب على ذلك القرار تحولات سياسية أو عسكرية يمكنها أن تعيد حسابات المنطقة من جديد؟
مع أن القوات الأمريكية عددها قليل في سوريا لكن بمجرد اختفاء ولو جندي أمريكي واحد من هناك سيكون إيذاناً لما لا يمكن توقعه والحقيقة المنتظرة أن كل الاحتمالات مفتوحة لحدوث الآثار الجانبية لمثل هذا القرار
يبدو أن المربع رقم واحد في قضايا الشرق الأوسط وقضايا الخلاف والأمن القومي في هذه المنطقة يعود من جديد، الأمر يتطلب إعادة التفكير حول ما يجري هكذا تبدو الأمور.. وهكذا يجب أن تتفجر الأسئلة المهمة حول الشرق الأوسط مرة أخرى سواء من غرف السياسة أو من غرف الباحثين والكتاب والمحللين، يوم ما قال كيسنجر السياسي الأمريكي الشهير كلمته الخالدة "ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تحل أي مشكلة في العالم لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة وتحرك هذه الخيوط حسب المصلحة القوية الأمريكية".
من هي أمريكا التي تربك العالم بقراراتها وتشغل الدنيا بها، أمريكا هي أكبر قوة اقتصادية وعسكرية في العالم، مصالحها تمشق العالم في جميع اتجاهاته، قدرتها لا تتوقف عند حد وتستطيع أن تتدخل إذا ما قررت ذلك في بقاع الكون، إنتاجها المحلي يشكل ربع ما ينتجه العالم أجمع، ولديها ميزانية دفاعية تحتل المركز الأول في العالم من حيث الإنفاق والكم، تمتلك الكثير من محركات العالم وأعماله الرئيسية من تقنية وغيرها، حكمها خمسة وأربعون رئيساً وفق دستور أقر عام 1787م، رئيسها الخامس والأربعون هو دونالد ترامب.
ترامب رئيس ليس له علاقة بعالم السياسة ومع ذلك كانت وعوده لناخبيه أن يجعل من أمريكا عظيمة مرة أخرى، قاد حملة تعتبر في العرف الانتخابي من أغرب الحملات من حيث الموضوعات ومناقشتها أثارت الكثير من الأسئلة حول موضوع حملته الانتخابية، وفي يناير 2017، تم تنصيب ترامب رئيساً لأمريكا بعد صراع انتخابي كشفت فيه السياسة الأمريكية في ذلك الوقت عن وجه شرس من الصراع في سبيل الوصول إلى البيت الأبيض.
الأغرب في تاريخ الرؤساء أن ترامب وخلال عشرين شهراً فقط استغنى عما يفوق الثلاثين من مسؤولين كبار جلبهم هو إلى مؤسسة الحكم، حيث البيت الأبيض، وهذا مؤشر مقلق بالنسبة للعالم كله وليس لأمريكا وحدها، ترامب استخدم تويتر ليكون الوسيلة التي يصدر من خلالها قراراته وخلال فترة وجيزة أصبحت أمريكا الدولة التي لا يمكن التنبؤ بما تقرر، ومع ذلك احتفظ ترامب إلى حد كبير خلال الأشهر الأربعة والعشرين الماضية من رئاسته بعلاقات متينة مع حلفاء أمريكا ولكنه لم يتوقف عن مفاجأة الجميع بقرارات غير متوقعة.
لا بد من التفريق هنا بين تمسك أمريكا بعلاقات قوية مع حلفائها في الشرق الأوسط وبين تحولات مفاجئة في إدارة أمريكا لمشكلات الشرق الأوسط، خاصة أن الشرق الأوسط يمر بأقسى فتراته وعلى جميع الصعد، الحقيقة أن القرارات الأمريكية فيما يخص الشرق الأوسط ليس شرطاً أن تكون مطراً يمكنه إحياء الشرق الأوسط من جديد، ومن المؤكد أن القرار الأمريكي حول الشرق الأوسط هو أقوى القرارات التي لا يمكن إغفال تأثيرها المباشر مهما اعتقدنا أن هناك قوى دولية يمكنها أن تلعب دوراً مؤثراً كذلك مثل الصين أو روسيا.
قرار الرئيس الأمريكي بالانسحاب من سوريا فتح الأسئلة الكبرى حول الشرق الأوسط وما حجم الآثار المحتملة لمثل هذا القرار؟ وهل سوف يترتب على ذلك القرار تحولات سياسية أو عسكرية يمكنها أن تعيد حسابات المنطقة من جديد؟ مع أن القوات الأمريكية عددها قليل في سوريا لكن بمجرد اختفاء ولو جندي أمريكي واحد من هناك سيكون إيذاناً لما لا يمكن توقعه والحقيقة المنتظرة أن كل الاحتمالات مفتوحة لحدوث الآثار الجانبية لمثل هذا القرار.
يبدو واضحاً أن صراعاً أيديولوجياً يدور في أروقة البيت الأبيض، حيث إن هناك من يريد أن يحافظ على التقاليد الأمريكية التي اكتسبتها أمريكا خلال النصف الأخير من القرن الماضي وتحديداً بعد الحرب العالمية الثانية، وفي المقابل هناك فريق يعتقد أن التاريخ الأمريكي ليس مقدساً إلى هذه الدرجة من حيث الالتزام بتفاصيله وتقاليده السياسية التي أوصلت أمريكا إلى ما هي عليه اليوم.
كل ما يخشاه العالم برمته بما في ذلك دول الشرق الأوسط أن يكون من المستحيل استدراك الآثار الجانبية لمثل هذه القرارات التي توفر معارضين لها أكثر من المؤيدين بمجرد إقرارها من الإدارة الأمريكية، لذلك العالم أمام أمرين لا ثالث لهما: إما يكون أمام تحولات بنيوية كبرى في تشكيله السياسي والاقتصادي والثقافي يتطلب تفكيراً مختلفاً وقرارات غير معتادة أو غير متوقعة وخلط للأوراق الدولية، وإما أننا أمام مرحلة خاطئة من التاريخ العالمي يتطلب إصلاحها سريعاً.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة