عام على الإعلان الدستوري بالسودان.. ثمار الثورة ومسار العدالة والسلام
تبقى قضايا تحقيق السلام والعدالة وإنصاف الضحايا، بالنسبة للحكومة، من أهم أولوياتها التي تعمل على تحقيقها.
عام مضى على تلك اللحظة التاريخية التي شهدت التوقيع على الإعلان الدستوري في السودان، في فترة فيزيائية حصد فيها أهل البلد ثمارا أفرزت شراكة متفردة بين العسكريين والمدنيين.
ففي مثل هذا اليوم 17 أغسطس/آب من عام 2019، وقّع المجلس العسكري وتحالف الحرية والتغيير بالسودان، على وثيقة الإعلان الدستوري، في خطوة لاقت ترحيبا عربيا ودوليا.
وبحسب خبراء، فإن الإعلان الدستوري أسهم في وقف نزيف الدم والخلاف السياسي في البلاد، وأتاح الحريات العامة، وحقق العدالة والمساواة بين جموع السودانيين، تلك هي أبرز مطالب ثورة ديسمبر التي أنهت حكم تنظيم الإخوان بقيادة الرئيس المعزول عمر البشير.
وشهدت فترة العام الماضي تضييق الخناق على جماعة الإخوان الإرهابية وضرب دولتها العميقة بفضل نصوص الإعلان الدستوري الذي أنجب قانون تفكيك نظام الحركة الإسلامية السياسية، التشريع الذي زلزل عرش الإرهابيين.
منصة الانتقال
في هذا التوقيت من العام الماضي، امتلأت طرقات العاصمة الخرطوم ومدن البلاد الكبرى بحشود بشرية؛ احتفاء بتوقيع الوثيقة التي كانت بمثابة التأسيس لمنصة الانتقال السياسي في السودان.
وانقلبت أجواء التوتر السياسي والاجتماعي يومها، إلى شلالات من الفرح وسط السودانيين، بعد ما رأوا أحلامهم تتحقق بموجب بنود الوثيقة الدستورية المحكمة، وأن ثورتهم قد اقتربت من الوصول إلى نقطة التغيير المنشود.
ونصت الوثيقة على تشكيل مؤسسات حكم انتقالي مدتها 39 شهرا، تتكون من ثلاثة مستويات، "مجلس سيادي، مجلس وزراء، مجلس تشريعي" تلك المؤسسات رأت النور تباعا باستثناء البرلمان الذي تأخر بفضل تفاهمات بمفاوضات السلام.
كما أقرت تشكيل لجنة تحقيق مستقلة حول حادثة فض اعتصام الخرطوم وهو ما تم بالفعل، بجانب إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وتحقيق العدالة الانتقالية، ومحاسبة وتفكيك نظام الإخوان الإرهابي، وإعادة المفصولين تعسفيا للخدمة، واستعادة الأموال المنهوبة.
وبمقتضى أحكام الوثيقة جرى تشكيل مجلس السيادة من 11 عضوا، يتولى رئاسته لمدة 21 شهرا العسكريون والـ 18 شهرا الأخيرة يديرها المدنيون، إذ يبلغ عمر الفترة الانتقالية 39 شهرا تحسب من تاريخ التوقيع.
أساس متين
الخبير القانوني، المعز حضرة، قال لـ"العين الإخبارية"، إن تجربة الفترة الماضية أثبت قوة الوثيقة الدستورية، وأنها أساس متين لتحقيق الانتقال الديمقراطي في السودان.
ورأى حضرة أن الوثيقة أنجبت شراكة متفردة بين العسكريين والمدنيين قد تقود إلى الاستقرار في السودان وهناك تعاون كبير بين شركاء السلطة الانتقالية.
وفي تقديره، فإن ثمار الإعلان الدستوري ستظهر عقب تطبيق كافة بنوده على أرض الواقع، إذ ما يزال الكثير من القضايا المهمة التي نص عليها "حبرا على ورق"، كتشكيل المجلس التشريعي والمفوضيات.
وأضاف: "هذه المسائل بحاجة إلى إرادة سياسية من جانب شركاء السلطة، لأنه من دون تطبيق بنود الإعلان الدستوري لن يتحقق الانتقال الديمقراطي في السودان".
تغيير البنية السياسية
المحلل السياسي، عباس التجاني، قال إن الوثيقة الدستورية غيرت البنية والتركيبة السياسية في السودان، وفتحت آفاقا أوسع للحوار بين الأطراف، فضلا عن أنها وضعت الإطار العام ورسخت مفهوم الحكم المدني في البلاد.
وأضاف التجاني، خلال حديثه للعين الإخبارية، أن التجربة أكدت على قوة هذه الوثيقة ولكن التباينات الأيدولوجية والفكرية داخل تحالف قوى الحرية والتغيير أضعفت الإعلان الدستوري وحالت دون تطبيق كثير من البنود المهمة".
ولفت إلى أن "المشرّع في الوثيقة لم يقرأ تعقيدات المشهد السوداني جيدا، حيث وضع سقفا زمنيا لتحقيق السلام وهو فترة الـ6 أشهر الأولى من عمر الفترة الانتقالية، والآن مضى عام ولم يتم التوصل للسلام".
كما أن الوثيقة، وفق التجاني، مقفولة ولم يترك المشرّع مساحة لاستيعاب المتغيرات التي تطرأ على المشهد السياسي، وعلى سبيل المثال تحقيق السلام مع الحركات المسلحة.
وأكثر ما يتطلع اليه السودانيون بعد مضي عام على الوثيقة الدستورية هو تشكيل المجلس التشريعي وتحقيق السلام، واجتثاث ما تبقى من فلول نظام الإخوان المعزول.
صعود وهبوط
وبمناسبة مرور عام، قالت الحكومة، في بيان، إن الاتفاق السياسي والوثيقة الدستورية جاءا بهدف توقف نزيف الدم السوداني الغالي، وفتح آفاق لمستقبل أفضل تظلله رايات شعار الثورة "حرية، سلام، وعدالة".
وأضافت: "مرّ عام على توقيع الوثيقة الدستورية والتي تشكلت على إثرها هياكل الحكومة الانتقالية التي لا تزال تنتظر تكوين المجلس التشريعي لتكتمل أضلعها".
ولفتت إلى أنه تمّ تعيين الولاة المدنيين، وهي "خطوة في طريق إكمال بناء الحكم المدني".
وتابعت "نقف مواجهين بتحدي السلام الذي قطعنا فيه خطوات في مرحلته الأولى والتي تكاد أن تكتمل باتفاق الترتيبات الأمنية".
وتبقى قضايا تحقيق العدالة وإنصاف الضحايا، بالنسبة للحكومة، أحد أهم المهام التي تواجهها وتعمل على تحقيقها.
وأكدت قناعتها أن "مهام إدارة الدولة المحملة بإرث الحكم غير الرشيد والقوانين المُقيّدة للإبداع والحريّات نحو إحداث التغييرات الجذرية التي نادت بها ثورة ديسمبر المجيدة ليست بالأمر السهل، بل طريق متعرج بين صعود وهبوط".