بعد 32 عاما على رحيله.. إعادة طبع روايات توفيق الحكيم
في 26 يوليو تمر الذكرى الـ32 لرحيل الأديب والمسرحي المصري توفيق الحكيم وسط إحياء وإعادة طبع لعدد من أعماله الفريدة
على الرغم من مُضي أكثر من 32 عاما على رحيل الأديب والكاتب المسرحي الراحل توفيق الحكيم في 26 يوليو 1987، فإن حالة الشغف بقراءة مشروعه الأدبي لا تزال مستمرة إلى اليوم.
ولعل لذلك الحضور علامات منها إعادة طبع عدد من عيون الأدب العربي التي تركها لنا الحكيم خلال هذا العام، أبرزها "عودة الروح" و"يوميات نائب في الأرياف" و"الملك أوديب"، في إشارة لاستمرار الاهتمام بقراءة مشروع الأديب الراحل، وإشارة أخرى إلى أن اسم توفيق الحكيم لا يزال له جمهور يقتفي آثاره.
حياته
وُلد توفيق الحكيم في 9 أكتوبر/تشرين الأول 1898 وهو الأديب والمسرحي المصري البارز الذي سحرته نداهة الأدب والفن في سن مُبكرة رغم دراسته القانون الذي كان يحلم والده أن يكون له باع فيه، وأرسله خصيصا لفرنسا لتعلمه، فإن الابن كان له رأي آخر، ووجد في عاصمة النور ما وثّق محبته للفن، وراح يتردد على المسارح الفرنسية ودار الأوبرا؛ الأمر الذي أغضب الأب واضطره لإعادته إلى مصر التي بدأ فيها عمله في سلك القضاء.
تدرج الحكيم في القضاء بين مناصب شتى ثم تنقل بين محطات وثيقة الصلة بمجال اهتمامه الأول وهو الثقافة والفنون، فعُين مديرا لدار الكتب المصرية وانتخب عضوا عاملا بمجمع اللغة العربية، وعيّن عضوا متفرغا في المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، وتم تعيينه مندوبا لمصر بمنظمة اليونسكو في باريس.
انحاز الحكيم في مشروعه إلى الرمزية، وصنع منها أداة للتعبير الفني، وجمع بينها وبين الواقعية في أسلوب صار مرتبطا بمشروعه، ولعل ذلك ما يتجلى عمله الخالد "عودة الروح" التي انتهى توفيق الحكيم من كتابتها سنة 1927 عندما كان طالبا في فرنسا ونشرها سنة 1933.
أبرز الأعمال
برز في مشروع توفيق الحكيم القدرة على توظيف الأسطورة والتاريخ دون غموض أو إغراق القارئ في متاهاته، كما فعل في العديد من أعماله مثل مسرحيات "إيزيس" و"بجماليون" وغيرهما، وجمع بين الفلسفة والخيال حتى صار رائدا لما أطلق عليه تيار "المسرح الذهني"، وهو المسرح العامر بالدلالات والرموز التي يمكن إسقاطها على الواقع في سهولة لتقديم رؤية نقدية للمجتمع والحياة، ويكون تجسيد هذه المسرحيات على المسرح أمرا صعبا، ولعل أبرز أمثلة هذا اللون من المسرح هي رائعته "أهل الكهف" التي نشرها عام 1933.
كان الراحل توفيق الحكيم غزير الإنتاج يجمع حرفية التنقل بين الكتابة للرواية والمسرح والنقد، وانشغل كثيرا بالتراث المصري والعربي في نسيج أعماله، فترى الحضارات الفرعونية والقبطية والإسلامية حاضرة في متون أعماله، وتُرجمت أعماله إلى العديد من اللغات لعل أبرزها مسرحياته "شهرزاد" و"بجماليون" و"الملك أوديب" و"سليمان الحكيم" وغيرها، ومن الروايات "عصفور من الشرق" و"الأيدي الناعمة" و"يوميات نائب في الأرياف".
يوميات نائب في الأرياف
تعد "يوميات نائب في الأرياف" إحدى أشهر روايات الأدب العربي الحديث ويسرد فيها مشاهدات من واقع عمله في القضاء في إحدى مناطق الريف المصري. تدور أحداث الرواية حول معاناة هذا النائب القادم من القاهرة إلى الأرياف، وكيف يمضي وقته في محاربة البعوض والذباب والاصطدام مع المأمور وكاتب النيابة، وهي أشهر الأعمال الأدبية التي تعرضت لواقع الريف وحياة الفلاحين بمصر في النصف الأول من القرن العشرين، وما يتعرضون له من ظلم وإهمال في ظل الجهل والفقر والمرض.
الفلسفة النقدية لتوفيق الحكيم
لعل من تفرد نموذج توفيق الحكيم هو اتساع مشروعه كذلك للكتابات النقدية والتنويرية والفلسفية والنصوص السياسية، وكذلك بصمته الباقية في كتابة السيّر الدينية لعل أبرزها كتابه "محمد- صلّى الله عليه وسلّم- سيرة حواريّة".
وأيضا اتساعه لقصص الأطفال التي تم الاحتفال عام 2019 أيضا بإعادة طباعة كتابه "حكايات توفيق الحكيم للصبيان والبنات" مُرفقا بصوت توفيق الحكيم نفسه عبر طرح الكتاب عبر عدد من المنصات السمعية الإلكترونية، بعد أن ترك الراحل بصوته على شرائط كاسيت تلك الحكايات مُبرهنا هذا التصرف بما كتبه في مقدمة هذا الكتاب: "حرصتُ على النطق بالعربية الصحيحة حتى يشب الأطفال على السماع السليم للغة، فتضاف فائدة إلى فائدة.. وكل أملي أن تنجح المقاصد، وأن يحتفظ الأطفال اليوم بصوتي المسجل، ليعيدوا سماعه وهم كبار، وقد صرت أنا ترابا، ويقول بعضهم لبعض: هذا صوت رجل من عصر مضى حكى لنا وأحبنا".
وهي كلمات حريصة على بقاء الوصل الذي لم ينقطع برحيل الحكيم في 26 يوليو 1987.