لماذا تسعى تركيا لدور في أفغانستان؟
لا يشغل الإعلام التركي حاليا قضية أهم من أفغانستان، والترويج لدور تركي محتمل بكذبة بأنه قد يغني الأفغان عما خبروه من الدور الأمريكي والغربي.
لكن الموقف التركي في مقاربته لتلك الأزمة يتخذ أشكالا عدة فأمام الأوروبيين ترفض تركيا التعاطي مع الأزمة الأفغانية، وخاصة المساعدة في موضوع اللاجئين، أما في موضوع وضع يد تركيا على مطار كابول وإدارته فإن أنقرة مستعدة لذلك بعد انتهاء أزمة التكدس وإجلاء الأفغان.
لهذا كله تريد تركيا لنفسها دورا خاصا بها لوحدها في ذلك البلد بلا اتفاق مع أي أحد سوى حركة طالبان.
وتروج وسائل الإعلام التركية خلال ذلك أن للأتراك تاريخا يمتد لألف عام مع شبه القارة الهندية وباكستان وأفغانستان وتقول إن الأتراك حكموا الهند على وجه الخصوص لمئات السنين حتى استعمار بريطانيا للهند، كما أن اللغة الأوردية تحتوي على العديد من الكلمات من أصول عربية وتركية.
وتضيف تلك الأبواق، تتمتع تركيا بعلاقات عميقة الجذور مع دول هذه المناطق، وتوفر روابطها التاريخية والاجتماعية مع هذه الدول ميزة لا تقدر بثمن لتركيا من حيث قوتها الناعمة على الساحة الدولية.
مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان، سرعان ما قبضت طالبان على مقاليد الحكم في هذا البلد، ورغم أن وسائل الإعلام الدولية تصور طالبان بشكل سلبي للغاية، إلا أن الحركة ترسل رسائل معتدلة في الوقت الحالي.
وفيما يتعلق بالشؤون الخارجية، يتعين على تركيا التصرف وفقًا للواقع الداخلي لكل دولة، رغم وجود الجيش التركي في أفغانستان كعضو في الناتو، إلا أن الأفغان لم يستاءوا أبدًا من الوجود العسكري التركي في بلادهم، على عكس الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، ولم يعامل الشعب الأفغاني تركيا كقوة احتلال، وهذا ما تريد أنقرة التأسيس عليه لغرض توسيع عملية التواجد التركي في ذلك البلد.
وأكد الكاتب التركي محمد أوجاكتان أنّه عندما نرى الثناء في تركيا على حركة طالبان، ندرك بوضوح بأمثلة ملموسة لماذا يعيش العالم الإسلامي مثل هذه الحالة البائسة.
الولاء لطالبان
ولفت الكاتب في مقاله بصحيفة "أحوال" التركية، إلى أن حركة طالبان خلقت حالة من النشوة في بعض العقول لدرجة أن هناك تقريبًا سباقاً من الأوهام في العديد من وسائل الإعلام، من الصحف إلى التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي.
ولفت الكاتب إلى أنه بينما يتنافس أوزهان أصيل تورك من أجل الولاء لطالبان، الذي يرى الديمقراطية على أنها "أمر تجديفي"، فإن دوغو بيرينجيك، الشريك في حكومة حزب العدالة والتنمية، سيتخلف عن الركب، ويشارك في سباق التجميل مع طالبان.
وفي غضون ذلك، لم يترك إمام آيا صوفيا السابق، الذي شدد على حلم "دولة الشريعة" في كل مناسبة، بيرينجيك وشأنه، وقال إن طالبان كانت تخوض كفاحًا تحريرياً ضد الغزاة.
وشدّد أوجاكتان على أنه كما يتضح من الأمثلة، كان جزء كبير من تركيا يتطلع إلى وصول طالبان من أجل وحدة الأمة، لنفترض أنه جيد، في هذه المناسبة، رأينا مرة أخرى أن المتدينين الذين ينطقون بخطاب "الأمة" لا يحلمون بالقيم الإنسانية العالمية مثل القانون والحرية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والطفل، ولكن أمر الشريعة لطالبان، الذين شنوا الحرب على هذه الحقوق.
ونوّه إلى أنه طالما كان الأمر كذلك، فإن أولئك الذين يعتقدون أن طالبان ستحقق التطبيع في أفغانستان يجب أن يُستقبلوا بالدهشة والدرس، دعونا نذكر مرة أخرى لأولئك الذين يجدون صعوبة في الفهم، فإن رسالة طالبان واضحة جدًا: "لن يكون هناك نظام ديمقراطي في بلادنا، وستسود قوانين الشريعة".
وقال الكاتب إنّه رغم هذه الرسائل الواضحة، أعتقد أن أولئك الذين يتوقعون من طالبان تحديث مجموعة "حنفي ماتوريدي" القائمة على التقاليد والبدء في تغيير جديد يجب أن يلقوا نظرة فاحصة على الفكر السياسي الإسلامي التقليدي وخاصة الواقع الملموس لطالبان.
وبالحديث عن حكم العدالة والتنمية في تركيا، قال أوجاكتان إن مسالة التحول الديمقراطي في تركيا في عهد حزب أردوغان انتهت بخيبة أمل، فمن غير المجدي توقع التغيير من طالبان. وهذا يعني أن العالم الإسلامي لا يستطيع تحقيق هذه الديمقراطية، ولا يبدو أنه من الممكن أن ينجح بهذه الوتيرة.
وقال كذلك: لأن الدول الإسلامية اليوم لم تتوصل بعد إلى اتفاق عقلي حول القيم الإنسانية الأساسية، فإنها علاوة على ذلك في حالة حرب مع القيم الديمقراطية، بطبيعة الحال، ليس من الممكن تشكيل نموذج مجتمع صالح للعيش في مثل هذا المناخ الإشكالي.