تأثير تغير المناخ بالمنطقة العربية.. نظرة على مصر والسعودية
يعتقد الكثير من الأفراد أن تغير المناخ يعني في الأساس ارتفاع درجات الحرارة؛ لكنه ليس سوى بداية القصة فالأرض عبارة عن نظام مترابط، لذلك فإن التغيرات في منطقة واحدة يمكن أن تؤثر على التغيرات في جميع المناطق الأخرى.
وتشمل عواقب تغير المناخ الآن، من بين أمور أخرى، الجفاف الشديد، وندرة المياه، والحرائق الشديدة، وارتفاع مستويات سطح البحر، والفيضانات، وذوبان الجليد القطبي، والعواصف الكارثية، وتدهور التنوع البيولوجي.
ومن هذا المنطلق، يشكل تغير المناخ تحديًّا كبيرًا أمام التنمية المستدامة في المنطقة العربية، ويؤثر بشكل غير متناسب على الفئات الأكثر فقرا وضعفا، وكثير منهم من النساء؛ إذ أدى الطقس المتطرف والكوارث الطبيعية إلى نزوح ثلاثة أضعاف عدد الأشخاص في عام 2019. وكان أكثر من 95% من هذه الكوارث الطبيعية نتيجة للمخاطر المرتبطة بالطقس مثل العواصف والفيضانات.
تأثيرات تغير المناخ
تتعرض بلدان العالم العربي بشكل حاد للآثار المتسارعة لتغير المناخ، بما في ذلك موجات الحر المتزايدة، وانخفاض هطول الأمطار، وموجات الجفاف الممتدة، وارتفاع منسوب مياه البحر. وستؤدي هذه الآثار إلى تفاقم التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية القائمة، مما يؤدي إلى تفاقم محنة السكان الضعفاء بالفعل وتعريض المزيد من السكان للخطر.
وفي الآونة الأخيرة، تعرضت ليبيا لعاصفة غير مسبوقة، مما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا وتدمير واسع النطاق للبنية التحتية والمنازل. ولا يزال آلاف الأشخاص في عداد المفقودين. وقد سلطت هذه الكارثة الضوء مرة أخرى على أهم التحديات البيئية والاقتصادية التي تعاني منها العديد من الدول العربية؛ إذ ترتفع درجات الحرارة في منطقة الدول العربية بمعدل أسرع بمرتين من المتوسط العالمي بسبب تغير المناخ، فضلًا عن أن حالات الجفاف أصبحت بالفعل أكثر تواترا وشدة، مما أدى إلى تفاقم التحديات التي يواجهها القطاع الزراعي، بما في ذلك ندرة المياه. وبحلول عام 2050، يمكن أن تؤدي ندرة المياه المرتبطة بالمناخ إلى خسائر اقتصادية تعادل 14% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة. علاوة على ذلك، فإن 45% من إجمالي المساحة الزراعية في المنطقة معرضة للملوحة، واستنزاف مغذيات التربة، وتآكل مياه الرياح. ومن الممكن أن ينخفض توافر المياه والإنتاجية الزراعية بنسبة 30% أخرى بحلول عام 2050.
ومن التهديدات البارزة الأخرى الناجمة عن تغير المناخ النزوح الناجم عن الجفاف وارتفاع منسوب مياه البحر؛ إذ يعيش حوالي 9% من السكان في المناطق الساحلية ارتفاعات لا تتجاوز خمسة أمتار أو أقل من مستوى سطح البحر.
تواجه الدول العربية تحديًّا هائلًا في سعيها إلى معالجة الآثار السلبية لتغير المناخ إلى جانب مجموعة من القضايا المعقدة والمترابطة. وبعد سنوات، أدركت الدول العربية التأثيرات المدمرة لتغير المناخ على استقرارها وأمنها وقدرتها على البقاء. فنجد على سبيل المثال:
تغير المناخ والمملكة العربية السعودية
المملكة العربية السعودية مثلها مثل الدول الأخرى في المنطقة، معرضة بشكل خاص لتغير المناخ، إذ أنه يهدد بشدة البيئة المادية للبلاد والمجتمع والمؤسسات الحكومية. ومن بين أكبر المخاوف ارتفاع درجات الحرارة.
هذا، وتعد درجات الحرارة في المنطقة أعلى بكثير بالفعل من المتوسط العالمي، إذ وصلت موجات الحر الشديدة إلى أكثر من 50 درجة مئوية في عام 2021 في إيران والكويت وعمان والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وإذا استمر هذا الاتجاه، فمن المتوقع أن تصبح أجزاء كبيرة من المنطقة غير صالحة للسكن بحلول نهاية هذا القرن. وقد حذر علماء المناخ من أن المنطقة في طريقها على المدى القريب إلى أن تصبح أكثر دفئا بمقدار 4 درجات بحلول عام 2050، وهو ما يتجاوز بكثير حد 1.5 درجة اللازم لمنع الانهيار البيئي العالمي.
وتشكل الفيضانات المفاجئة مصدر قلق كبيراً آخر. على الرغم من كونها دولة صحراوية للغاية، فإن المملكة العربية السعودية غالبًا ما تتعرض لهطول أمطار غزيرة بشكل دوري، التي من الممكن أن تؤدي إلى فيضانات مفاجئة، مثلما حدث من قبل في المنطقة الجبلية الجنوبية الغربية للمملكة العربية السعودية، والتي أدت إلى خسائر كبيرة في الأرواح وأضرار كبيرة في الممتلكات على مدى السنوات العديدة الماضية.
ومن المفارقات أن حالات الجفاف تشكل أيضاً مصدراً للقلق. وعلى الرغم من الزيادة في هطول الأمطار الغزيرة والعرضية، فمن المتوقع أن يتسبب تغير المناخ في انخفاض عام في أنماط هطول الأمطار الوطنية وزيادة في معدلات التبخر. وتشير توقعات تغير المناخ إلى أن البلاد ستعاني من فترات جفاف أكثر اتساعا، مما يؤدي إلى الاستنزاف السريع لخزانات المياه الجوفية وتفاقم ندرة المياه لدى السكان الضعفاء والمهمشين. تُصنف المملكة العربية السعودية كواحدة من أكثر الدول التي تعاني من ندرة المياه على هذا الكوكب، حيث يبلغ نصيب الفرد من الطلب على المياه ضعف المتوسط العالمي البالغ 265 لترًا يوميًا.
وقد أدى الاستهلاك المتزايد للمياه الجوفية في البلاد إلى انخفاض حاد في مستويات المياه الجوفية الوطنية، مما تسبب في هبوط حاد في الأراضي في بعض أجزاء البلاد. وبحلول عام 2050، قد تواجه منطقة الخليج بأكملها انخفاضًا بنسبة 50% في نصيب الفرد من المياه المتاحة، مما يشكل مخاطر كبيرة على الأمن الغذائي والاستقرار الاقتصادي، فضلاً عن احتمال إثارة ارتفاع في انبعاثات الكربون في المملكة العربية السعودية مع لجوء البلاد إلى استخدام المياه بشكل أكبر. عملية تحلية المياه كثيفة الاستهلاك للطاقة لتلبية احتياجاتها المائية.
ويشكل ارتفاع مستويات سطح البحر أيضًا تهديدًا خطيرًا للمناطق الساحلية في المملكة العربية السعودية، بما في ذلك المدن الكبرى مثل جدة والدمام. وقد تكون تأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر على البنية التحتية والنشاط الاقتصادي والنسيج الاجتماعي في هذه المناطق كارثية، حيث من المتوقع أن يتعرض ما يقرب من 200 ألف شخص للفيضانات الساحلية المستمرة بحلول عام 2050. ومن المرجح أن يكون للآثار المترابطة للتصحر وارتفاع مستوى سطح البحر وندرة المياه آثار خطيرة على الإنتاج الزراعي في البلاد والأمن الغذائي بشكل عام. تستورد المملكة العربية السعودية بالفعل 80% من احتياجاتها الغذائية، وقد تؤدي هذه الأحداث الناجمة عن المناخ إلى زيادة اعتماد البلاد على الواردات الغذائية. وإذا استمرت المملكة في مسار الانبعاثات العالية الكربون، فمن المرجح أن تشهد زيادة بنسبة 88% في حالات الجفاف الزراعي بحلول عام 2050.
تغير المناخ ومصر
سيؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة وأنماط سقوط الأمطار غير المتوقعة في مصر. هذا التحول في الطقس جارٍ بالفعل مع ارتفاع درجة الحرارة. على الرغم من ارتفاع متوسط درجات الحرارة السنوية بمعدل إجمالي قدره 0.1 درجة مئوية لكل عقد بين عامي 1901 و2013، إلا أن معدل ارتفاع درجة الحرارة في الثلاثين عامًا الماضية وحدها ارتفع إلى مستوى مثير للقلق قدره 0.53 درجة مئوية لكل عقد.21 درجات الحرارة السطحية في مصر.
وفي مصر واكبت أماكن أخرى في حوض نهر النيل هذا الارتفاع، حيث زادت درجات الحرارة بمتوسط 0.16 درجة مئوية إلى 0.4 درجة مئوية، إذ وصلت درجات الحرارة في محافظة المنيا في صعيد مصر إلى ما بين 40 درجة مئوية و44 درجة مئوية في السنوات الأخيرة.
ولا تظهر درجات الحرارة المرتفعة هذه أي علامات على التراجع. وبدلا من ذلك، تتنبأ النماذج المناخية بأن يرتفع متوسط درجة الحرارة السنوية في مصر بنسبة حادة تبلغ 2.1 درجة مئوية بحلول منتصف القرن وبنسبة كبيرة قدرها 4.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
هذا الاتجاه المتوقع لـ 'طقس أكثر حرارة وطقس أقل برودة' يثير قلقًا عميقًا بالنسبة للأمن البشري وإنتاج الغذاء في مصر وندرة المياه.
لا شك أن التأثير الأوضح والأكثر إلحاحاً لارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي سوف يتمثل في الإجهاد الحراري الذي يتعرض له البشر والحيوانات والنباتات،
بالنسبة للاقتصاد، قد يعني الإجهاد الحراري أيضًا انخفاض الإنتاجية. وفي عام 1995، خسر العمال المصريون في جميع القطاعات ما يقدر بنحو 0.16% من ساعات عملهم السنوية بسبب ارتفاع درجات الحرارة في المتوسط. وفي حين حرمت الحرارة الاقتصاد من نحو 25 ألف ساعة عمل منتجة في عام 1995، فمن المتوقع أن يهدر ما يصل إلى 134 ألف ساعة عمل سنويا بحلول عام 2030. وتستند هذه الحسابات إلى أفضل السيناريوهات المتمثلة في احتواء الانحباس الحراري العالمي بما لا يقل عن 1.5 درجة مئوية. هذا، ويشهد قطاعا الزراعة والبناء أشد الانخفاضات. وبطبيعة الحال، لا يأخذ هذا التقدير في الاعتبار الأبعاد الأخرى للخسارة الاقتصادية الناجمة عن الحرارة، والتي تشمل النفقات الصحية، واستهلاك الطاقة المكلف للتبريد، والأضرار التي لحقت بالزراعة والثروة الحيوانية.
ولا تتوقف عواقب درجات الحرارة القصوى عند هذا الحد. ومن المتوقع أيضًا أن يؤدي ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي إلى تعطيل سلاسل الإمدادات الغذائية المحلية في مصر حيث تؤثر درجات الحرارة المرتفعة على مدة فترات زراعة المحاصيل وحتى تغيير المناطق المناسبة لزراعة محاصيل معينة. على سبيل المثال، يمكن أن يؤدي المناخ الأكثر دفئًا في مصر إلى دفع زراعة القمح والفواكه المتساقطة نحو المناطق الشمالية، حيث قد تكون درجات الحرارة الباردة نسبيًا أكثر ملاءمة للزراعة.
وفي هذا السياق، فإن انكماش مواسم النمو بسبب الحرارة، وتناقص إنتاج المحاصيل، ونقل مناطق الزراعة سيعيد تشكيل التضاريس الزراعية في مصر. لن يؤدي ذلك إلى الحد من التنوع البيولوجي وزعزعة إنتاج الغذاء في البلاد فحسب، بل قد يؤدي بذلك إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار المواد الغذائية أو نقص الإمدادات. ويعد انخفاض هطول الأمطار أو عدم انتظام هطول الأمطار من النتائج الضارة المحتملة الأخرى.