خبراء لـ "العين الإخبارية": ثراء الجنوب الليبي "نقمة" على البلاد
الإرهاب والعصابات وجهان لعملة واحدة لتخريب البلاد
مطالبات بتدخل الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لتطهير الجنوب من العصابات والإرهابيين
لا يكاد الجنوب الليبي ينفض غبار أزماته، حتى تلاحقه مصاعب أخرى تضيف مزيدا من الفوضى للدولة الليبية، ما بين انتشار العصابات الإجرامية وتنفيذ عمليات إرهابية من قبل تنظيم "داعش" الإرهابي.
وفي هجوم مباغت من قبل تنظيم داعش الإرهابي على منطقة الفقهاء بمدينة الجفرة، قتل 4 أشخاص واختطف نحو 10 آخرون.
ويعاني الجنوب الليبي، المعروف بـ "إقليم فزان" من انتشار العصابات الإجرامية بينها جماعات المعارضة التشادية والسودانية - تمارس الحرابة والخطف ضد الليبيين- والتي تتخذ من الأراضي الليبية، منطلقا لعمليات عنف ضد حكومات بلادها، الأمر الذي دفع الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لشن عملية عسكرية لتطهير الجنوب من تلك العصابات.
معاناة سكان الجنوب لا تنتهي عند انعدام الأمن وانتشار العصابات، وإنما أيضا انعدام الخدمات وغياب أدني متطلباتهم، وذلك رغم كون إقليم فزان أغنى أقاليم ليبيا، حيث يحتوي على كميات كبيرة من المياه والذهب والمعادن النفيسة والغاز وغيرها.
"العين الإخبارية" تواصلت مع خبراء ومحللين في الشأن السياسي الليبي، أكدوا أن الوضع في الجنوب، سيظل في أسوأ حالاته بسبب تمادي الجماعات الإرهابية، تزامنا مع انتشار العصابات الإجرامية من المعارضة التشادية المسلحة، مما يشكلان وجهين لعملة واحدة لتخريب الجنوب الليبي.
نظرية القذافي
ويقول الدكتور محمد العباني، النائب المتنحي من البرلمان الليبي، في تفسيره لكيفية تعقد الأوضاع في جنوب بلاده، إن الرئيس الراحل معمر القذافي كان يدعم الأنظمة وحركات المعارضة في الدول الأفريقية ودول الجوار من أجل "تحقيق أهداف سياسية وأيديولوجية ما يسمى بـ (النظرية العالمية الثالثة)، ولتكوين الاتحاد الأفريقي والتخلص من التبعية السياسية والاقتصادية لدول الاستعمار القديم".
وأكد العباني، في تصريحات لـ "العين الإخبارية"، أن العصابات التشادية وغيرها، المنتشرة في الجنوب الليبي، ليست حركات معارضة سياسية وإنما هي عصابات تهريب ومتاجرة في البشر والسرقة والاغتصاب والخطف من أجل الحصول على المال متخذة من الجنوب الليبي مركزا لها بسبب الهشاشة الأمنية وغياب سلطة الدولة.
وإزاء تعاظم نفوذ تلك العصابات في الجنوب، أصدر ، المشير خليفة حفتر، قرارا في 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، بتشكيل غرفة عمليات في الجنوب، لتطهيره بالكامل من تلك العصابات التي تمتهن الحرابة والخطف والسرقة، في كل من مدن "سبها" و"براك الشاطئ" و"أوباري" و"مرزق و"الكفرة".
ودعا الدكتور العباني المجتمع الدولي برفع حظر التسليح عن القوات المسلحة الليبية، ودعمها في بسط وجودها على كافة التراب الليبي لحمايته والمحافظة على استقراره، مشددا أن ليبيا لن تكون بدون جيش وطني قوي.
صراع على ثراء الجنوب واحتواء الملف
فيما يفسر الباحث السياسي الليبي، الدكتور المختار الجدال، أستاذ التاريخ السياسي في جامعة "الزاوية"، أن صراع الجنوب له عدة أطراف ليبية ودولية تستخدم عصابات المعارضة التشادية وغيرها لتحقيق مصالحها في الإقليم الثري.
وأضاف الجدال، في تصريحات لـ "العين الإخبارية" أن فرنسا لها دور كبير فيما يجرى في الجنوب بحجة الإرث التاريخي، فيما تستخدم إيطاليا الجنوب في حربها ضد فرنسا، وهو ما اتضح عندما تدخلت روما للمصالحة بين قبائل التبو وأولاد سليمان والطوارق.
متفقا معه، يقول عيسى رشوان، الباحث السياسي الليبي إن التدخلات الفرنسية في الجنوب واضحة للعيان، معتبرا أن الحكومة الفرنسية تستخدم فوضي الجنوب الليبي كورقة ضغط في طاولة الحوار السياسي الدولي ضد إيطاليا وضد كل من يعارض مصالحها، التي من ضمنها مصالح شركة توتال النفطية وشريكتها ريبسول الإسبانية في الجنوب.
وتابع رشوان، في تصريحات لـ "العين الإخبارية"، أن إقليم فزان غني بمعادن اليورانيوم الخام وكذلك النفط، مشيرا إلى أن حوض غدامس النفطي هو مكمن نفطي عملاق مشترك بين ليبيا والجزائر.
صراع القبائل
سبب آخر أشار اليه الدكتور المختار الجدال يعمق أزمة الجنوب، وهو أن مؤيدي النظام السابق من قبائل "القذاذفة" و"ورفلة" و"المقارحة" لازالوا في صراع مع قبائل "أولاد سليمان" الذين أيدوا أحداث فبراير/شباط 2011، معتبرا أن كل هذه الأطراف مسؤولة عما يجرى في الجنوب.
وشدد الجدال على ضرورة تدخل الجيش الليبي لحسم تلك المسائل الأمنية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الجنوب يحتاج مصالحة أولا بين قبائله المختلفة ثم محاربة المعارضة التشادية التي تتخذ من منطقة "أم الأرانب" مركزا لها.
وفى السياق نفسه، قال الناشط السياسي المدني الليبي عبد الحكيم الباشا، لـ "العين الإخبارية" إن العناصر التشادية المسلحة التي تنتمي لحركات المعارضة، تعمل على تهريب المخدرات والسلاح والبضائع الليبية المدعمة، مما أدى لتفاقم الأزمات الأمنية بالجنوب.
وأضاف الباشا، أن الجنوب "مساحته واسعة ودروبه وعرة، وبالتالي فهو أرض خصبة لنمو الجماعات الإرهابية، مشيرا إلى أن هناك حالة من القلق الحاد بين السكان من أن يتحول الجنوب لمرتع للإرهابيين".
حراك "غضب فزان"
ووسط تواجد لبعض خلايا داعش الإرهابي والعصابات التشادية، يعاني سكان الجنوب من نقص الخدمات والتهجير من مناطقهم، وهو الأمر الذي أدى إلى حراك يسمى بـ "غضب فزان"، الذي لوح بإيقاف ضخ النفط في محاولة للفت انتباه السلطات التي تتجاهل مطالبهم برفع التهميش والإقصاء عنهم، وبعد مناشدات عدة من قبل أبناء المنطقة الجنوبية بأن يلتفت المسؤولون إلى الوضع الذي يعيشونه.
ولقي ذلك الحراك ترحيبا ودعما من قبل بعض القبائل ومؤسسات المجتمع المدني في ليبيا؛ حيث أعلن اتحاد مؤسسات المجتمع المدني "تراغن" في وقفة احتجاجية نظمها، الأحد، عن انضمامه إلى حراك "غضب فزان".
وطالب الاتحاد، خلال الوقفة، بدعم المؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات الصحية، وتشغيل محطة أوباري الغازية لإنتاج الكهرباء، واستئناف العمل بمطارات الجنوب، وتوفير السيولة وفرص عمل لأبناء الجنوب، كما أعلنت قبائل الطوارق الليبيية تأييدها لحراك "غضب فزان".