أزمة الطاقة العالمية.. "Made in USA"
أزمة الطاقة العالمية هي صنيعة أمريكية، ربما هذا التوصيف الأنسب لما تشهده سوق النفط، وفق معطيات سوق بدأت السياسة الأمريكية تتطفل عليه.
لذلك، لم يكن مستغربا الهجوم الإعلامي والسياسي الذي مارسته الولايات المتحدة وأذرعها الإعلامية على تحالف "أوبك+" بقيادة المملكة العربية السعودية، بعد قرار خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل اعتبارا من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
بالنظر إلى الهجوم الذي لم تتوقف عنه الولايات المتحدة الأمريكية حتى اليوم، يمكن تلخيصه بأن واشنطن تريد ترحيل أزماتها إلى تحالف "أوبك+" خشية مواجهة شعبية قبيل الانتخابات النصفية.
وتاليا، ثلاثة عناصر تحاول واشنطن التهرب من مسؤوليتها في فشل الموازنة بين العرض والطلب في سوق طاقة المحلية، والتي تعد سببا رئيسا في الارتفاع الأخير لأسعار الوقود داخل الولايات كافة.
هذا الفشل، بدا واضحا لجميع منتجي النفط الخام، الذين أيقنوا أن واشنطن تريد حل أزماتها على حساب كبار منتجي النفط حول العالم، بقيادة السعودية.
والسعودية، كانت حجر الزاوية في تخليص واشنطن من إحدى أكبر أزمات الطاقة الأمريكية، عندما تراجع سعر برميل النفط إلى (سالب 40 دولارا) في أبريل/نيسان 2020.
لا استثمار في النفط الأمريكي
بعد أن بلغ إنتاج الولايات المتحدة من النفط الخام مستوى 12.3 مليون برميل يوميا قبل جائحة كورونا، تراجع اليوم إلى متوسط 11.7 مليون برميل يوميا، وهي الطاقة القصوى الحالية للإنتاج الأمريكي من النفط الخام.
يعود هذا التراجع، إلى هبوط حاد في الاستثمارات المحلية في التنقيب والاستكشاف والإنتاج والتكرير، بسبب ارتفاع كلفة إنتاج النفط الصخري والذي يصل إلى 45 دولارا في بعض المناطق الأمريكية.
صحيح أن سعر النفط الأمريكي يباع اليوم بنحو 90 دولارا، إلا أن المستثمرين يبحثون عن عوائد طويلة الأجل في قطاع النفط، وهو ما يجعلهم غير متحمسين لمسألة الاستثمار بالطاقة التقليدية الأمريكية.
يؤمن هؤلاء المستثمرون أن الطلب على النفط داخل الولايات المتحدة سيتراجع في يوم ما لصالح الطاقة المتجددة، وبالتالي يروا أن ضخ دولار واحد في الطاقة التقليدية، سيحمل مخاطر مرتفعة.
في تقرير لإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، حد منتجو الطاقة من الإنفاق على الآبار الجديدة، في أعقاب دورتي طفرة وكساد في الصخر الزيتي في الولايات المتحدة، أحدثهما تسبب بحوالي 55 مليار دولار من حالات التخلف عن السداد.
واستجابة لمطالب المساهمين للحصول على عوائد استثمار قوية، تحول المنتجون من التركيز على نمو الإنتاج، إلى الحفاظ على المداخيل الحالية دون الحاجة إلى زيادة الإنتاج.
يبلغ متوسط الاستهلاك اليومي للنفط الخام الأمريكي 17 مليون برميل يوميا، فيما تشير تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية إلى نمو الطلب بنسبة 6% سنويا حتى 2030، ما يستدعي الحاجة إلى معروض نفطي أكبر.
تراجع الاستثمار في التكرير
كذلك، تراجع الاستثمار في قطاع التكرير، فحتى وأن كانت الولايات المتحدة قادرة على توفير النفط الخام، إلا أن التكرير يعتبر هو الأزمة الأساسية في هذه السوق داخل الولايات المتحدة.
وأزمة التكرير ليست فقط في الولايات المتحدة بل في غالبية دول العالم، وخاصة في أوروبا، إذ يتوقع أن يتم إعفاء مشتقات الوقود من عقوبات النفط الأوروبية ضد روسيا بحلول نهاية العام الجاري.
وفق أرقام إدارة معلومات الطاقة في الولايات المتحدة، يبلغ متوسط استهلاك مختلف الولايات يوميا من مشتقات الوقود، نحو 19.72 مليون برميل، تنتج الولايات المتحدة نحو 95% منها.
إلا أن الأزمة تتمثل في شهور الذروة، مثل موسم السياقة الذي يبدأ في يوليو/تموز من كل عام، حينها يرتفع الطلب اليومي إلى أكثر من 21.5 مليون برميل يوميا من المشتقات.
أيضا، الهجوم الذي تكرره الإدارة الأمريكية بحق شركات الطاقة في البلاد، ليست ببعيدة عما يجري هناك من حرب بين المنتجين والإدارة الأمريكية.
يتهم البيت الأبيض شركات الطاقة بالجشع وتحقيق الأرباح من حاجة المستهلكين إلى مصادر الطاقة التقليدية، وهو أمر داخلي، إلا أن تبعاته تطال اتفاق "أوبك+"، وكأنه سبب رئيس في أزمة الأسعار.
إضعاف روسيا
مسألة أخرى هامة، أن الولايات المتحدة أصبحت اليوم إحدى المصدرين الرئيسيين للنفط الخام إلى أوروبا والمملكة المتحدة، بأكثر من مليون برميل يوميا.
كان بإمكان واشنطن تحويل الصادرات النفطية إلى تلبية حاجة السوق المحلية، وبالتالي تخفيف أسعار المشتقات للمستهلكين الأمريكيين، إلا أن العوامل السياسية تجعل من النفط الأمريكي ورقة سياسية ضد روسيا.
وفي حال قطع واشنطن النفط الخام عن أوروبا، فإن دول التكتل سترى أن الولايات المتحدة انسحبت من أزمة الطاقة التي كانت سببا بها من خلال إقناع الأوروبيين بفرض عقوبات على مصادر الطاقة الروسية.
والحقيقة، أن واشنطن تنتصر اليوم لأوروبا على حساب المستهلك الأمريكي، والذي سيكون بعد عدة أسابيع ناخبا في صناديق الاقتراع الرئاسية بانتخابات التجديد النصفي.
أرقام لا تكذب
الأرقام الرسمية لمزيج الطاقة التقليدية حول العالم، تظهر أن النفط الخام كان أقل أنواع الطاقة الأحفورية ارتفاعا خلال العام الجاري، مقارنة مع بقية أنواع الطاقة الأخرى حول العالم.
تظهر بيانات منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك"، أن أسعار خام برنت صعدت بنسبة 6% فقط منذ يناير/كانون ثاني الماضي، حتى نهاية سبتمبر/أيلول الفائت.
وبلغ سعر برميل برنت مطلع العام الجاري 86 دولارا لكنه استقر بنهاية سبتمبر الماضي عند 6%، بحسب بيانات أوبك وبيانات بلومبرج، فيما نما الخام الأمريكي بنسبة 1% فقط بين يناير وسبتمبر.
بينما صعد سعر جالون البنزين في السوق الأمريكية بنسبة 11% خلال العام الجاري، من 3.4 دولارات إلى 3.8 دولارات، حتى إنه بلغ أكثر من 4.6 دولارات بحلول تعاملات أول أمس الثلاثاء.
أما أسعار الغاز المسال في فرنسا فقد قفز السعر إلى 48 دولارا لكل مليون وحدة حرارية صعودا من 27 دولارا بنسبة زيادة بلغت 76%.
فيما قفز سعر الغاز الأمريكي إلى 48 دولارا صعودا من 29 دولارا بنسبة زيادة بلغت 65%، أما الغاز الطبيعي في المملكة المتحدة فقد صعد بنسبة 69% إلى 346 دولارا مقارنة مع 206 دولارا مطلع 2022.
وارتفعت أسعار الفحم في الصين إلى 206 دولار بحلول نهاية سبتمبر/أيلول الجاري مقارنة مع 155 دولارا مطلع 2022 بنسبة زيادة سجلت 33% بحسب بيانات بلومبرج وأوردتها منظمة أوبك.
كما صعد سعر الفحم في أوروبا إلى 326 دولارا صعودا من 155 دولارا بنسبة زيادة بلغت 109% فيما ارتفعت أسعار الفحم في الولايات المتحدة بنسبة 125% إلى 342 دولارا من 152 دولارا، بحسب البيانات الرسمية.
قرارات أوبك
والأسبوع الماضي، قرر تحالف "أوبك+" خفض إنتاج النفط بمقدار مليوني برميل يوميا اعتبارا من نوفمبر/تشرين ثاني المقبل، في محاولة لاستعادة الاستقرار لسوق النفط العالمية.
هذا القرار دفع الولايات المتحدة لشن هجوم إعلامي على السعودية، في محاولة للضغط على الرياض لإعادة النظر في القرار، الذي قال البيت الأبيض إنه خيّب ظن الرئيس جو بايدن.
كيف ردت السعودية؟
ورد عادل الجبير، وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية، على المزاعم بأن المملكة مسؤولة عن ارتفاع أسعار الوقود الأمريكي، وبدلاً من ذلك قال إن عدم كفاية قدرة التكرير الأمريكية كان وراء ارتفاع التكاليف.
وقال الجبير في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز: "النفط ليس سلاحا.. ننظر إلى النفط كسلعة وننظر إلى كل هذا مهم للاقتصاد العالمي الذي نمتلك فيه حصة كبيرة.. السعودية لا تسيّس قرارات النفط أو النفط".
وتابع الجبير: "مع الاحترام الواجب فإن سبب ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة هو أن لديك نقصا في التكرير منذ أكثر من 20 عاما، ولم تقم ببناء مصافي منذ عقود".