"داعش" يسعى لإعادة الانتشار في شكل تنظيمات عنقودية ما أدى لظهور الذئاب المنفردة وهو ما خلق ظاهرة الإرهابي المتجول بدول المنطقة.
التحدي الأعظم الذي يواجه العالم اليوم يتمثل بالتوسع لتنظيم الدولة داعش والتحول من المركزية إلى اللامركزية. وبينما يتضاءل التنظيم بخسارته المعارك في كل من سوريا والعراق، يزداد انتشاره في مناطق أخرى من أنحاء العالم. ورغم الجهود المبذولة لاحتواء وعزل واستئصال جذوره، إلا أنه قد زاد حضورا على صعيد الوجود الفعلي على الأرض والتأثير المعنوي كذلك. فما أن تعلن شخصيات وخلايا ومجموعات وشبكات عن تبنيها فكر أبوبكر البغدادي ومبايعته، حتى تشرع في شن هجمات في أرجاء المعمورة وتحريض مهاجرين ومجتمعات على التطرف، وبناء على تقارير المركز الدولي لأبحاث العنف السياسي والإرهاب في سنغافورة في 2018 على سبيل المثال فإن 29 مجموعة أعلنت مبايعتها لتنظيم الدولة خلال 2014-2015 في إندونيسيا، و23 مجموعه خلال 2015-2017 في الفلبين، و11 مجموعة خلال 2014-2018 في ماليزيا، وهذه أرقام جديرة بالانتباه.
يسعى تنظيم داعش لإعادة الانتشار في شكل تنظيمات عنقودية تتكون من مجموعات أو جماعات صغيرة في العدد ما أدى لظهور المفارز الأمنية والذئاب المنفردة وهو ما خلق ظاهرة الإرهابي المتجول بدول المنطقة وخلق تحديات مركبة من نوع آخر
وإن استطاعت القوى الدولية استهداف قيادة الصف الأول للتنظيم والقضاء عليها إلا أن قيادة الصف الثاني وما يتبعها ستظل تشكل تهديد مستمر، كما أن التنظيم أنشأ مؤسسات تعليمية لخلق جيل مؤمن بعقيدة البغدادي، والسؤال الذي يطرح دائما كيف يمكن إعادة تأهيل أطفال داعش ليخرجوا من عباءة الإرهاب ومن سيتولى ذلك في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في كل من دمشق وبغداد. ومع وجود انقسام في قضية مكافحة الإرهاب بين دول تعتبر داعمه أو شبه داعمة للتنظيمات وبين دول أخرى تأخذ على عاتقها محاربة الإرهاب بشتى أنواعه وأينما وجد، ستظل تنظيمات كداعش والقاعدة تبحث عن التكيف مع التحولات الكبرى وستنمو بصمت بساحات القتال والمعارك. فقرار المملكة المتحدة كان جيدا جدا فيما يتعلق بتصنيف حزب الله كمنظمة إرهابية وفرض حظر على كل أفرع وأجنحة الحزب، أما المانيا فهي مصرة على أن تغرد خارج السرب باعتبارها حزب الله مكون سياسي في لبنان. هناك قطر أيضا والتي أصبحت مصدر إزعاج للمجتمع الدولي والإدارة الأمريكية بسبب تمويلها ودعمها للإرهاب، ووصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قطر بالداعم التاريخي للإرهاب دقيق جدا.
مع انقطاع تدفق المقاتلين إلى سوريا والعراق والتشتت في مركز التنظيم والتوجه إلى الأطراف، تبرز عدة مناطق أخرى في جنوب شرق آسيا، واليمن وأفغانستان كحاضنة للتنظيم مستقبلا. فخلال ديسمبر 2017 ومارس 2018 انتقل ما يصل إلى 69 عضوا من العناصر الرئيسية، وبين 200 إلى 300 مقاتل من العراق وسوريا إلى أفغانستان وهناك توقعات أن يستمر هذا التوجه حتى عام 2019-2020 في ظل الضغط العسكري بسوريا والعراق. وبناء على تقارير وزارة الداخلية الأفغانية فإن عدد مقاتلي تنظيم الدولة في أفغانستان يصل حاليا إلى 3000، ويقوم المقاتلون في الوقت الحالي بتنفيذ عملياتهم بالتعاون مع مجموعات إرهابية أخرى مثل لشكر إسلام ولشكر طيبة ولشكر جهانجاوي وجماعة الأحرار وجماعات أخرى في مقاطعات نانغارهار وكونار وجوزجان وسار بول وغور. التنظيم حاليا يحاول السيطرة على المناطق التي تكثر فيها زراعة الأفيون، وذلك لخلق موارد مالية أكثر استقرارا، كما أن مصادر التمويل لديه لا تختلف عن مصادر تمويل التنظيم الأم في العراق وسوريا، كتجارة النفط واختراق البنوك والشركات التجارية وجمع الأموال من المتعاطفين.
ومن ناحية أخرى يسعى تنظيم داعش لإعادة الانتشار في شكل تنظيمات عنقودية تتكون من مجموعات أو جماعات صغيرة في العدد ما أدى لظهور المفارز الأمنية والذئاب المنفردة وهو ما خلق ظاهرة الإرهابي المتجول بدول المنطقة وخلق تحديات مركبة من نوع آخر. والمفارز الأمنية لتنظيم داعش عبارة عن مجموعة من الخلايا العنقودية المعقدة تتألف من عشرات العناصر من الذئاب المنفردة المدربة على مهام القتل والتفجير والاستطلاع والاختفاء والتمويه وتتباين مهام كل خلية عن الأخرى، وكمقارنة عسكرية فهي شبيه بمجموعات المهام الخاصة في القوى النظامية. ظهور المفارز الأمنية مؤشر لتركيبة التحديات التي ستواجهها الأجهزة الأمنية في الفترة المقبلة والتي قد ترتكز على حرب المدن أو حرب العصابات أو أهداف محددة ومؤثرة. كنا نشاهد تنظيم داعش بهيكل ضخم وبمساحات جغرافية كبيرة جدا كما حدث في سوريا والعراق، إلا أنه نجح في تفكيك التنظيم إلى مجموعات صغيرة متناثرة في غرب وشرق وشمال أفريقيا بالإضافة إلى غرب البلقان والقوقاز وجنوب شرق آسيا، وبالتالي تحول التنظيم إلى استراتيجية مثلثة الأضلاع تقوم على اللامركزية في العمليات الإرهابية والوجود المتحرك إقليميا أو ما يعرف بمفهوم المعسكرات غير الثابتة أو المتنقلة، وبالتالي تبني هجمات إرهابية متوسطة المدى. ولم يعد وجود التنظيمات الفرعية أو الاجنحة في مكان واحد بثقل عسكري، كما حصل في أفغانستان والعراق وسوريا وليبيا ذا أهمية فهذه الخلايا مغايرة تمامًا في نشاطها للجماعات في فترة سابقة، وبالتالي تتطلب مواجهة من نوع آخر.
أبو مصعب السوري المفكر الأبرز في تاريخ تنظيم القاعدة وصف الذئب المنفرد بالجهاد الفردي في أحد فصول كتاب دعوة المقاومة الإسلامية العالمية، وتحدث عن فكرة لامركزية عابرة للحدود، ولخص أبو مصعب أيديولوجيته بقوله: "إن كل مسلم يجب أن يمثل جيشا من رجل واحد". أما أبو أنس الأندلسي أحد أبرز مسؤولي الاستقطاب للتنظيم والمشرف على الأدوات الإعلامية أطلق كتيب في 2015 تحت مسمى استراتيجية الذئاب المنفردة وهي منهجية لنقل العمليات الإرهابية إلى أماكن أخرى غير تلك التي يوجد فيها التنظيم. وعبر منصة دابق الإعلامية توعد التنظيم بحرب جديدة، الذئاب المنفردة، وذلك لتخفيف ضغط الضربات العسكرية التي يتعرض لها في سوريا والعراق.
وبناء على تعريف الأمم المتحدة، فالذئاب المنفردة تعرف على أنهم أشخاص يقومون بعمليات إرهابية بوسائل مختلفة بشكل منفرد بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو حتى مرضية دون أن تربطهم علاقة واضحة بتنظيم ما، ومن دون أن يكون لهم ارتباط مباشر بشبكة على الأرض المستهدفة. وبناء على تقارير المركز الدولي لمكافحة الإرهاب في لاهاي، فإن بنية الإرهاب في العقد الثاني من الألفية الجديدة شهدت عملية لا مركزية واضحة من خلال ظاهرة الذئاب المنفردة، كما أصبح متعذراً القبض على الجناة بفعل اللامركزية. ومن خلال مراقبة نشاط تنظيم داعش على الصعيد الدولي فإن منهجية الذئاب المنفردة ظهرت من خلال عمليات الدهس والطعن والتفجيرات في بروكسيل وبرلين وستوكهولم ولندن وباريس، وشكلت خروج منفذيها من الإطار التقليدي إلى غير تقليدي واستخدام أدوات تعد جزءا من حياتنا اليومية، أدوات سهله الحصول عليها وغير مكلفة، كسكين ومطرقة أو أداة حادة، أو أدوية تستخدم كمواد سامة، ولكن الأهداف صعبه ومؤثرة. وبالتالي فإن ظاهرة الذئاب المنفردة تقوم بإنهاك الأجهزة الأمنية وإحباط استراتيجيتها الوقائية ضد الإرهاب بالتالي كسر حلقاتها وإجراءاتها الاحترازية، فالذئاب أشبه بـخلايا نائمة أو أسراب عشوائية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة