سوريا بعد الأسد.. مسار على جمر التحديات
مع سقوط نظام بشار الأسد، باتت سوريا على موعد مع مرحلة جديدة مليئة بالتحديات؛ أبرزها إعادة بناء دولة دمرتها الحرب وسنوات من الفساد وسوء الإدارة.
ورغم الاحتفالات بسقوط النظام، إلا أن السوريين يواجهون اليوم واقعًا صعبًا، تكثر فيه التحديات، بحسب المجلس الأطلسي الذي قال إنه على عكس الانهيارات الدراماتيكية لمؤسسات الدولة في كل من العراق وليبيا بعد سقوط صدام حسين ومعمر القذافي، انهارت مؤسسات الدولة السورية تدريجيًا.
ولم يكن سقوط بشار الأسد سبب انهيار الدولة؛ بل كان نتيجة له، فـ«قد أدت سنوات من سوء الإدارة الاقتصادية والفساد والحرب إلى تقويض أسس الحوكمة، تاركة وراءها بلدًا ممزقًا ومنهكًا»، بحسب المجلس الأطلسي.
ويواجه السوريون الآن حكومة جديدة بقيادة تظل إلى حد كبير غير مألوفة. ورغم أشاد البعض بالنموذج الإداري والاقتصادي الذي تبنته المعارضة في إدلب تحت قيادة «هيئة تحرير الشام»، يشكك الكثيرون في إمكانية توسيع هذا النموذج لإدارة سوريا بأكملها.
وأصبحت الفجوة بين النجاحات المحلية في الحوكمة ومتطلبات الحوكمة على المستوى الوطني محور القلق، خاصة بالنظر إلى المشهد السياسي المتشرذم في سوريا وتضارب مصالح الفصائل المختلفة.
احتياجات فورية
وبحسب مقال سنان حتاحت، زميل أول ومدير برنامج سوريا في المجلس الأطلسي، ذهبت السكرة وحلت محلها إدراك جاد لحجم المهمة المقبلة، إذ يجمع السوريون، رغم تنوعهم السياسي، شعور مشترك بالحاجة الملحة لحلول لمشاكلهم اليومية: تأمين الكهرباء، وإعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وخلق فرص العمل، وضمان الوصول إلى الضروريات الأساسية.
هذه الاحتياجات الفورية غير قابلة للتفاوض وتشكل حجر الزاوية لأي ثقة تأمل الحكومة الانتقالية في بنائها. وإذا لم يتم تلبيتها، فإن الحكومة تخاطر بفقدان شرعيتها الهشة، وقد يُغلق نافذة الصبر الشعبي أسرع مما هو متوقع، بحسب حتاحت.
ويقف أحمد الشرع، القائد الفعلي الجديد لسوريا، في قلب هذا الانتقال الهش، يقول حتاحت، مشيرًا إلى أن الرهانات بالنسبة له كبيرة للغاية: ففشل القيادة الفعالة قد يقوض موقفه ويفتح الباب أمام تجدد الانقسام أو حتى الفوضى.
وأكد الكاتب أن التحديات ضخمة، فهيئة تحرير الشام، التي تتمتع بنفوذ كبير في الحكومة الجديدة، تفتقر إلى الخبرة التكنوقراطية اللازمة لإدارة دولة معقدة مثل سوريا.
وفد اعتمدت المجموعة في إدارتها لإدلب على الارتجال والتحالفات المحلية، لكن إدارة بلد بأكمله تتطلب قدرًا أكبر بكثير من القدرة المؤسسية والخبرة، بحسب الكاتب، مشيرًا إلى أنه على قيادتها الآن مواجهة التحدي الكبير المتمثل في سد الفجوة بين أساليب الحوكمة المحلية ومتطلبات الإدارة الوطنية الموحدة. وستكون قدرتها على التنقل في المشهد السياسي السوري المتقلب أمرًا بالغ الأهمية.
وأظهر السوريون خلال الصراع مرونة وإبداعًا استثنائيين في تطوير حلول محلية، فيما أصبح الاعتماد على الذات سمة بارزة للبقاء على قيد الحياة، ففي مدن مثل دمشق وحلب، غالبًا ما تُدار الخدمات الأساسية محليًا، مع الحد الأدنى من تدخل الدولة.
لكنّ نجاح هذه الحلول المحلية ليس مضمونًا، فحجم التحديات الوطنية في سوريا يتطلب تنسيقًا وموارد لا يمكن للجهود المحلية وحدها توفيرها.
تدابير أمنية
وهناك أيضًا قلق متزايد من أنه في غياب التقدم، قد تلجأ الحكومة إلى التدابير الأمنية المركزية كوسيلة للحفاظ على السيطرة، وإذا حدث ذلك، فسيكرر أساليب لطالما أثارت استياء الشعب ولم تسفر عن نتائج ذات مغزى.
كما تزيد الطبيعة المنقسمة للمجتمع السوري بعد سنوات الحرب من تعقيد الوضع، فلم تتسبب الحرب في الدمار المادي فحسب، بل أضعفت الثقة بين مختلف المجتمعات.
وللتعامل مع هذه الانقسامات، يجب على الحكومة ضمان أن تكون الحوكمة شاملة وتمثل الطيف السياسي المتنوع في سوريا. وبدون هذه المشاركة، هناك خطر حقيقي من تهميش مجموعات رئيسية، مما يزيد من زعزعة الاستقرار في المرحلة الانتقالية.
ويلعب المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، دورًا حيويًا في دعم تعافي سوريا، وحتى الآن، ركزت السياسة الأمريكية على السماح لدول أخرى، خاصة الدول الإقليمية، بتقديم المساعدة المالية للحكومة الانتقالية.
ويرى الكاتب أن الحكومة الانتقالية في سوريا تواجه لحظة حاسمة، وأنه لتحقيق مستقبل سياسي مستدام وشامل، يجب عليها التركيز على تمكين القطاع الخاص والمجتمع المدني، مشيرًا إلى أن تمكين هذه القطاعات لن يقلل فقط من الضغط على الحكومة، بل سيبني الثقة مع السكان، وهو أمر بالغ الأهمية للاستقرار طويل الأمد.
وخلص حتاحت إلى أن أي تأخير في رفع العقوبات وتقديم الدعم المستهدف قد يقوض هذه الجهود، وربما يوجه ضربة قاتلة لآفاق سوريا للتعافي. وأن الأشهر المقبلة ستحدد ما إذا كانت حقبة ما بعد الأسد في سوريا ستشكل قصة تجديد أو فرصة أخرى ضائعة.
aXA6IDMuMTcuMTU2LjE1NCA= جزيرة ام اند امز