ليست المرة الأولى التي تظهر إيران فيها أقل كثيرا مما تدعيه من حيث القوة والتأثير الفعلي
ترحيب طهران المقتضب باتفاق سوتشي بين روسيا وتركيا بشأن ترتيبات الأوضاع شمال سوريا كان كافيا لإظهار حجم الامتعاض الإيراني من موقف شريكيها في مسار آستانة.. رسالة أدرك النظام الإيراني فحواها من حيث مضامينها التكتيكية والاستراتيجية وحتى الشكلية.. استبعاد لدورها وإقصاء لحضورها بهذا الحجم، تجاهل وعدم اكتراث لأي ردة فعل قد تأتي منها.. موسكو ليست في وارد تعميق التنسيق معها على الساحة السورية ميدانيا بل تكتفي بتوظيف طهران سياسيا وميدانيا لخدمة مشروعها ومصالحها وسياساتها في سوريا وفي المنطقة، وحتى مع الخارج، مستفيدة من الظروف الصعبة التي تعصف بإيران جراء العقوبات.
من الطبيعي أن يثير ذلك قلق إيران ليس بسبب إقصائها، بل لأن جميع تلك الأقطاب تلتقي عند نقطة محورية تتمثل في رفض الدور والوجود الإيراني في سوريا.
أنقرة اغتنمت فرصة التفاهم مع موسكو للتعبير عمليا عن أنها ليست في وارد اعتبار الوجود الإيراني والمشاركة كضامن في أستانا عامل انخراط للإيرانيين في جميع ملفات سوريا سواء أكانت المرتبطة بمصالح تركيا بمفردها أو بالمصالح المشتركة مع دول كبرى منخرطة في الأزمة السورية.. سوتشي ليست كأستانا، هكذا بدا للإيرانيين أنه مسار للتنسيق الثنائي فرضته مصالح الدولتين فقط.. بدا منعطفا وإشارة عملية على تناقض مصالح إيران مع طرفي اتفاق سوتشي على المدى البعيد، فلا الروس قادرون على التملص من تعهداتهم وتفاهماتهم مع الأمريكيين والإسرائيليين الرافضين بشكل حاسم للوجود الإيراني في سوريا مهما كانت أشكاله ومواقعه، ولا أردوغان الطامع بالاستحواذ على ما أمكنه من أراض ومقدرات سورية يرضى بتقاسم احتلاله مع طهران لسببين: الأول يتمثل بتناقض المصالح والمشاريع والأهداف التوسعية لدى كل منهما على الأرض السورية بشكل خاص، والسبب الثاني يرتبط بشكل غير مباشر بالصراع على النفوذ بينهما إقليميا.
أمام هذا المشهد المستجد تتحرك الأسئلة في أكثر من اتجاه: ماذا يمكن لطهران أن تفعل لاستدراك ما فاتها في سوتشي؟ هل تملك أي أوراق قوة وتأثير على شريكيها في مسار أستانا للتسلل إلى اتفاق سوتشي ولو لحفظ ماء الوجه؟ إلى أي مدى يؤسس اتفاق سوتشي لمرحلة مقبلة يتم خلالها سحب البساط من الإيرانيين تدريجيا في سوريا؟ هل تستطيع إيران المنهكة مواجهة تداعيات الضغط المتنامي عليها وعلى دورها في سوريا؟ ماذا لو وجدت طهران نفسها معزولة عن مسرح الأحداث والتفاهمات في سوريا خاصة بعد اتفاق سوتشي؟ إذا كان حليفاها في مسار أستانا، روسيا وتركيا، هما المبادرتان لتجاهلها، فكيف سيكون، لاحقا، موقف الدول المتضررة من وجودها في سوريا؟
التنسيق الدولي بشأن سوريا لم يتوقف على صعد ومسارات متعددة، تنسيق ثلاثي روسي إسرائيلي أمريكي، تنسيق شبه تركي روسي أمريكي، تنسيق ثنائي أمريكي إسرائيلي، روسي تركي، روسي إسرائيلي، من الطبيعي أن يثير ذلك قلق إيران ليس بسبب إقصائها، بل لأن جميع تلك الأقطاب تلتقي عند نقطة محورية تتمثل في رفض الدور والوجود الإيراني في سوريا.
ليست المرة الأولى التي تظهر إيران فيها أقل كثيرا مما تدعيه من حيث القوة والتأثير الفعلي، انخرطت في أحداث سوريا منذ بدايتها، حدث التدخل الروسي عام 2015 فبدت إيران متراجعة كثيرا عن الواقع الناشئ، وما يتطلب من قوة عسكرية وسياسية، سار الوجود الروسي في سوريا متوازيا بخطين: عسكري وسياسي ضاغطين، فانتزعت موسكو من يد إيران مجمل أوراقها العسكرية والسياسية المتعلقة بالوضع السوري على المسرحين الإقليمي والدولي علاوة على المسرح السوري الداخلي، اليوم يفصح اتفاق سوتشي الروسي التركي عن إرهاصات مهمة في هذا السياق.. بدل أن تحقق طهران رغبتها لتكون لاعبا مؤثرا وربما وحيدا بشأن الوضع السوري، تجد نفسها في المقطورة المتأخرة لقطار اللاعبين المؤثرين.
العدوان التركي على سوريا يشكل أرقاً كبيراً للنظام الإيراني لما يمثله من ضرر بمصالحها، طهران تتماشى مع سياسة أردوغان عبر ثلاثية أستانا وليس بشكل ثنائي وهي المرغمة على ذلك لأنها تبحث عن منافذ وخيارات لتخفيف عبء الضغوط التي ترزح تحت وطأتها.. وجود قوة احتلال إضافية منافسة ومناقضة لأهدافها إن لم تكن معادية لها على الأرض السورية كتركيا سيضيف عبئا آخر على مجمل الأعباء التي ستواجه إيران مستقبلا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة