لم يكن الإسلام إلا وسطياً، يدعو للاعتدال قولاً وعملاً وعقيدة، ويرفض الشطط والتشدد، مهما تطرف الغلاة عبر التاريخ
لم يكن الإسلام إلا وسطياً، يدعو للاعتدال قولاً وعملاً وعقيدة، ويرفض الشطط والتشدد، مهما تطرف الغلاة عبر التاريخ، ومهما حاولت الغايات السياسية الانحراف به خارج مسارات التسامح والقبول بالآخر، ولم تكن مقاصد الشريعة إلا مع «مطلق المصلحة» جلباً للمنافع، ودرءاً للمفاسد، لكنّ كثيراً من القراءات القديمة والمعاصرة ظلت على جمودها وانغلاقها، ولم تتقدم نحو اجتهادات عقلانية، تراعي متغيرات الأزمان والبشر.
يشكل المسلمون نحو 24% من أكثر من سبعة مليارات نسمة، يعيشون على الكرة الأرضية، فيما يصل المسيحيون إلى 32%، وما تبقى من سكان العالم، فيهود، وهندوس، وبوذيون، وسيخ، ومعتقدات أخرى، ولكل هؤلاء عبادات وتقاليد وأعياد دينية، وبغض النظر عن جذورها، وخلفياتها، فلا يحق لأحد، أن يطلق الأحكام، ويقصي المختلف، بمنطق الفوقية والاستعلاء، فالناس سواسية، وإن اختلفوا في العرق أو الدين أو اللغة، وهذا مبدأ تقره الشرائع السماوية كافة، وكذلك المفهوم الحديث للمساواة.
يردّ ابن بيه جواز القول الحَسَن مع «غير المسلمين» إلى مصلحة الأمة، تلك التي كانت غائبة عن أذهان كثيرين من الدعاة، الذين حرّموا تهنئة المسيحيين تحديداً بأعيادهم، وضربوا أصول العيش المشترك في الصميم، وتنكروا لعلاقات التاريخ والجغرافية بين المسلمين والمسيحيين في الجزيرة العربية، ومصر، وبلاد الشام
لقد ظلت علاقتنا مع «غير المسلمين»، سواء المسيحيين واليهود، أم معتنقي المعتقدات الأخرى، في القرون الماضية، نهباً لفوضى في الأفكار والفتاوى والأحكام، تنازعت عليها مراكز تشدد، وجماعات مسيسة، أنتجت نسخاً مشينة من الدعاة الإرهابيين الذين كفّروا شركاءنا في الإنسانية، فقتلوا الأبرياء، وسبوا النساء، وهدموا الكنائس ودور العبادة، وأساؤوا لجوهر شريعتنا، وكانوا، ولا يزالون العدو الأول لسماحة الإسلام، ورسالته في التآخي والسلام.
اليوم، ومن الإمارات، وعاصمتها أبوظبي، وعشية احتفالات العالم بعيد ميلاد المسيح، عليه السلام، ورأس السنة الميلادية، يعلو صوت عقلاني مع «مطلق المصلحة» للإسلام والأمة، ومع صورة نقية من شوائب الغلو للمسلمين وعلمائهم، تلك التي سعى الإرهاب إلى تهشيمها وتدميرها في السنوات الماضية.
إنه صوت «رئيس مجلس الإمارات للإفتاء الشرعي» العلامة عبدالله بن بيه، الذي أفتى بجواز «تهنئة غير المسلمين بأعيادهم ومناسباتهم، وتعزيتهم، وعيادة مرضاهم»، قولاً واحداً، دون غموض وتردد.
يردّ ابن بيه جواز القول الحَسَن مع «غير المسلمين» إلى مصلحة الأمة، تلك التي كانت غائبة عن أذهان كثيرين من الدعاة، الذين حرّموا تهنئة المسيحيين تحديداً بأعيادهم، وضربوا أصول العيش المشترك في الصميم، وتنكروا لعلاقات التاريخ والجغرافية بين المسلمين والمسيحيين في الجزيرة العربية، ومصر، وبلاد الشام.
يشع نور التسامح مجدداً من الإمارات، التي يعيش على أرضها الطيبة، الملايين من مختلف الديانات والأعراق بسلام ومسرة، ويعلو صوت العقل على ضجيج الجهل والتكفير، ومن المبهج أن هذه الفتوى تتزامن مع أعياد المسيحيين، ومنهم العرب الأقحاح، شركاؤنا في الحضارة والأوطان، فكل عام ونحن بخير.
نقلا عن "الاتحاد"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة