"الإخوان" في المشرق والمغرب.. انتحار بعد احتضار
في خطوة غير مفاجئة ومثلما اعتادت شخصيات إخوانية الانشقاق عن التنظيم الإرهابي، وقطع صلتهم بممارساته الملطخة بالدماء، انضم قيادي إخواني بارز إلى ركب التائبين من الإخوان.
هذه الصحوة، جاءت هذه المرة من فرع التنظيم بالأردن، لتطيح بحديث بعض المراقبين عن خصوصية التجربة في بلدان عربية، وتثبت أن سياسة الاحتواء لا تجدي نفعا مع جماعة لا يهمها سوى فرض أجندتها وأفكارها الإرهابية.
وقبل أيام، اشتبك تسجيل صوتي للإخواني الأردني البارز ليث شبيلات، مع فضح الأفكار الحقيقية للتيار الإسلامي، في نقد ذاتي لممارسات جماعته الإرهابية لم يستثن منه نفسه.
وشن الشبيلات هجوما على الإسلاميين متهما إياهم بالحفاظ على التنظيم دون الحفاظ على الدين.
اتهامات محددة وفاضحة، ساقها القيادي الإخواني البارز للإخوان بقوله: "كل فساد الدنيا صار فيكم؛ عند الغنائم تقولون لنا نحن أكبر الناس ونحن الأغلبية، وعندما تأتي المصائب تقولون نحن لا نقدر".
ووسط تزايد مثل هذه التسريبات والانشقاقات جنبا إلى جنب السخط الشعبي المتزايد ضد التنظيم الإرهابي، باتت أفرعه التي منيت بخسائر سياسية فادحة، وصراعات بين أجنحتها المتناحرة على موعد مع الأفول جميعا، على غرار تجربة إخوان مصر.
ويعيش التنظيم الأم في مصر منذ ثورة 2013 وما أعقبها من إجراءات حالة من الاحتضار أجبرت عددا من قياداته إلى الهرب للخارج، لكن سرعان ما بدأت مرحلة التدمير الذاتي من داخل الجماعة بعد المعركة الطاحنة الناشبة حاليا حول من يتولى القيادة.
فتنظيم إخوان مصر يعيش الآن بين رحى معسكرين الأول يقوده الأمين العام المعزول محمود حسين، المقيم في تركيا والمدعوم بعدد من القيادات الكبرى مُوزعة بين الدوحة وتركيا، والثاني يتزعمه إبراهيم منير القائم بأعمال المرشد مدعوما بلجنة إدارة معاونة في لندن.
إخوان الأردن.. عودة صعبة
يقول أحمد بان الباحث المصري في شؤون الجماعات الإرهابية وأحد أبرز المنشقين عن الجماعة بعد ٢٢ عاما من الانتماء لها: "مثل هذه الشهادات عندما تأتي من قيادات مثل ليث شبيلات تعزز الصورة الذهنية عن الإخوان التي تكرست عبر سلوكها وتؤكد أن حالة الانقسام بين مجموعتي التنظيم هي محض صراع على الأموال والمناصب".
ويؤشر تسجيل شبيلات إلى أن فرص إخوان الأردن، في استعادة مكان سياسي بات صعبا حتى مع محاولات تأليب الشارع، وهو ما يؤيده بان بقوله: "حظوظ إخوان الأردن في العودة للمشهد السياسي لا تختلف كثيرا عن استبعاد عودة مجموعات الإخوان في المشرق العربي أو المغرب العربي، بسبب الانهيار السياسي والأخلافي التي حظيت به".
وتلقى إخوان الأردن، وهو الفرع الأقرب من ناحية البنية الفكرية والتنظيمية للمكون الأم بمصر، هزيمة مدوية في الانتخابات النيابية الأخيرة، حيث لم يحصل سوى على 6 مقاعد فقط في اقتراع العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بخسارة نحو ثلثي مقاعده التي حصل عليها في الانتخابات السابقة بنحو ١٦ مقعدا.
كما فشل في تمثيل اللجان النيابية داخل مجلس النواب الأردني.
حالة الانحسار التي تواجهها الجماعة- فرع الأردن، التي حُلّت قانونياً في 2020، بقرار من محكمة التمييز، أعادت للأذهان تجربة دول عربية صنفت الجماعة محظورة وإرهابية في نهاية المطاف.
إخوان المغرب.. للخلف در
وفي الحالة المغربية، أصر خبير سياسي على ما أسماه الاختلاف بين التجارب المتعلقة بالتنظيمات السياسية ذات المرجعية الدينية، معتبرا المقارنة صعبة نوعا ما، وأنه لا يمكن تعميم مخرجات التجربة التي عاشتها مصر وتونس والأردن وحتى بالنسبة لحركة حماس في فلسطين.
هذا الاختلاف يلخصه الدكتور محمد العمراني بوخبزة، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بكلية الحقوق بطنجة، بتحديد النظام الحاكم لحدود اشتغال تلك التنظيمات سياسيا، وعدم السماح لها بتجاوز مربع تدبير الشأن العام.
وفي المغرب، ومع هذه الخصوصية التي يراها مراقبوه مُني حزب العدالة والتنمية (الإخواني الحاكم سابقا) في آخر انتخابات برلمانية سبتمبر/أيلول الماضي، بخسارة فادحة أطاحت به من أكثر من 120 مقعداً في البرلمان، إلى 13 مقعداً فقط.
ويعلق الخبير المغربي لـ"العين الإخبارية" على هذا بقوله: "أسباب عدة لهذه الهزيمة من بينها أخطاء إخوان المغرب الكبيرة، كذلك الصراعات الداخلية بين الأجنحة داخل الحزب".
ومن بين هذه الأخطاء، كيفية إدارة العدالة والتنمية المغربي لعدد من الملفات مثل صندوق المقاصة، التقاعد، وعدم الوفاء بالالتزامات التي قطعها على نفسه في أثناء الحملات الانتخابية مثل التشغيل وجودة التعليم والصحة.
ويقر المراقب المغربي بأن "ممارسة السلطة تفضح كثيرا من شعارات الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية وفي مقدمتها جماعة الإخوان".
ولعل هذا الإقرار هو ما يفسر كيف فشل إخوان المغرب في اختبار الصناديق، رغم فتح المجال السياسي له وبقائه في السلطة عشر سنوات، إذ إن الأفكار الهدامة، والشعارات الأيديولوجية الزائفة، جزء من العقيدة الفاسدة للتنظيم، بحسب بوخبزة.
وتأتي هزيمة إخوان المغرب كجزء من حالة السقوط التي يشهدها التنظيم الدولي للإخوان وروافده عربيا لا سيما في تونس ومصر.
تونس.. أفول تام
ويسير فرع تنظيم الإخوان في تونس على خطى المكون الأم في مصر، متجها نحو أفول أو غياب تام، لا سيما بعد قرارات الرئيس قيس سعيد بحل البرلمان الذي تسيطر عليه حركة النهضة الإخوانية وإقالة الحكومة، واتخاذ العديد من الإجراءات للحد من نفوذها.
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي التونسي باسل ترجمان يقول لـ"العين الإخبارية": "لا بد أن نضع تصريحات شبيلات في إطارها، وهو ما يجري داخل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان في كل دول العالم وأيضا بين قياداتها المتصارعة".
ولخص ترجمان رؤيته بأن "هناك إشكالية أساسية تتمخض في فقد التنظيم الدولي لجماعة الإخوان سندين أساسيين، الأول فضح ممارساته بنفسه جراء تمسكه بالحكم مهما كانت النتائج على حساب ما كان يدعي أنها مبادئه، وأنه تنظيم يسعى لإعلاء كلمة الله وليس له سوى إقامة تطبيق شرعه".
والثاني، وفق الخبير التونسي، "خروج القواعد الشعبية لهذا التنظيم عن عباءته، واكتشافهم حقيقة الجماعة وقياداتها، وكيف أنهم يلهثون وراء سلطة وحلفاء فساد ومخططهم أن يكونوا أداة للحكم بالتحالف مع المافيات ولوبيات الترهيب والإرهاب".
وعاشت تونس، عشر سنوات عجاف، مع حكم الإخوان عبر ذراعها حركة النهضة التي هيمنت على السلطة من بوابة الدين، قبل أن تغرق البلاد في الفساد.
وفي هذا الصدد يقول المحلل التونسي: "كان شعارهم قبل الحكم الإسلام هو الحل ثم مع وصولهم للحكم تهاوت الأقنعة، وسقطوا سياسيا، جراء ممارساتهم الفاسدة الإجرامية بحق شعوبهم".
ووفق مراقبين، فإن تجربة الإخوان في تونس ومصر والمغرب والأردن تثبث زيف مظلوميتهم التي اعتادوا سوقها للشعوب في حال الرغبة في إعادة التموضع والوصول للحكم، وهي الاضطهاد الممارس ضدهم وأنهم مطاردون.
ومنذ ما يطلق عليه بـ"الربيع العربي" لم يكن هناك قوى تمنعهم من تنفيذ خطط نهضوية أو مشاريع تنموية، غير أن برامجهم الانتخابية لم تكن سوى فساد ممنهج ومستشرٍ في كافة روافدهم، هكذا وصف مراقبون حقبة عقد من الزمان عقب الاحتجاجات التي اندلعت في دول عربية في 2011 وما بعدها.
ووسط صراعات تمزق التنظيم داخليا، وسقوط شعبي تشهده أفرعه بتلك البلدان، يؤشر تسجيل ليث شبيلات ومن قبله، شهادات موثقة َلقيادات إخوانية إلى أن أفرع التنظيم في العالم العربي باتت على موعد مع الأفول بلا رجعة.
aXA6IDE4LjExOS4yOC4yMTMg جزيرة ام اند امز