يوما تلو الآخر تتعزز مسيرة الإمارات على طريق الإنسانية في الداخل، وتترسخ في دروبها سردية الحقوق الشخصية، التي تصون الكرامة البشرية.
وفي الخارج بات العالم شاهدا على مكانة الإمارات بين مصاف الدول، التي تقدم نموذجا راقيا ورائقا للأخوة الإنسانية، التي تتجاوز العرق واللون والدين، بل ومنطلقات المحاصصة كافة بمختلف أشكالها وصورها.
من عند الأب المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله وطيّب ثراه، يمكن للمرء أن يؤسس نظرة حقيقية لاحترام الإنسان بشكل عام في الإمارات، فقد نظر الراحل الكبير إلى البشرية كأسرة واحدة خلقها الله على هذه الأرض لكي تحظى بنعمه وخيراته، وجعل الإنسان فيها خليفة له، وأعطاه أمانة إعمارها، ونشر السلام والأمن والرفاهية فيها، وكذا العمل على تقوية الصداقة بين جميع شعوبها عن طريق التعاون والتعامل والتآزر بينها.
ومضى عيال "زايد" على هذا النهج من بعده، فقد أينعت شجرة الخير الإماراتية، وأزهرت حديقة الأفكار داخلها بكل ما من شأنه حفظ حقوق الإنسان، أي إنسان، على ترابها الوطني.
وكانت الركيزة، التي قامت عليها المنظومة الحقوقية الإماراتية، دائما مستمدة من تراثها الثقافي، ووجدانها الإيماني المصحوب بالفطرة السليمة، والمنبثق من الإسلام الوسطي السمح.
وفي هذا السياق، جاء الدستور الإماراتي ليكفل الحريات المدنية للجميع، وبدت منظومة الدولة التشريعية معززة لمبادئ العدالة والمساواة والتسامح، عطفا على احترام الحقوق ودعم العمل الإنساني والإغاثي، تماشيا مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
لقد قطعت الإمارات العربية المتحدة شوطا بعيدا في مسار إنشاء المؤسسات الوطنية، التي تتسق ورؤاها الدستورية، ومن هنا ظهرت الهيئة الوطنية لحقوق الإنسان، واستحدثت وزارة التسامح والتعايش، ووضعت سياسات وسنت قوانين لحماية حقوق العمال والطفل والمرأة، بالإضافة إلى كبار السن من المواطنين وأصحاب الهمم والسجناء، كما أسهمت، ولا تزال، على الصعيدين الإقليمي والدولي، في مكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر.
ولعل الذين وجّهوا سهام نقدهم للإمارات مؤخرا قد فاتتهم قراءة مدققة ومحققة لدستور الإمارات، ذاك الذي يكفل الحقوق والحريات لجميع الأفراد ويعدهم سواسية أمام القانون، هناك حيث لا تمييز بين مواطني الدولة بسبب الأصل أو الموطن أو العقيدة الدينية أو المركز الاجتماعي.
إذ ينص الدستور الإماراتي على حماية القانون للحرية الشخصية للمواطنين كافة، وفيه أنه لا يجوز القبض على أحد أو تفتيشه أو حجزه، وكذلك لا يجوز حبسه إلا وفق أحكام القانون، كما يحظر الدستور إيذاء المتهم جسديا أو معنويا.
وعلى صعيد مواز، تبدو الإمارات سردية من التسامح الديني، ذلك الساعي إلى ارتقاء الإنسان أول الأمر وآخره.
لم تنظر الإمارات إلى التسامح بوصفه مسألة دعائية، بل حرصت، كما شهدت على ذلك مؤسسات دولية عديدة منها المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية، على إضفاء الطابع المؤسسي على التسامح، عبر تأسيس وزارة التسامح عام 2016، كذلك تشكيل اللجنة الوطنية العليا للتسامح عام 2018، وقبلهما كانت الإمارات تصدر قانون تجريم الازدراء الديني، ذاك الذي سبقت به كثيرا من دول الغرب الأوروبي، تلك التي لا تزال تتشدق بمسألة حرية الرأي وحقوق الإنسان دون مقدرة واضحة منها حتى الساعة على وضع خطوط وحدود فاصلة بين الحق في إبداء الرأي وبين السعي الفاضح عبر مساقات الكراهية.
باتت الإمارات محط أنظار العالم برمته تقديرا لدورها الريادي في مجال العمل الخيري الإنساني، حيث أولت قيادتها الرشيدة أهمية كبرى لهذا الباب الإنساني المغمور بالمحبة، يقينا منها بأنه قيمة إنسانية تتجاوز الفواصل البشرية المزيفة، فجاء عطاؤها بغير حدود، ومدت يدها من فوق السدود للجميع في شتى بقاع الأرض دون أدنى تفريق.
آخر مشاهد الإسهامات الإنسانية الإماراتية على هذا الصعيد تمثل في موافقة الإمارات على استضافة نحو خمسة آلاف مواطن أفغاني تم إجلاؤهم من أفغانستان في ظروف صعبة قبل نقلهم إلى دول أخرى.
وتاليا سهلت الإمارات عمليات إجلاء أكثر من 28 ألف شخص، بالإضافة إلى نحو ثمانية آلاف وخمسمائة شخص قدموا إلى الدولة عبر الناقلات الوطنية ومطارات الإمارات منذ بداية أغسطس الماضي.
روح الإمارات الإنسانية الأخوية تجسدت خلال جائحة كوفيد-19 المستجد، والمبادرات التي قامت عليها الإمارات، فقد تلقت أكثر من 135 دولة الغذاء والرعاية الصحية بفضل مساعدة دولة الإمارات، ومن خلال هذه المبادرات الإنسانية تمكنت مؤسسات دولية أخرى من مساعدة سكان مناطق في أقصى أركان الأرض، كما الحال مع سكان منطقة أكيوس في منطقة الأمازون التابعة لجمهورية البيرو، والتي تضررت بشدة من انتشار كورونا.
ومع نهاية شهر أغسطس المنصرم، أنجزت "حملة 100 مليون وجبة" الإماراتية، والأكبر من نوعها في المنطقة لإطعام الطعام في 20 دولة بالعالم العربي وأفريقيا وآسيا وأوروبا وأمريكا الجنوبية، توزيع 106 ملايين وجبة من أصل 216 مليون وجبة تستهدف توزيعها على المحتاجين من الأفراد والأسر في المجتمعات الأقل دخلا في الدول التي تغطيها الحملة عبر أربع قارات.
فتحت الإمارات أيضا بابا للسلام في منطقة عُرفت على الدوام بالخصام والصراع، وجاءت رؤيتها الإبراهيمية لتستنقذ المنطقة الشرق أوسطية من كوارث الكراهية ومصائب الإرهاب، تلك التي كانت خلف الباب واقفة تشتهي أن تتسيد على المنطقة وساكنيها.
كما أمّنت الإمارات دروبا للسير نحو الغد، وفي الوقت نفسه سعت ولا تزال لطرح قيمة غالية وعالية، هي قيمة السلام، لتكون معيار المفاضلة مع غيرها من المنطلقات التي عرفتها المنطقة.
صدّرت الإمارات للعالم في فبراير 2019 واحدة من أنفع وأرفع الوثائق المحدثة في التاريخ الإنساني، وهي وثيقة الأخوة الإنسانية، تلك التي تجمع البشر ولا تفرقهم، بهدف التصدي لصيحات التطرف الفكري والروحي، ولتعزيز العلاقات الإنسانية بين شعوب العالم.
وبدءا من العام الجاري، وتقديرا لهذه المبادرة الإماراتية الخلاقة، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا بالإجماع يعلن يوم 4 فبراير يوما دوليا للأخوة الإنسانية، وقد أكد القرار الإسهام القيم للشعوب من جميع الأديان والمعتقدات للإنسانية، وأكد دور التعليم في تعزيز التسامح والقضاء على التمييز.
أضحت الإمارات كذلك حلم الشباب العربي الساعي للهجرة، فقد جاءت استطلاعات رأي عدة لتؤكد أنها باتت الهدف الأول للساعين إلى المزج بين الأصالة والمعاصرة، وللذين يقدرون احترام كرامة الفرد ويصونون حقه في العبادة وفرصته في الترقى والتنمية المستدامة، لتستبق بذلك أمريكا وكندا وأوروبا، وفي ذلك درس كبير لقوم يتفكرون.
ما تقدم ذكره هنا غيض من فيض عن واقع حال حقوق الإنسان في الإمارات من جهة، وأياديها البيضاء ودورها الخيّر والمغيّر حول العالم من جهة أخرى.
وفي كل الأحوال، سوف تمضي قافلة الإمارات إلى الأمام بالخير لمواطنيها، ومقيميها، ولبلدان الإقليم كافة، بل وللعالم أجمع، حاملة مشعل الخير، في قناعة منها أن الإنسان هو القضية، والإنسان هو الحل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة