أين قتلى داعش في معارك مليشيا الحشد الشعبي بالعراق؟
مليشيا الحشد الشعبي تتفاخر بما تصفها بانتصاراتها السريعة والكبيرة على جحافل داعش، في حين لا نرى لهذه الجحافل أدلة مصورة كافية
اعتادت مليشيا الحشد الشعبي الموالية لإيران في العراق إغراق وسائلها الإعلامية بصور انتصاراتها التي تدعيها على تنظيم داعش الإرهابي، فيما نادرا ما نشرت صورا لقتلى أو معتقلي داعش.
فعلى موقعها الرسمي على الإنترنت ووسائلها للتواصل الاجتماعي تنشط ميليشيا الحشد في نشر صور مقاتليها وهم يتوغلون داخل القرى والمدن التي تقول إن داعش يسيطر عليها، أو وهم يعثرون على أسلحة ومتعلقات يقولون إنها تخص داعش، أو وهم يحتفلون بما يصفونه بالنصر على داعش.
ولكن نادرا ما يتم نشر صور تخص قتلى أو معتقلي داعش، أو صور تظهر الاشتباك المباشر بين عناصر الحشد وعناصر داعش، حتى ثارت بعض الأسئلة تظهر بأنه هل يوجد حقا تنظيم مستقل يدعى داعش هناك، وبالضخامة التي تم تصويره بها؟
وبحسب جولة لبوابة العين في موقع الحشد الشعبي الإلكتروني فإن الصور المنشورة ويقال إنها لقتلى أو معتقلين من داعش تعتبر لا شيء بالنسبة للأعداد الضخمة لمقاتلي داعش التي توحي ميليشيا الحشد بأنها موجودة في المدن، وتأخذها مبررا لاجتياح المدن العراقية والسيطرة عليها تحت شعار "تحريرها" من داعش.
فعلى سبيل المثال أمس الثلاثاء نشر موقع الحشد الشعبي عدة أخبار عن مقتل أعداد ضخمة من داعش، ولكن لا صور لهم.
وتحت عنوان: "الحشد الشعبي يؤكد مقتل 100 عنصر من داعش وتدمير 15 عجلة لهم بإحباط هجوم تل صفوك الحدودي" قال الخبر إن داعش شن هجوما واسعا من 3 محاور على قوات الحشد المنتشرة على الشريط الحدودي مع سوريا باتجاه تل صفوك، وردت القوات بقتل 100 من داعش.
ونشر الحشد مع الخبر صورة لقتلى ولكن بالبحث تبين أنها صورة أرشيفية سبق وأن نشرتها صحيفة الديار اللبنانية عن عملية للجيش السوري في دير الزور عام 2016، وليس لقتلى داعش في تل صفوك.
وفي نفس اليوم نشر موقع الحشد خبرا عن القبض على مجموعة إرهابية من داعش في عملية استباقية في صحراء سامراء.
ولكن الصورة المرفقة مع الخبر ليست إلا لمقاتلين من مليشيا الحشد، وليس لأي معتقلين من الدواعش.
وفي خبر آخر قال أبو آلاء الولائي الأمين العام لكتائب سيد الشهداء، إحدى مكونات مليشيا الحشد، إن داعش هاجم بـ 350 إرهابيا من عناصره الشريط الحدودي مع سوريا، ولكن تم قتل أعداد كبيرة منهم، وترك جثث قتلاه على الشريط الحدودي.
ولم يورد الخبر أي صورة لتلك الجثث بالرغم من إعلان الحشد لأكثر من مرة سيطرته الكاملة على هذا الشريط، واكتفى بنشر صورة لأبو آلاء الولائي.
كذلك وفي نفس اليوم الثلاثاء نشر موقع الحشد خبرا عن أنه قتل العشرات من عناصر داعش بعد أن أحبط هجوما لهم غرب الموصل.
واكتفى الموقع بنشر صورة لدبابات تخص مليشيا الحشد تتوغل في إحدى المدن، ولم ينشر صورا لقتلى داعش.
ونفس الأمر ينسحب على تغطية موقع الحشد لعملياته في الأسابيع الماضية في مدن البعاج والقيروان قرب الحدود مع سوريا والتي أعلن أنه "انتصر" فيهما على جحافل داعش و"حررهما" وقتل أعدادا كبيرة من داعش، ولكن نادرا ما نشر صورا لقتلى أو معتقلين.
وأحيانا يكتفي موقع الحشد بنشر صور لمليشيا الحشد وهي تطلق النيران أو تقصف مواقع معينة، دون توضيح للمكان المقصوف ونتائج القصف الحقيقية بالصور.
ففي خبر في 24 يونيو تحت عنوان "الحشد الشعبي يقصف تجمعات لـ"داعش" شمال صلاح الدين" جاء فيه أن الحشد قصف تجمعاات لداعش في مفرق الزوية شمال المدينة، ولكن اكتفى بنشر صورة تظهر عناصر من الحشد تقوم بعملية القصف، دون صور توضح المكان المقصوف أو نتائج العملية.
ومن الصور النادرة التي عرضها موقع الحشد لقتلى داعش كان في خبر في 20 يونيو/ حزيران تحت عنوان "قتل 12 انغماسيا .. اللواء السادس يفك حصارا داعشيا عن قوة من الحشد العشائري شمال غرب تكريت".
وجاء فيه أن مليشيا الحشد قتلت 12 من داعش، ونشرت صورتين فيهما ليس أكثر من 4 أو 5 جثث قالت إنهم لداعش، وهي من الصور القليلة التي تظهر جثثهم.
ومعروف عن مليشيا الحشد الشعبي، ووسائل الإعلام الموالية لإيران عموما، أنها تتفنن في إظهار أي قتلى أو معتقلين لخصومهم؛ تأكيدا لانتصارهم عليهم، ورفعا للروح المعنوية لأتباع مليشيا الحشد، فإن كان بالفعل هناك أعداد ضخمة من الدواعش التي استطاعت وحدها السيطرة على ثلث العراق بالرغم من وجود الجيش العراقي وقوات التحالف الدولية، فأين الجثث والمعتقلين الذين يساوي عددهم هذه "القوة الخارقة" التي تظهر في الإعلام لداعش؟
ومليشيا الحشد الشعبي تكونت بفتوى المرجع الشيعي علي السيستاني بحجة محاربة تنظيم داعش في 2014، وقام بتدريبها وتوجيه أهدافها قاسم سليماني قائد فيلق القدس في مليشيا الحرس الثوري الإيراني بهدف إحلالها محل الجيش العراقي؛ ولتكون ذراع إيران الذي يضم العراق إلى نفوذها.
ورغم رفعها شعار "تحرير" العراق من داعش، إلا أن الأحداث على الأرض طوال الأعوام الثلاثة الماضية أظهرت أنها تنفذ مخطط يترجم الهدف من إنشاء ورعاية إيران لها في العراق.
فالمدن التي تعلن مليشيا الحشد أنها محتلة من داعش وتأخذ هذا مبررا لاجتياحها والسيطرة عليها اتضح أنها تقع على طول الممر البري الإيراني الذي يمتد من طهران ويخترق شمال العراق ويمر بشمال سوريا حتى يصل إلى اللاذقية على البحر المتوسط في الغرب (أي يفتح منفذ لإيران على البحر) ثم ينحدر جنوبا ليصل إلى لبنان.
وبذلك تكون إيران قد ربطت هذه البلدان الأربع برابط جغرافي واحد تحت سيطرتها أمنيا وسياسيا واقتصاديا.
ومن المدن والبلدات التي تشارك مليشيا الحشد بقوة في معارك "تحريرها" من داعش تقع على طول هذا الممر بداية من ديالي على الحدود مع إيران وصولا إلى تلعفر والبعاج على الحدود مع سوريا.
وهي نفس المدن التي أعلن داعش اجتياحها واحتلالها بسهولة وسرعة مثيرة للتساؤلات في 2014.
وتوجه أصابع الاتهام لمليشيا الحشد الشعبي بأنها ترتكب جرائم في الكثير من المدن العراقية وتنسبها لداعش بهدف إرهاب أهلها، وخاصة من السنة، وإرغامهم على تركها، إضافة إلى أن ذلك يكون مبررا لها للسيطرة على هذه المدن بحجة تحريرها من داعش.
واللافت أن هذا الأمر لا ينطبق على الصور الخاصة بالمعارك مع داعش في العراق فقط، ولكن أيضا تنطبق عن المعارك الدائرة في بعض مدن سوريا.
فعلى سبيل المثال فإن "قوات سوريا الديموقراطية"، تحالف معظمه كردي ومدعوم أمريكيا، أطلقت حملة باسم "غضب الفرات" منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي قالت إن هدفها طرد تنظيم داعش الإرهابي من مدينة الرقة بشمال سوريا.
وأعلنت بالفعل "قوات سوريا الديمقراطية" طرد داعش من مدينة الطبقة وأعلنت توغلها في بعض مدن الرقة، ولكنها لم تنشر على موقعها صورا أو فيديوهات يظهر فيها قتلى داعش، أو عمليات اشتباك واضحة بين القوات وبين عناصر داعش إلا نادرا.
وعلى موقعها الإلكتروني تنشر القوات صورًا وفيديوهات تظهر توغل أفرادها داخل الأراضي التي تسعى للسيطرة عليها، أو تظهرهم خلال الاحتفال بإتمام السيطرة على بعض المناطق أو بتحقيق "انتصارات" على تنظيم داعش، ولكن نادرا ما تنشر ما يتعلق بجثث أو عناصر أو أسرى أو تجمعات تخص داعش، وذلك بالرغم من كثرة الأخبار حول الهزائم التي تلحقها به.
كما أن معظم الصور المتداولة في وكالات الأنباء ومواقع الإنترنت عن عمليات "قوات سوريا الديمقراطية" ينطبق عليها الأمر نفسه.
ويطمح الأكراد بمشاركتهم في معركة الرقة في أن تكافئهم الولايات المتحدة ببسط نفوذهم على مناطق في شمال سوريا تقرب لهم حلم الدولة الكردية المستقلة.