أصبح من الصعب التنبؤ بمستقبل الطلب على النفط، وبات الأمر يرتهن أكثر فأكثر بالتوصل إلى لقاح أو علاج لفيروس كورونا.
أعلن الثلاثاء الماضي، أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بحثا هاتفيا الوضع في أسواق الطاقة العالمية. وورد في بيان صادر عن الكرملين أنه "تم خلال المكالمة التي جاءت بمبادرة من الجانب السعودي وضع تقييم إيجابي للمستوى الذي تحقق من العلاقات الثنائية بين موسكو والرياض، كما أعرب الجانبان عن استعدادهما لمواصلة تطوير التعاون الروسي السعودي في مختلف المجالات". وأضاف "تم التأكيد على أهمية استمرار العمل المشترك، بما في ذلك في إطار أوبك+.
ويأتي التأكيد على أهمية هذا العمل المشترك في أعقاب فترة من تقلب واسع نسبيا في أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة، إذ أضحت انخفاضات وارتفاعات كبيرة نسبيا بين يوم وآخر تعد أكثر شيوعا من السابق مع اتجاه عام نحو الانخفاض. حيث انخفضت الأسعار من ذروة بلغت 45.72 دولار للبرميل من نوع برنت الخام يوم 1 سبتمبر إلى قاع بلغ 38 دولار للبرميل من نفس النوع يوم 2 أكتوبر. وعلى مدى أقصر نسبيا نجد أن الأسعار قد انخفضت بمقدار 4.4% يوم الجمعة الماضي، ثم عادت لتنخفض بنحو 3% يوم الاثنين ثم تعود للارتفاع بنسبة 2% يوم الثلاثاء.
والواقع أن هذه التقلبات في الأسعار يمكن أن نرجعها إلى عاملين رئيسيين:
أولهما عامل ظرفي يتمثل في عدة تطورات ومؤشرات. فهناك مستويات الإنتاج التي تلتزم بها منظمة الأوبك وتحالف أوبك+ بشكل إجمالي. إذ بعد أن كانت هناك خروقات واضحة لمستويات الإنتاج في عدد من البلدان يأتي على رأسها العراق ونيجيريا وكازاخستان وأنجولا وغيرها في الإنتاج بأكبر من الحصة المحددة لكل منهم، كان يوازن نسبيا من هذا التجاوز للحصص انخفاض الإنتاج في بلدان أخرى وعلى رأسها ليبيا التي توقف إنتاجها بالكامل منذ شهر يناير الماضي، ولهذا كان مستوى الالتزام بسقف الإنتاج الكلي الموضوع يعتبر مرتفعا نسبيا نتيجة لهذا الظرف. وعلى الرغم من عودة بعض الدول لالتزام أكبر بحصتها المحددة، إلا أن التجاوز لفترة طويلة نسبيا حال دون تحقيق ارتفاع كبير في الأسعار. ثم عادت ليبيا للإنتاج مؤخرا حيث يقدر أنها ستنتج نحو 355 ألف برميل يوميا بعد رفع حالة القوة القاهرة عن حقل الشرارة النفطي أكبر الحقول الليبية. وأدت عودة النفط الليبي إلى انخفاض الأسعار في بعض الأيام.
ثم كان هناك دور لبعض التطورات الظرفية الأخرى خاصة في الولايات المتحدة، مثل إعصار سالي منتصف شهر سبتمبر الماضي، وإعصار دلتا في نهاية الأسبوع قبل الماضي. حيث أدى الإعصاران إلى انخفاض الإنتاج بشكل واضح، وخاصة الإعصار دلتا الذي أدى إلى أكبر خفض في إنتاج الطاقة الأمريكية (نفط وغاز طبيعي) من خليج المكسيك. حيث وجه الإعصار أكبر ضربة لإنتاج الطاقة من خليج المكسيك في الولايات المتحدة في 15 عاما. وكان من شأن هذه الأعاصير رفع الأسعار في بعض الأيام.
وهناك تطورات ظرفية أخرى قصيرة الأجل مثل إضراب عمال النفط في النرويج مما هدد بانخفاض مستوى الإنتاج بنحو 25%، وهو ما ساهم في رفع الأسعار جزئيا، ثم عاد ليؤثر هذا الأمر بالسالب على الأسعار بعد أن أبرمت شركات نفط نرويجية اتفاقا مع مسؤولين نقابيين لإنهاء الإضراب.
الطلب والمخزون
ثاني العوامل الرئيسية في التأثير على الأسواق والأسعار يتعلق بمستويات الطلب والمخزون. وفي هذا السياق نجد أنه بعد التفاؤل بالسيطرة على انتشار فيروس كورونا حول العالم ومن ثم التفاؤل باحتمال تعافي النشاط الاقتصادي بسرعة وعودة الارتفاع في الطلب على النفط، إلا أن عودة عدد الإصابات للارتفاع في الولايات المتحدة والهند ودول أوروبا أدى إلى الحد من هذا التفاؤل كثيرا. أصبح من الصعب التنبؤ بمستقبل الطلب على النفط، وبات الأمر يرتهن أكثر فأكثر بالتوصل إلى لقاح أو علاج لفيروس كورونا بشكل يسمح بتعافي النشاط الاقتصادي والسماح بالتنقل والسفر، مما يسمح بزيادة الطلب عليه مجددا. وربما لا يجد الطلب متنفسا واضحا الآن سوى في الصين التي تعد أكثر دول العالم نجاحا في تحجيم فيروس كورونا، وبكونها الاقتصاد العالمي الكبير الوحيد الذي سيحقق معدل نمو إيجابي هذا العام مع تعافي النشاط الاقتصادي إلى حد كبير. فقد أظهرت بيانات جمركية أن الصين، اشترت 11.8 مليون برميل يوميا من الخارج في سبتمبر، بزيادة 5.5% عن شهر أغسطس وزيادة 17.5% مقارنة بشهر سبتمبر من العام الماضي، وكان مستوى الطلب قد حقق مستويات قياسية في شهر يونيو حيث زاد على 12 مليون برميل يوميا. ومن الطبيعي أن التذبذب الحادث بشأن تفشي الفيروس يؤثر على مستويات الطلب المتوقعة صعودا وهبوطا وبالمثل على الأسعار.
أما على مستوى المخزونات فالمشاهد هو حدوث ارتفاعات كبيرة متوالية في مستوى المخزون التجاري والاستراتيجي لدى الدول المستهلكة الرئيسية. وزاد المخزون الصيني إلى 72.7% من طاقتها التخزينية خلال الأسبوع المنتهي في 24 سبتمبر الماضي. وتعد هذه النسبة قريبة جدا من أعلى نسبة سجلها المخزون على الإطلاق والتي بلغت 73%.
وفي الولايات المتحدة ارتفعت المخزونات التجارية (أي المخزونات بدون المخزون الاستراتيجي) لتسجل 492.9 مليون برميل في 2 أكتوبر الحالي، وتعد هذه المخزونات أعلى بمقدار 12% من متوسط هذه المخزونات خلال خمسة أعوام. ومن المعروف أن أوبك+ تستهدف ألا تزيد المخزونات عن هذا المتوسط حتى يتسنى تحقيق توازن بين العرض والطلب ومن ثم تحقق مستوى مقبول من الأسعار.
ربما في وسط هذه المؤشرات المتضاربة بين عوامل يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع الأسعار وأخرى إلى انخفاضها تأتي أهمية المشاورات السعودية الروسية باعتبارهما أكبر منتجين ضمن تحالف أوبك+. وفي هذا الإطار ترى بعض الجهات ضرورة المحافظة على تخفيضات الإنتاج لفترة أطول مما هو مخطط. بحيث يتم الإبقاء على الخفض البالغ 7.7 مليون برميل يوميا لفترة ما خلال العام القادم. وذلك حتى يتسنى امتصاص المخزونات المتراكمة وتحقيق توازن أكثر بين العرض والطلب، خاصة إذا ما تحقق نمو في الاقتصاد العالمي بنسب كبيرة خلال العام المقبل كما تتوقع ذلك أغلب المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة