لا تحتاج الوساطة الكويتية سوى التزامات أمريكية وغربية وأممية من داخل مجلس الأمن
بصرف النظر عن تقييمنا لما قد تؤدي إليه التحركات الكويتية إزاء الأزمة القطرية والتحرك صوب الولايات المتحدة ولقاء أمير الكويت والرئيس ترامب في واشنطن، فإن ثمة حقائق تفرض نفسها خلال هذه الأزمة.
فالوسيط الكويتي ما زال يتحرك في دائرة محددة، ولم يعلن بعد لأسباب مفهومة تفاصيل الوساطة التي يقوم بها أو يعلن عن أية نتائج إيجابية أو سلبية قد تكون صدرت من الجانب القطري، وفضّل الصمت والسكون والتحرك في دائرة محددة، ودونما طرح لأفكار حاسمة لثني قطر عن خطها السياسي الراهن والعودة إلى الأصول والبدء في التعامل مع الأفكار الخاصة بالحوار الجاد والذي دعت إليه الدول الأربع المقاطعة، وبهدف الضغط على الجانب القطري لدفعه لتبني موقف جديد، وزحزحة المسؤولين القطريين عن مواقفهم المعلنة والمؤكد أنها تختلف عن ما يدور في الخفاء ووراء الكواليس وهو ما يدركه الجميع.
واللغة الدبلوماسية التي تروج لها قطر في الأوساط الدولية تختلف شكلا ومضمونا عن اللغة السياسية التي تتعامل من خلالها والوسيط الكويتي، الذي يمارس دور الوسيط الأمين والمستمر منذ بدء الأزمة وحتى الآن، وبالتالي فإن نجاح زيارة أمير الكويت إلى الولايات المتحدة ترتبط بعدة تصورات
الكويت تحتاج بالفعل إلى دعم أمريكي مباشر، وفي ظل التأكيد على فشل الخيارات القطرية في الاستمرار والمواجهة المفتوحة، وبدون مخطط حقيقي من قبل الوسيط الكويتي للقفز على الفشل الراهن في إدارة الأزمة، سيستمر تضرر الشعب القطري، والذي تضيع موارده وثرواته جراء التشبث بمواقف سياسية مهتزة ومرتبكة
الأول : احتمال نجاح الجانب الكويتي في التوصل إلى نقطة تفاهم سياسي جديد مع الجانب الأمريكي، خاصة أن الكويت تحتاج بالفعل إلى دعم أمريكي مباشر، وفي ظل التأكيد على فشل الخيارات القطرية في الاستمرار والمواجهة المفتوحة، وبدون مخطط حقيقي من قبل الوسيط الكويتي للقفز على الفشل الراهن في إدارة الأزمة، سيستمر تضرر الشعب القطري، والذي تضيع موارده وثرواته جراء التشبث بمواقف سياسية مهتزة ومرتبكة، والتي لن يجني منها سوى السقوط؛ والقضية مسألة وقت ليس أكثر.
الثاني: أن تطوير الوساطة الكويتية يتطلب سرعة التفاعل مع المشهد الراهن، وعدم التعايش السياسي معه، وهو ما جرى في ظل استمرار الأزمة في إطارها العام، وخفوت بريق أحداثها في ظل الرهانات القطرية على استمرار المشهد، واستبعاد فرص الحل والحسم، برغم التضرر المالي في مقابل بقاء حكم الأسرة الحاكمة في موقعها، وهو ما تعمل عليه قطر، وستستمر في الدفاع عنه، ومن المؤكد أن الكويت تدرك ذلك خاصة أن حدود الوساطة الكويتية يرتبط بخطة عمل وجدول أعمال متكامل، وليس مجرد عقد جلسات عمل واتصالات ورسائل.
الثالث: يدرك الجانب الكويتي أن الجانب الأمريكي ليس وسيطاً، وأنه لن يتراجع في الوقت الراهن إلا بعد أن يكون قد حقق أهدافه مع استمراره في مواقفه وتوجهاته إزاء دعم تنظيمات الإرهاب، علاوة على أن النظام القطري لن يتوقف عند إبرام صفقة سلاح أو إجراء ترتيبات مشتركة، أو حتى الاستقواء بالجانبين التركي والإيراني ، ومن ثم فإن الكويت وهي تتحرك في الاتجاه إلى الولايات المتحدة تدرك أن الجانب الأمريكي لن يمارس ضغطاً حقيقياً على قطر، وسوف يقدم في أفضل الخيارات طوق النجاة من خلال طرح عدد من الحلول الثنائية بين واشنطن والدوحة على حساب المصالح المباشرة للدول الأربع المقاطعة، التي لا تزال تتبنى مواقف ثابتة لم تتغير منذ بدايات الأزمة وحتى الآن، وحيث تبدو مطالبها مشروعة وبارزة في هذا السياق.
الرابع: لا تحتاج الوساطة الكويتية سوى التزامات أمريكية وغربية وأممية من داخل مجلس الأمن، ولن تتوقف على دولة واحدة حتى ولو كانت الولايات المتحدة، التي ستتبع الخيار النفعي المصلحي في ظل تشابك المصالح الاستراتيجية والأمنية بين الجانبين، وهو ما قد يعقّد بالفعل أية ضغوطات حقيقية من قبل الولايات المتحدة على قطر في هذا التوقيت.
الخامس : نحن إذن أمام معضلة التعامل مع الأزمة في ظل غياب الرؤية الأمريكية التي يمكن أن تلتقي مع الوسيط الكويتي الجاد، الذي يملك من المصداقية الكثير تجاه طرفَي الأزمة، ويستطيع أن يحقق اختراقاً في المواقف والاتجاهات، إن أحسن الاتجاه إلى جوهر الخلاف والتباين المستمر بين الجانبين، وهو ما تعلمه الإدارة الأمريكية بالفعل، وبالتالي فان الوسيط الكويتي سيسعى إلى طرح سياسات ربما تكون مقبولة من الطرفين وفق استراتيجية المشهد الحالي، وتمسك الدول الأربع المقاطعة بموقفها بناء على 13 عنصراً لبدء تفاوض جاد وبناء تعهدات حقيقية بين الدول الأربع المقاطعة وقطر، وهو ما يسعى الوسيط الكويتي للوصول إليه.
السادس: الجانب الأمريكي يتعامل مع الأزمة من منطق نفعي ومصلحي، ووفق استراتيجية التعامل مع واقع العلاقات والاستمرار في تبني استراتيجية واقعية بالأساس، وليس دبلوماسية العواطف والأمنيات الطيبة التي ليس لها وجود في المنظور الأمريكي الراهن، والذي يعتمد استراتيجية التعامل النمطي في إدارة الأزمة، وقد اتبع ذلك عقب فشل جولة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تليرسون للخليج العربي، وبعد أن نصح الجنرال الأمريكي انطوني زيني الإدارة بعدم الإقدام على طرح سياسات من أعلى، أو الانغماس المباشر في إدارة الأزمة وتركها في إطار الخليج والمعاونة من الخارج، وهو ما جرى مؤخراً وعملت عليه الإدارة الأمريكية بالفعل، ومن المؤكد أنه نقل للجانب الكويتي بالفعل، ومن خلاله سيمكن الحكم على نجاح أو فشل مهمة أمير الكويت، الذي ما زال مصمماً على إنجاح الوساطة والتوصل لبداية تفاوض جاد ينهي الأزمة، أو على الأقل يحرّك المياه الراكدة في ملفها المتعثر.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة