الحرب الأهلية الروسية.. رقصة الحمر والبيض على 13 مليون جثة
شكلت الحرب الأهلية الروسية الفصل الأخير من الثورة الروسية قبل أكثر من 100 عام، لكنها حملت ثمنا باهظا تمثل في مقتل 13 مليون شخص.
وكانت الحرب الأهلية الروسية مجموعة من الأحداث التي قسمت روسيا لمدة ثلاث سنوات، بداية من عام 2018 وحتى 2021، واندلعت بسبب الإطاحة بالنظام الملكي وفشل الحكومة الجمهورية الجديدة في الحفاظ على الاستقرار، إذ تنافس العديد من الفصائل لتحديد مستقبل روسيا السياسي، وفقا لموقع thoughtco المعني بالتاريخ.
واتسمت الثورة بالفوضى الشديدة والحدة، وتحلل السلطة وتفكك المجتمع الروسي تحت ضغط عدة قوى معادية، إلى أن أُعيد تركيبها وتوحيدها تحت القبضة البلشفية المنتصرة، ونتج عنها تشكيل جمهورية روسيا الاتحادية الاشتراكية السوفياتية ثم الاتحاد السوفياتي.
أسباب اندلاع الحرب الأهلية في روسيا:
1- مقاومة الطبقات الحاكمة التي فقدت السلطة والممتلكات.
2- حل الجمعية التأسيسية (البرلمان) من قبل البلاشفة الذين شكلوا أقلية فيها.
3- توقيع معاهدة بريست الانفصالية المهينة مع ألمانيا.
4- إجراءات البلاشفة القمعية في الريف التي استهدفت الأغنياء من الفلاحين بغية مصادرة ما تبقى لديهم من الحبوب.
5- دور الأسرى العسكريين النمساويين والمجريين والتشيك الذين حاولوا حل مشكلاتهم باستخدام القوة في روسيا.
6 - تدخل دول التحالف (بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة) في الشؤون الداخلية لروسيا.
وبصفة عامة، يرى معظم الباحثين أن انقلاب أكتوبر/تشرين الأول عام 1917 كان أول خطوة نحو الحرب الأهلية في روسيا. أما الاستيلاء على مدينة فلاديفوستوك في الشرق الأقصى الروسي من قبل القوات البلشفية في أكتوبر/تشرين الأول عام 1922، فقد وضع النقطة الأخيرة في تلك الحرب.
وفي البداية، لم يكن الحكم البلشفي مقبولاً عالمياً، وانزلقت البلاد في حرب أهلية. كان أكبر خصمين هما الجيش الأحمر، الذي يقاتل من أجل النظام البلشفي بقيادة فلاديمير لينين، والقوات المتحالفة غير المحكومة المعروفة باسم الجيش الأبيض، والتي تضمنت توجهات متنوعة تفضل الملكية السياسية والرأسمالية والديمقراطية الاجتماعية.
أبرز مراحل الحرب:
آ - المرحلة الأولى (أكتوبر/تشرين الأول 1917 – نوفمبر/تشرين الثاني 1918)، اتسمت بتأسيس القوتين المتحاربتين جيشهما وتدخل الدول الأجنبية في شؤون روسيا والانتقال التدريجي من اشتباكات محدودة إلى معارك واسعة النطاق.
ب- المرحلة الثانية (نوفمبر/تشرين الثاني 1918 – مارس/آذار 1920) وقعت فيها المعارك الرئيسية بين الحرسين الأبيض والأحمر وتقلص التدخل الأجنبي الناتج عن انتهاء الحرب العالمية الأولى، وفرضت قوات الجيش الأحمر سيطرتها على الجزء الأكبر من أراضي البلاد.
ج- المرحلة الثالثة (مارس/آذار 1920– أكتوبر/تشرين الأول 1922) دار فيها الصراع المسلح الأساسي بين المعسكرين الأبيض والأحمر بالمناطق البعيدة عن العاصمتين ووسط البلاد.
ملامح الانتصار
أواخر عام 1919، آمن أغلبية الروس بحتمية انتصار الجيش الأحمر بالحرب الأهلية الروسية، بعد أن مُني الجيش الأبيض، بخسائر فادحة على يد البلشفيين، واضطر إلى التراجع على جبهات عدّة بسيبيريا وشمال روسيا وقرب بتروغراد.
وخلال خريف 1919، فشل الجيش الأبيض في سحق البلشفيين وإنهاء وجودهم قرب موسكو فأجبروا بسبب ذلك على التراجع بشكل غير منظم نحو ضفاف البحر الأسود.
وخلال سنوات الحرب الأهلية، مارس كلا الجيشين الأحمر والأبيض عنفا غير مسبوق، إذ لم يتردد الطرفان في تنفيذ عمليات إعدام جماعية ضد كل من اتهموا بالخيانة.
وبعددها الصادر أواخر شهر أغسطس/آب 1918، حثت صحيفة البرافدا، التي أسسها لينين واعتمدت كأداة دعاية للبلشفيين، على إبادة كل من وصفوا بالبرجوازيين واتهموا بمعاداة طبقة العمال الثائرة.
فوز الجيش الأحمر بالحرب:
ويرى بعض الباحثين أن الحرب نشأت بسبب الرغبة في التخلص من قمع البلاشفة وممارسات الجيش الأحمر، وانتشرت المقاومة على نطاق واسع في جميع أنحاء روسيا، ومع ذلك فشلت المقاومة ونجح البلاشفة في استعادة السيطرة على روسيا مرة أخرى.
ويعود الفضل في ذلك إلى ليون تروتسكي، القيادي الشيوعي البارز المقرب من لينين، الذي كان يدير الحرب ببراعة شديدة. ورغم أنه لم يتلق في حياته أي تدريب عسكري، إلا أنه كان قائدا بالفطرة، وكانت له سياسة صارمة في التعامل مع قادة الكتائب، فمن ينجح منهم يحصل على التقدير، ومن يفشل فإنه يدفع ثمن فشله.
واستعان تروتسكي أيضا برجال القيصر المخضرمين الذين كانت خبرتهم العسكرية أفضل من خبرة رجال الجيش الأحمر، إذ أيقن تروتسكي أنه بحاجة إلى خبرتهم إذا أراد أن يفوز بالحرب.
وبالفعل، نجحت استراتيجيته، فكسب الحرب، لكنه خسر بسببها حياته فيما بعد، إذ جرى استخدم ذلك ذريعة ضده في محاكمته بتهمة الخيانة التي أطلقها جوزيف ستالين للتخلص منه، وانتهت بالحكم على تروتسكي بالإعدام.
نتائج الحرب الأهلية الروسية
كانت الحرب الأهلية الروسية من أسوأ الحروب الأهلية على الإطلاق، وأدت إلى مقتل ملايين الأشخاص، حيث قُتل نحو 13 مليون شخص تقريبا في هذه الحرب، واستمرت روسيا في المعاناة من آثار الدمار والخراب التي لحقت بها بسبب الحرب لعدة سنوات.
إذ انتشر الجفاف والمجاعة في موسكو ومحيطها، وتدهورت الأوضاع الصحية بشكل كبير، ولقي نحو 3 ملايين شخص بمرض التيفوس في عام 1920.
تأثرت البنية التحتية لروسيا بشكل كبير بسبب الحرب الأهلية، فتم هدم الجسور والكباري والكثير من المصانع والمزارع أيضا، وانخفضت قيم الإنتاج الصناعي إلى السبع، والإنتاج الزراعي إلى الثلث، وانتهت الحرب الأهلية بسيطرة البلاشفة على الحكم بيد من حديد، وفرضوا المزيد من القيود.