من جديد يقف العالم أمام ما تقدمه الإمارات لكل الشعوب، بعيدا عن جنس أو عرق، لون أو مذهب، وقفة تقدير لدورها الإنساني.
الخير وعمل الصلاح مزروعان في النفس الإماراتية، وإغاثة الملهوف وفعل المعروف قيم إنسانية خلاقة رسخها الأب المؤسس، زايد الخير، رحمه الله، في ضمير أبنائه وعموم شعبه، ولهذا كان وسيظل "عيال زايد" أصحاب قلوب تتسع للعالم برمته.
أيادي الإمارات البيضاء أكثر من أن يتم حصرها عبر مقال محدود الكلمات، غير أنه، ودون أدنى مزايدة، يمكن للمرء فقط أن يراجع قرارات القيادة السياسية الإماراتية عبر العاميْن الماضييْن، على الصعيديْن الداخلي والخارجي، وفي زمن انتشار جائحة "كوفيد-19" ليكتشف سردية التسامح والتصالح الكامنة في الروح الإماراتية.
تعاطت الإمارات مع المواطنين والمقيمين على حد سواء في وقت الأزمة، وأقلعت مئات الرحلات حاملة ملايين الأطنان من المساعدات الغذائية والدوائية إلى إخوة مجروحين في إنسانيتهم حول العالم، ووصلت بخيراتها إلى أبعد نقطة في الأرض، إلى غابات الأمازون.
هذه الأيام يتابع العالم قرار الإمارات الخاص باستقبال المجروحين من أفغانستان، ذلك البلد المنكوب غير القادر على قراءة علامات الأزمنة والرافض للتصالح والتسامح مع نفسه قبل مع من حوله، ومن هنا كانت نكبته الحقيقية.
لم يجد الأفغان في هذه الأوقات العصيبة من يؤْويهم، فاستقبلهم "عيال زايد" إلى أن يتم تدبير ترحيلهم إلى دول أخرى، الأمر الذي يعد دليلا على التزام دولة الإمارات بتعزيز التعاون الدولي، خاصة في أوقات الحاجة.
استقبال الإمارات نحو خمسة آلاف شخص من اللاجئين الأفغان الساعين للهروب من نيران الكراهية، التي باتت تفتك بذلك البلد الآسيوي المتألم، جاء بالتزامن مع دور إنساني وأخلاقي آخر قامت به الإمارات، فقد عملتْ منذ اشتداد الأزمة في الداخل الأفغاني على تسهيل مغادرة عشرات الرحلات الجوية، التي تقل مئات المواطنين الأجانب من أفغانستان، بما في ذلك عدد من الدبلوماسيين والموظفين من مختلف الجنسيات والعاملين بالمنظمات غير الحكومية إلى مطارات دولية.
كما قامت دولة الإمارات أيضا بتسهيل عمليات الإجلاء لنحو 8500 أجنبي من أفغانستان، وذلك باستخدام طائراتها وعبر مطاراتها.
يشبه ذاك الذي يحدث على الأراضي الأفغانية كابوسا نهاريا، والذين لديهم علم من كتاب علم النفس الطبي بنوع خاص، يدركون أنه أحد أخطر الأمراض النفسية، وهذا من أسف حال أفغانستان عامة، والعاصمة كابول خاصة في هذه الأوقات، حيث الفوضى تدب والمخاوف تشيع بين القاصي والداني، أفغاني الأصل والأجنبي الذي شاء قدره أن يعاصر تلك الأوقات العصيبة.
في هذا الإطار، تبدو المساعدة في استنقاذ ما يمكن استنقاذه أمرا ما بعد إنساني وليس إنسانيا فحسب، إذ يحتاج المشهد إلى ما هو أكثر بكثير من مجرد دور الأمم المتحدة ومؤسساتها، أو الجمعيات الأهلية والخيرية وأدوارها على أهميتها، وهذا ما تقوم به الإمارات، إذ تقتنص اللحظات في الوقت القيم من أجل تجاوز اللحظات الراهنة بكل ما تحمله من مرارة في الحلوق لدى الشعب الأفغاني.
ما قامت وتقوم به الإمارات يلقى بكل موضوعية استحسانا عاليا وغاليا عبر عواصم العالم كافة، والتي تعرف دقائق المشهد الأفغاني، وفي مقدمة لقطات التقدير الدولي للقيادة السياسية الإماراتية ذاك الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الأمريكي جو بايدن مع صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية.
الرئيس الأمريكي في خضم الأزمة، التي يمكن أن تنهي حياته السياسية وربما تقضي على آمال الديمقراطيين في الاحتفاظ بالأكثرية في مجلس النواب، وتخل بأعدادهم في مجلس الشيوخ في انتخابات التجديد النصفي، ورغم الارتباك الكبير والمخاوف الكبرى من حدوث ما هو أكثر جسامة، وقد جرى بعضه بالفعل متمثلا في هجمات حول مطار كابول من قبل "داعش خراسان"، وجد أنه مدين بالشكر للقيادة السياسية الإماراتية.
لهذا جاء اتصاله ليعبر عن شكره وتقديره للدعم والتسهيلات التي قدمتْها دولة الإمارات في عمليات إجلاء الدبلوماسيين والرعايا الأمريكيين من أفغانستان، إضافة إلى مواطني الدول الصديقة بجانب الأفغان الذين يحملون تأشيرات هذه الدول.
الرئيس "بايدن" في مكالمته الهاتفية مع سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، اعتبر أن موقف الإمارات هذا يجسد الشراكة القوية والدائمة بين الإمارات وبين الولايات المتحدة، وفي هذه الكلمات انتصار لقوة العلاقات بين البلدين وقدرتها على مواجهة التحديات، التي يزخر بها عالمنا المعاصر، وبخاصة في ظل حالة الفوضى الجيوسياسية الآنية من جهة، واضطرابات إقليم الشرق الأدنى من جهة ثانية.
موقف الإمارات الأخير من الأفغان الذين قدر لهم مغادرة وطنهم إلى دول أخرى عبر العالم، واستقبلتْهم الأراضي الإماراتية بشكل مؤقت، يجب أن يذكر المجتمع الدولي بواجب مساعدة شعب مهجور، يحتاج إلى الكثير جدا من الجهود الأممية لتوفير الحماية لمدنييه الذين لا ناقة لهم ولا جمل في الصراعات الدائرة على أرضه، وكأن أفغانستان قد كتب عليها أن تبقى ملعبا للأمم وتصفية لحسابات ومقدمة لمعارك كبرى بين أقطاب دولية قائمة وأخرى قادمة.
الموقف الإماراتي يفضح الزيف الأخلاقي لكثير من السياسات الغربية، تلك السياسات التي فضح ازدواجيتها منذ بضعة أيام، الكاردينال جان كلود هولريتش، رئيس أساقفة لوكسمبورج ورئيس اتحاد المجالس الأسقفية الأوربية، والذي أقر في حديث صحافي له مع إذاعة الفاتيكان بأن اللوم يقع على الغرب لأنه قدم أحلاما وآمالا للشعب الأفغاني لم تعدْ الآن موجودة، فيما السياسة الأوروبية تميل إلى تصدير قيم التنوير وحقوق الإنسان، نجدها عندما يجد الجد تتوارى بعيدا ولا توضع قيْد التنفيذ، الأمر الذي يتضح في إعاقة الممرات الإنسانية للشعب الأفغاني الذي يحاول الخروج من بلاده.
قد لا يكون الوقت الحالي هو وقت المساءلة عما جرى في أفغانستان خلال عشرين سنة، من إعطاء الأمل للشباب والنساء في الحصول على عالم أفضل من التعليم والحرية، ومن غير بلورة مثل تلك القيم الخلاقة عبر مشروعات حقيقية على الأرض.
وبالقدر نفسه ليس المطلوب إصدار أحكام إدانة عامة ونهائية على الشعب الأفغاني، وإنما ما فعلتْه الإمارات هو عين الإنسانية غير المشروطة، والتي تنظر للبشر بوصفهم كائنات لهم كرامة في ذاتهم، ويجب ألا يتعرض إنسان واحد للمهانة أو الازدراء، ناهيك بالانتقاص من حقوقه الآدمية.
ما فعلتْه الإمارات يستدعي مقاربة عقلية بين موقفيْن: الأول قاله الأديب الروسي العالمي، الإنسان في جوهره، والفيلسوف في مظهره، إرنست هيمنجواي: "الشر لا يقتل الشر، كما أن النار لا تطفئ النار"، فيما الثاني يعبر عن عمق رؤية نيقولا ميكيافيللي حين أشار إلى أن "القوة لا يمكن أن تردع إلا بالقوة".
الإمارات تمضي في طريق التغلب على الشر بالخير، والأصل في الخير أنه باق، والشر زائل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة