قطر وجبهة النصرة.. شريان الحياة لـ"إرهاب القاعدة"
بعد دحر تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين في العراق، باتت سوريا مسرحا أساسيا لقطر بهدف إنقاذ مخطط الفوضى في المنطقة.
في 22 من شهر إبريل/نيسان 2017، كشفت وكالة "أسوشيتد برس" عن دفع قطر لفدية تقدر بمليار دولار لجماعات إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة في العراق، للإفراج عن رهائن قطريين محتجزين لديها منذ يناير/كانون الثاني 2015، ليفتح الباب أمام علاقة الدوحة بهذه التنظيمات الإرهابية، ودورها في حالة الفوضى بالمنطقة.
هذه الخطوة، أكدت رؤية العديد من المراقبين لدور الدوحة في دعم الإرهاب، عبر شبكة تمويل معقدة تتجاوز تكتيك الدعم المباشر، إلى تأسيس مظلات لضخ هذه الأموال؛ والتي كان من بينها المشاهد الدرامية المتعلقة بدفع الفدى، إلى جانب مظلة الجمعيات الخيرية.
وبعد نجاح القوات العراقية في دحر تنظيمي داعش والقاعدة الإرهابيين، باتت سوريا المسرح الأساسي لهذا الدور القطري، بهدف إنقاذ مخطط الفوضى في المنطقة، الذي بدأت فعالياته في 2011، ضمن ما يعرف بـ"الربيع العربي".
"جبهة النصرة" -الامتداد التنظيمي للقاعدة في سوريا- كانت مدخلا مناسبا لاستمرار المخطط القطري، لاسيما وأن العلاقة بين الدوحة وهذا التنظيم الإرهابي ومؤسسه أسامة بن لادن، تاريخية كشفت عنها وثائق نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) في سبتمبر/أيلول 2017.
الوثائق واعترافات المسؤولين تفضح دعم قطر للإرهاب
الاستخبارات الأمريكية كشفت عن وثائق خاصة بأسامة بن لادن، وعلاقته بقطر، تم الحصول عليها خلال الغارة التي قامت بها القوات الخاصة الأمريكية ليلة 2 مايو/أيار 2011 على مخبئه في باكستان.
الوثائق أكدت أن ابن لادن اعتمد على قناة الجزيرة القطرية بشكل أساسي، في متابعة الأخبار الخاصة بأفرع التنظيم الأخرى في البؤر المختلفة حول العالم، وكان ينتهج منهجها الإعلامي في الهجوم الشرس على دول الخليج خاصة، والدول العربية بشكل عام.
وكشفت أيضا عن قيامه شخصيا بالعمل على فيديوهات خاصة لنشر الفوضى باستخدام تأويلات وأحاديث محرفة، والتكفير والمنطق المتشدد في تفسير نظم عيش المجتمعات العربية، والتي دائما ما كان يحاول أن يظهرها بشكل مقاطع فيديو على طريقة قناة الجزيرة.
ولم يكن تنظيم القاعدة فقط كاشفا عن العلاقة التاريخية بين قطر والجماعات الإرهابية، بل جاء أيضا باعتراف مسؤولي الدوحة أنفسهم، في زلات كشفت عن حقيقة سياستها تجاه دول المنطقة.
ففي الثاني من يوليو/تموز عام 2017، اعترف محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، وزير خارجية قطر، في أحد اللقاءات، بأن بلاده تدعم الإرهاب وتوجد في ذيل القائمة.
وأقر وزير خارجية قطر خلال مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة الإيطالية روما، بتمويل بلاده للإرهاب، مؤكدا أن قائمة الاتهامات التي وجهتها رباعي دول المقاطعة العربية، ومنها تمويل الإرهاب، لا ينطبق فقط على بلاده بل إن هناك دولا أخرى في المنطقة تقوم بهذا الدور.
الاعتراف الصريح يفتح الباب أمام حقائق الدعم القطري للجماعات الإرهابية في المنطقة العربية، لاسيما جبهة النصرة الإرهابية في سوريا، التي تعتبر أداة في يد الدوحة لإنقاذ مخطط إسقاط وتفكيك الدول العربية.
قطر و"جبهة النصرة".. دعم بغطاء الفدى
تحت عنوان "قطر الصغيرة العدوانية.. هذا الصديق الذي يريد بنا شرا" للكاتبين الفرنسيين نيكولا بو وجاك ماري بورجيه، تم فضح العلاقة بين الدوحة و"جبهة النصرة لأهل الشام"، المعلن عنها في 2011، بالتزامن مع "الربيع العربي".
الكتاب كشف عن أن الدوحة أصبحت عاصمة لبعض فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى الجماعات المسلحة الإرهابية مثل القاعدة وجبهة النصرة وداعش.
واستدل الكتاب في إبراز هذه العلاقة الوثيقة بين قطر وتلك الجماعات، بدفع الدوحة لفدية للإرهابيين لإطلاق سراح الراهبات السوريات في معلولا، وذلك في مارس/آذار 2014.
بدوره، أكد جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي السابق لنائب الرئيس جو بايدن، على التحرك القطري لدعم جبهة النصرة الإرهابية في سوريا عبر مسألة الفدى الوهمية.
وكشف سوليفان عن وساطة الدوحة في أغسطس/آب 2014 لإطلاق سراح صحفي أمريكي يدعى بيتر ثيوكيرتس، كان محتجزا لأكثر من عامين لدى جبهة النصرة الإرهابية، وحتى الآن لا أحد يعلم على وجه اليقين ما المقابل في هذه الصفقة.
وبالعودة إلى الكتاب الفرنسي، فقد ركز على العلاقة الوثيقة والمشبوهة بين وزير الخارجية الفرنسي السابق، لوران فابيوس، وبين العائلة الحاكمة بقطر.
وجاء في الكتاب أن فابيوس "صديق مقرب للدوحة"، وكان له يد في دعم جبهة النصرة الإرهابية التي تمولها قطر، تحت ستارة أنها حركة معارضة تسعى لتغيير النظام في سوريا.
يشار إلى أن وسائل الإعلام الفرنسية نددت مرارا بعلاقة فابيوس بقطر، إذ لا يخفي ولاءه لها، خاصة بعد أن أصدر تصريحات في 2016 يقول فيها إن الدوحة لا ترعى الإرهاب، وما يتردد عن دورها في ذلك محض كذب.
المؤلفان الفرنسيان لم يغفلا أيضا تقارير وزارة الخزانة الأمريكية، التي تناولت مصادر قطر لتمويل لتنظيم القاعدة.
ولفتا إلى أن أعضاء من الأسرة الحاكمة القطرية نفسها، إضافة لرجال أعمال قطريين، يسهمون في تمويل الجماعات الإرهابية تحت ستارة المساعدات الإنسانية.
وقالا: "في جميع الحالات، ليس ممكنا أن تتدفق هذه الأموال على الجماعات الإرهابية دون موافقة أمير البلاد، حتى لو كان ينكر ذلك أو ينفي مسؤولية تمويل رجال أعمال قطريين غامضين لا يعرفهم أحد للإرهاب".
وهو ما أكده أيضا سوليفان في دراسة بحثية أصدرها في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية DDF، وقال إن ممولين من قطر يجمعون تبرعات مالية للجماعات الإرهابية في سوريا، بدءا من داعش حتى جبهة النصرة.
كما أعلن وزير التعاون الاقتصادي والتنمية الألماني، الدكتور جيرد مولر، خلال وقت سابق أن أغلب أموال داعش تأتي من قطر.
الوساطة السياسية وحماية قطر لـ"جبهة النصرة"
في مايو/أيار 2017، توصلت قطر لاتفاق بين فصائل الغوطة، مستغلةً علاقتها بتنظيم القاعدة في سوريا، والذي عمل في السابق تحت مسمى جبهة النصرة، لكن الاتفاق سقط سريعا، بسبب عدم التزام الجماعات الإرهابية.
ويتوزع النفوذ القطري في غوطة دمشق بين فصيلي فيلق الرحمن وجيش الإسلام مع وجودٍ لعناصر جبهة النصرة.
وعمدت الدوحة بإيعاز من نظام الملالي في إيران على ما يبدو لحشد إرهابيي النصرة في الغوطة، وسعت للتأثير على جيش الإسلام لإفشال هدنة القاهرة التي عقدتها في يوليو/تموز 2017، لتجنب توسع مناطق إقرار الهدنة في سوريا.
وانتقل الدعم القطري من الجانب المادي إلى السيطرة المباشرة، وذلك عبر أبومحمد الجولاني، التي تم تعيينه قائدا عاما لهيئة تحرير الشام، التي ينضوي تحت رايتها جبهة النصرة وتنظيمات إرهابية أخرى.
وأبو محمد الجولاني، الذي يشغل منصب القائد العسكري للهيئة، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2017، كان يشغل سابقا قائدا عاما لـ"هيئة فتح الشام" التي تشكلت بعد المناورة القطرية بالإعلان عما سمي "فك ارتباط" جبهة النصرة عن تنظيم القاعدة.
ويرى مراقبون أن الإعلان عن تولي الجولاني قيادة هيئة تحرير الشام، يشير إلى أن قطر ترغب في تأمين استمرار تواجد التنظيم في إدلب وتقسيم المحافظة لـ3 مناطق تسيطر تركيا على الجزء الشمالي الغربي المحاذي لحدودها مع سوريا.
والعلاقة بين الدوحة والجولاني علنية، فقد استضافته قناة الجزيرة عدة مرات، وظهر في اللقاءات الأولى على القناة القطرية دون الكشف عن وجهه لحمايته، قبل أن تسعى لدمجه في العملية السياسية في سوريا.
وحتى تتمكن قطر من ضمان استمرار تقديم الدعم لـ"جبهة النصرة"، بعدما طالبها المجتمع الدولي بوقفه لموالاتها زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أيمن الظواهري، قاد مسؤولون في الدوحة جهودا لإقناع الجبهة بإعلان الانفصال عن القاعدة.
وكانت تقارير دولية أكدت أن مسؤولين في المخابرات القطرية التقوا الجولاني عدة مرات خلال 2015، ووعدوه بزيادة تدفق الدعم حال قيامه بتغييرات في الولاءات وهو ما استجاب له.
ونشرت وكالة أنباء رويترز في عام 2016 تسريبات عن لقاء سري جمع أمير قطر تميم بن حمد بالجولاني.
وطلب تميم من زعيم القاعدة في سوريا الصمود خلال معركة حلب، عارضا دعم التنظيم الإرهابي بـ50 مليار دولار.
المفارقة أن وزارة الخارجية الأمريكية كانت قد أعلنت مكافأة قيمتها 10 ملايين دولار لمن يقدم معلومات عن الجولاني.
ونشر موقع "مكافآت من أجل العدالة" التابع للخارجية الأمريكية خبر المكافأة، متضمنا معلومات ترصد مسيرة الجولاني منذ إعلان جبهة النصرة البيعة لتنظيم القاعدة وزعيمه، أيمن الظواهري، في إبريل/نيسان 2013، مرورًا بإعلان فك الارتباط وتغيير المسمى إلى "فتح الشام".
وكان إعلان فكّ الارتباط عن تنظيم القاعدة، هو الظهور الأول للجولاني بوجهه، وتأكد حينها أن اسمه أحمد حسين الشرع.
وحدّد الموقع مولد الجولاني بين عامي 1975 و1979، موضحا أنه يطلق عليه، إلى جانب "أبو محمد"، أسماء أخرى كـ"أبو أشرف" و"الشيخ الفاتح".
ورغم انضواء "فتح الشام" في هيئة "تحرير الشام"، في ديسمبر/كانون الأول 2017، إلا أن الموقع اعتبر أن "النصرة" لا تزال تابعة لتنظيم القاعدة الإرهابي، وأن الجولاني لا يزال زعيمها، وهي نواة "الهيئة".
وسبق للولايات المتحدة أن أدرجت "جبهة النصرة" على قوائم "الإرهاب الأجنبي"، بموجب قانون الهجرة والجنسية، ثم اتهمتها بعد ذلك بأنها "كيان إرهاب عالمي".
الرباعي العربي يفضح علاقة الدوحة بـ"جبهة النصرة"
في 25 يوليو/تموز عام 2017، أضافت الإمارات والمملكة العربية السعودية ومصر والبحرين 9 كيانات و9 أفراد إلى قوائم الإرهاب المحظورة لديها، كان على رأسهم 3 قطريين أدوا دورا محوريا في تمويل جبهة النصرة الإرهابية في سوريا، وهم: خالد سعيد فضل راشد البوعينين، شقر جمعة خميس الشهواني وصالح أحمد الغانم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2017، أضاف الرباعي العربي كيانين لقوائم الإرهاب، وهما: "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" والمجلس التنسيقي الإسلامي العالمي "مساع".
ويعد المجلس الإسلامي العالمي المعروف باسم (مساع)، والذي يتخذ من دولة سويسرا مقرا له، أحد أبرز الكيانات التي تدعمها قطر، والذي ينفذ مخططاتها في تفتيت المنطقة.
المجلس الذي يندرج تحته 8 كيانات، يجمع بين الأيديولوجيا الفكرية لتنظيم الإخوان والأيديولوجيا العملية لتنظيم القاعدة.
مراقبون أكدوا أن (مساع) يسعى في هذا التوقيت إلى استهداف الدول العربية، وفي مقدمتها دول الرباعي العربي عبر تشويه صورتها والتطرق لملفات سياسية من خلال البرامج الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي، ودعم العناصر المتطرفة التي تستهدف هذه الدول.
أما الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، الذي يترأسه يوسف القرضاوي، التابع لجماعة الإخوان الإرهابية، فقد دعا المسلمين لما اعتبره "جهادا" في سوريا إلى جوار داعش و"النصرة"، وهما جماعتان إرهابيتان.
وفي ديسمبر 2017، أدرجت دول الرباعي العربي الداعي لمكافحة الإرهاب، نحو 80 فردا وكيانا ترعاها قطر على قوائم الإرهاب المحظورة، منذ قرارها بمقاطعة الدوحة في 6 يونيو/حزيران الماضي؛ بسبب دعمها للإرهاب.
وجاء ضمن القائمة؛ عبدالعزيز العطية، وهو قطري الجنسية وابن عم وزير دفاع قطر خالد بن محمد العطية، وأدين في قضية تمويل إرهاب دولي أمام محكمة لبنانية، واعتقل هناك بطلب من المخابرات البريطانية والأمريكية، بعدما أعلن دعمه لابن لادن وجبهة النصرة، فضلاً عن تغريدة له على "تويتر" يدعم فيها داعش.
وضمت القائمة أيضا التي تم الإعلان عنها في ديسمبر الماضي؛ القطري خليفة السبيعي، الذي أدرجته الأمم المتحدة في 2008 ضمن داعمي القاعدة، كما أدانته محكمة بحرينية بتمويل الإرهاب، نتيجة لعلاقته بخالد شيخ محمد، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر، والمعتقل في عام 2003، كما أنه متورط في تمويل التنظيمات الإرهابية بينها جبهة النصرة.
دعم قطر للإرهاب.. حقائق ووثائق
وثق العديد من السياسيين في الغرب، العلاقة بين قطر والجماعات الإرهابية، لاسيما تنظيم القاعدة بفرعه الرئيسي في سوريا "جبهة النصرة".
وقال المحلل السابق لشؤون تمويل الإرهاب في وزارة الخزانة الأمريكية، جوناثان شانزر، إن قطر مستمرة في توفير مقر للجماعات العنيفة مثل طالبان، وإن ممولي القاعدة في سوريا مستمرون في العمل من داخل الدوحة دون عقاب.
وأشار تقرير أصدرته مؤسسة "هنري جاكسون" (إتش جيه إس)، بعنوان "قطر وأزمة الخليج" في ديسمبر 2017، إلى أن الدوحة دفعت ما يصل إلى 200 مليون دولار لجماعات متطرفة مثل "النصرة" و"هيئة تحرير الشام" في شكل مدفوعات فدية إما بتسهيل أو الدفع مباشرة من قبل الحكومة القطرية، ما يعطي مصداقية للاتهام بأن البلاد تمول الإرهاب سرا.
وكان دان دونوفان وبريان فيتزباتريك، العضوان بلجنة الكونجرس للشؤون الخارجية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، نشرا مقالا في أكتوبر/ تشرين الأول 2017، أكد أن قطر تقوم بتعويض صغر حجمها بالثروة والنفوذ وتمويل الإرهاب.
وأضافا النائبان في المقال الذي نقلته وسائل إعلام أمريكية، أنه لابد من محاسبة الدوحة على جرائمها بسبب تمويل الإرهاب، وعليها أن تغلق "صنبور تمويل الإرهاب" حول العالم.
وشدد عضوا الكونجرس الأمريكي على ضرورة التأكد من التزام الدوحة تنفيذ مذكرة التفاهم التي وقعت عليها مع وزير الخارجية الأمريكي، ريكس تيلرسون في يوليو/تموز الماضي، والتي تلزمها بتعاون أكبر في مكافحة التمويل غير المشروع للجماعات الإرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وتابع النائبان أن قطر تستخدم نهجا مبتكرا لتجنب عداء الغرب، وهو السعي لإقامة علاقات طيبة مع الولايات المتحدة، فضلا عن تمويل المشاريع التجارية في الغرب، لتغطي على تمويلها للإرهاب.
بدوره، سخر عضو مجلس النواب الأمريكي عن ولاية كاليفورنيا، براد شيرمان، في تصريحات نشرتها وسائل إعلام أمريكية في أكتوبر/ تشرين الأول 2017 أيضا من قطر، بقوله إن أميرها يحاول تقديم عرض "جمباز سياسي"، معتبرا أنه يسعى للتعامل مع جماعة الإخوان الإرهابية من جهة، والولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى.
ورأى شيرمان أن أمير قطر ربما يؤمن أن الولايات المتحدة ملزمة بحماية نظامه؛ لأنه يستضيف قاعدة سياسية أمريكية، معتبرا أنه حان الوقت للأمير أن يختار جهة ويتوقف عن دعم جبهة النصرة.
وفي كلمته بمؤتمر تحت عنوان "مقاومة العنف والتشدد.. قطر وإيران والإخوان المسلمين" في أكتوبر/تشرين الأول 2017، بمعهد هدسون للدراسات بالعاصمة واشنطن، دعا وزير الدفاع الأمريكي الأسبق، ليون بانيتا، إلى محاسبة الدوحة على أنشطتها المشينة وسياساتها تجاه الجماعات الإرهابية، وطالبها بالتوقف عن سياسة المعايير المزدوجة.
وقال بانيتا: "بصراحة، قطر لديها سجل مختلط. ونحن نعلم أنها قدمت الدعم المالي لجماعة الإخوان والإرهاب وحماس وعناصر تنظيم القاعدة وطالبان، والمشكلة هي أن ازدواجيتها لا يمكن أن تستمر. إذا كنت في تلك المنطقة، لديك بعض الأعداء المشتركين: أحدهم هو الإرهاب، وبصراحة، الآخر هو إيران، ولا يمكنك أن تلعب في كلا الجانبين".
وخلال المؤتمر، طالب السياسي الأمريكي المخضرم ومبعوث الولايات المتحدة السابق إلى الشرق الأوسط، دنيس روس، قطر بوقف دعمها للإرهاب وشبكة الجزيرة، وطرد أو القبض على أي شخص مدرج على قائمة أمريكا للإرهاب.
وأضاف أنه "يتحتم على قطر التنفيذ الكامل لمذكرة التفاهم التي وقعتها مع الولايات المتحدة لمكافحة تمويل الإرهاب".
أما المراقبون العرب، فقد أكدوا مرارا الدور القطري في دعم جبهة النصرة، حيث قال د. عمار علي حسن في إحدى مقالاته، إن "قسما كبيرا من التمويل القطري، الرسمي والشعبي، في السنوات الأخيرة إلى جبهة النصرة (فتح الشام) وتنظيم داعش. كما تم تقديم الفدى المالية بما يصل لعشرات الملايين من الدولارات، لهذه الجماعات، التي كانت تعتمد على الخطف والارتهان وسيلة لتمويلها، من أجل الإفراج عن المختطفين. وهناك شكوك عميقة في قيام اتفاق بين المخابرات القطرية وتلك الجماعات على اتباع هذا الأسلوب، لتسهيل عملية التمويل هذه".
أما الكاتب سلمان الدوسري، فتطرق في مقال له إلى الشبكة المصرية القطرية لدعم الإرهاب، وقال إن "النظام المصرفي يستطيع منع الأفراد والجماعات من تحويل الأموال للمتطرفين، إلا أنه لا يستطيع ذلك إذا قررت دول فعلها، ولعل أشهر قصص التمويل الحكومية للمتطرفين ما كشفت عنه صحيفة (الفايننشال تايمز) من دفع حكومة الدوحة فدية بمليار دولار، لجماعة مرتبطة بتنظيم القاعدة تقاتل في سوريا ورجال أمن إيرانيين وجماعات عراقية متطرفة، مقابل الإفراج عن أفراد من الأسرة الحاكمة القطرية كانوا قد اختُطفوا هناك".
وتابع الدوسري "بعيدا عن دقة الرقم إن كان فعلا مليار دولار أو أقل أو أكثر، فإن هذا يعني أن أموال الفدية ما هي إلّا مبالغ دُفعت من صندوق الخزينة القطرية إلى تنظيمات متطرفة، بعيدا عن النظام المصرفي الدولي وقوانينه، المغزى هنا أن التعاون الدولي لخنق تمويل الجماعات المتطرفة لن يصل إلى غايته ومبتغاه، ما دامت حكومات بعينها تضرب بتلك النظم عين الحائط وتمول المتطرفين".
الكاتب أحمد عدنان قال أيضا في إحدى مقالاته، إن "العلاقة بين حزب الله والجماعات التكفيرية لا يمكن فهمها دون الإشارة إلى الدور القطري في لبنان، بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، كان لقطر، دونا عن دول الخليج والعرب التي دعمت قوى 14 آذار، رأي منفرد: دعم قوى الإسلام السياسي، أدى ذلك إلى اصطفاف قطر مع المحور السوري الإيراني في المنطقة".
وفي كتاب "قطر إسرائيل الصغرى ورأس الأفعى" للصحفي المصري بلال الدوي، تم رصد الدعم القطري للإرهاب.
وساق الكاتب الكثير من الأمثلة، منها مد قطر يدها بالمال والدعم الإعلامي والسياسي لتنظيم القاعدة بقيادة بن لادن عبر توفير منبر إعلامي واسع الانتشار كقناة الجزيرة لإيصال رسائله، ومد يد العون لحركة طالبان بفتح مكتب لها بالدوحة لإعطائها "شرعية سياسية"، وهو ما تسبب في إطالة أمد أزمة أفغانستان وزيادة ضحاياها.
وأشار الكاتب إلى أن المستشار بالديوان الأميري عبد الرحمن النعيمي، الذي بات يوصف بالممول الأول للإرهاب في الدول العربية، أسس منظمة "الكرامة" لحقوق الإنسان في سويسرا، لتكون بعيدة عن رقابة أجهزة المنطقة، وفتح فرعا لها بالدوحة، وجميع أعضائها من الإخوان، مثل رشيد مسلي وعباس العروة وخالد العجيمي وعبد اللطيف عربيات.
هذه المنظمة نشرت سمومها في العالم عبر إزكاء الحرب وسفك الدماء بسوريا بتقديم المدد لجبهة النصرة في سوريا، و"شباب المجاهدين" في الصومال، وجماعتي "أنصار الدين" و"أزواد والجهاد" فى غرب أفريقيا، وحركة "الرشاد" في اليمن، التي يقودها عبد الوهاب الحميقانى، و"أنصار الشريعة" في ليبيا بهدف تسليمها إلى حكم الإخوان بعد مقتل الزعيم الليبي معمر القذافي، وتنظيم القاعدة في مالي بما يخدم المصالح الفرنسية التي تبرر وجودها العسكري في غرب أفريقيا بأنها تحارب الإرهاب.
وكانت الخزانة الأمريكية أدرجت في ديسمبر/كانون الأول عام 2013، القطري عبدالرحمن بن عمير النعيمي على قائمة الإرهاب لتورطه في دعم "القاعدة" في اليمن، وبعد شهور ستتعاطى الأمم المتحدة بجدية مع تلك المعلومات وتدرج بدورها النعيمي على قوائم الإرهابيين بعد نحو 10 أشهر من الخطوة الأمريكية.
النعيمي الذي عمل لسنوات مستشارا رئيسيا للحكومة القطرية في مجال التبرعات الخيرية، دشن عام 2004 مؤسسة الكرامة في جنيف كواجهة حقوقية تعمل تحت شعار "نحارب الظلم في العالم العربي".. لكن نشاطها الفعلي كان توفير الدعم المالي لتنظيم القاعدة في اليمن والعراق ولاحقا في سوريا.
ومنظمة الكرامة واحدة من المنظمات التي تعمل تحت مظلة مساع.
محاولة حصار الإرهابي القطري المقرب من جماعة الإخوان وأمراء الدوحة اعتبرها خبراء رغبة أمريكية في كبح جماح الدور القطري في سوريا.. بعد أن رصدت واشنطن تحويل النعيمي 600 ألف دولار إلى القاعدة، عبر ممثلها في سوريا أبوخالد السوري.
لكن ثمة قرائن عديدة تشير إلى أن الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق، باراك أوباما، كانت تعلم أن الأكاديمي القطري الذي شغل مناصب رسمية في الدوحة مول في السابق حركة الشباب الصومالية والقاعدة في العراق.
وفي حالة واحدة موثقة على الأقل علمت واشنطن بتحويل مالي بقيمة 250 ألف دولار أرسله النعيمي إلى حركة الشباب الصومالية في منتصف 2012.
ويرى خبراء أن "تواطؤ" الإدارة الأمريكية في عهد أوباما، قاد المنطقة للفخ القطري لإثارة الفوضى في الشرق الأوسط؛ من أجل الدفع بتنظيمات موالية لها إلى الحكم، وكانت تظن أنه تحقق فعليا خلال عام 2012 قبل أن تتبدد أوهامها.
ويتضح من العرض السابق، أن هناك اعترافا وتوثيقا عربيا ودوليا لدور قطر في دعم الجماعات الإرهابية، وتحديدا جبهة النصرة، الامتداد التنظيمي للقاعدة في سوريا.
ولكن يظل التساؤل قائما عن دوافع التغاضي عن هذه السياسات الرمادية، التي تهدد الأمن والسلم الإقليمي والدولي، رغم توثيقها.
وهو ما أكده ديفيد كوهين، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية بمركز الأمن الأمريكي الجديد، قبل سنوات، وتحديدا في مارس عام 2014، من أن ممولي جبهة النصرة الإرهابية، كانوا يعملون في قطر.
aXA6IDMuMTM3LjE3My45OCA= جزيرة ام اند امز