مسرح وسينما وتلفزيون.. عُمان منارة خليجية للفن والإبداع
نهضة سلطنة عمان لم تتوقف عند الوضع الاقتصادي والتحولات السياسية الإيجابية، لكنها امتدت إلى الحياة الثقافية والفنية بكل روافدها
تحتفل سلطنة عُمان بعيدها الوطني في 18 نوفمبر/تشرين الثاني كل عام، حيث يحتفل العمانيون بذكرى انطلاق مسيرة التنمية والبناء التي بدأها السلطان قابوس بن سعيد حين تولى مقاليد الحكم.
ولم تتوقف نهضة السلطنة عند الوضع الاقتصادي والتحولات السياسية الإيجابية، لكنها امتدت إلى الحياة الثقافية والفنية بكل روافدها، فقد آمن أبناء هذا البلد المخلصون بأن الفن قوة ناعمة تبني الفرد وترتقي بكل أدواته.
وخرج من سلطنة عمان مبدعون لديهم رؤية وخيال كبير وقدموا أعمالا فنية تحترم عقل المشاهد، وفي الوقت نفسه تحافظ على تقاليد وأعراف مجتمعنا العربي.
في التقرير التالي ترصد "العين الإخبارية" ملامح الحركة الفنية في سلطنة عمان.
المسرح.. من المدرسة إلى العالمية
عرف المجتمع العماني النشاط المسرحي من خلال 3 مدارس كانت تحمل اسم "المدارس السعيدية" التي تأسست في مسقط عام 1940 وصلالة 1951 ومطرح 1959، استغل المعلمون شغف الطلاب بالتمثيل وقاموا بتقديم عروض فنية في ساحات خالية داخل حدود المدارس، واعتمدت في أغلبها على نصوص تاريخية مستوحاة من المناهج التعليمية، الأمر الذى عرف بعد ذلك بمسرحة المناهج.
بمرور الأيام والسنوات غدا التلاميذ شبابا لديهم حلم كبير، إذ قاموا بتأسيس العديد من الفرق المسرحية التي غذت عروضها الأندية وخرجت من حدود المدارس الضيقة.
وظهر ما يسمى المسرح الصيفي، وداخل النادي الأهلي ازدهرت الحركة المسرحية في الفترة من 1971 إلى 1975، ورغم الإمكانيات المحدودة إلا أن حماس الشباب كان السبب الرئيسي للنجاح، وبذكاء شديد اشتبك المسرح العماني مع التجارب العربية، حيث اهتم الشباب بتقديم عروض مهمة لكتاب من مصر، مثل "سد الحنك" لسعد الدين وهبة 1973 و"مجلس العدل" لتوفيق الحكيم.
وفي فترة الثمانينيات شهد المسرح العماني طفرة كبيرة وتنوعت العروض بين الكوميدي والاجتماعي والتاريخي، والفلسفي، وتم السماح للفتاة العمانية بالصعود على خشبة المسرح، وأدركت الدولة أهمية هذا الفن، لذا أقامت له مسابقات كبيرة، وقامت بتأسيس فرقة "مسرح الشباب"، ووفرت لها الغطاء المادي الجيد وجعلتها صوت الدولة المعبر عنها.
وأحدثت فرقة مسرح الشباب نقلة كبيرة في النشاط المسرحي، وبفضل مشاركاتها الدولية نجحت في إفراز مواهب حقيقية في التمثيل والإخراج والديكور والإضاءة والتأليف أيضا.
اهتمام الدولة بالمسرح سمح بظهور العديد من الفرق الأهلية مثل “الصحوة، الرستاق، فكر وفن، مزون المسرحية، ظفار"، ولا شك أن تعدد الفرق وتنوع اهتماماتها خلق منافسة قوية، ومن هنا تأصلت ملامح المسرح في عمان، التي ساهم فيها عدد من الرواد الأوائل مثل "محمد بن الياس فقير" و"رضا عبد اللطيف".
وفي عام 1990 تم افتتاح قسم للدراسات المسرحية في جامعة السلطان قابوس يتضمن أفرع التمثيل والإخراج والنقد المسرحي والديكور، وحدثت نقلة نوعية على أرض الواقع بسبب الجيل الأكاديمي الذي جمع بين الدراسة والموهبة، وأمام تهافت الجمهور على حضور العروض المسرحية أدركت الدولة قيمة الحركة المسرحية، فقامت بإنشاء "الجمعية العمانية للمسرح في 25 ديسمبر/كانون الأول 2009 بهدف جمع شمل كل العاملين في المسرح ورعاية مصالحهم والحفاظ على حقوقهم المادية والأدبية.
السينما العمانية.. جودة بصرية عالية وأفلام تعكس الواقع
في الماضي عانت أغلب مدن وقرى عمان من ضعف الإرسال التليفزيوني، وفى محاولة لتوفير الرفاهية والمتعة البصرية للمواطن العماني لجأت وزارة الإعلام إلى تقديم عروض سينمائية تجوب المدن من خلال عربات متنقلة.
في السبعينيات تغير المشهد تماما وتم إنشاء عدد من دور العرض السينمائي في عمان مثل "سينما ريكس، بلازا، النصر"، وكانت تكتفي بعرض الأفلام الأسيوية فقط، ثم تحمس منتج لبناني لبناء سينما النجوم التي تحمست لتقديم أفلام عربية.
وعانت السينما في عمان بسبب ضعف الإمكانيات في بدايتها، ولكن بمرور الوقت ظهر جيل من الأدباء والمبدعين المهتمين بصناعة السينما مثل "عبد الله حبيب" الذى درس السينما في أمريكا وقدم مجموعة من الأفلام القصيرة الجيدة، وخميس الرفاعى الذى تعلم في القاهرة، ومنصور عبدالرسول.
وفي عام 1988 بدأت ملامح السينما العمانية تظهر بوضوح من خلال 3 تجارب ناضجة استعان مخرجها حاتم الطائي بكاميرات احترافية، وهي "السقوط، الوردة الأخيرة، شجرة الحداد الخضراء".
وكثرت التجارب الجيدة شيئا فشيئا، ومنها فيلم"هذا ليس غليونًا" في مرحلة التسعينيات للمخرج عبدالله حبيب، الذي حصل على الجائزة الفضية في مسابقة مؤسسة الثقافة والفنون، بالمجمع الثقافي، في أبوظبي، بدولة الإمارات العربية المتحدة عام ١٩٩٢، وهو ما خلق تطلعات كبيرة داخل شباب السينمائيين.
ومع ظهور كاميرا الديجيتال ظهر جيل جديد، وحدثت طفرة في تقنية الفيلم العماني، وبرزت في هذه المرحلة أسماء مثل يوسف البلوشي وجاسم البطاشي وعبدالله البطاشي الذين قدموا أفلاما ذات جودة بصرية عالية، وحدثت نقلة نوعية في السينما العمانية، حيث تم تأسيس مهرجان مسقط السينمائي في 2001، وبعد ذلك تم إشهار الجمعية العمانية للسينما عام 2006 التي نالت دعما كبيرا من الدولة لإيمانها بدور السينما في النهوض بوعي المواطنين.
واستغل صناع السينما في عمان ارتفاع سقف الإبداع في تقديم قضايا مهمة مثل"إدمان المخدرات، النقاب، حرية المرأة"، وكان أول فيلم روائي طويل يحمل توقيع "خالد الزدجالي"، واسمه "البوم" إنتاج عام 2005، وشارك في العديد من المهرجانات والمحافل الدولية، ونال إعجاب العالم، وشارك في بطولته صالح زعل، وأمينة عبدالرسول، وطالب محمد، وسالم بهوان، وزهى قادر، والفنان المصري سعيد صالح.
الدراما الإذاعية والتلفزيونية
إلى جانب النهضة السينمائية وتطور الحركة المسرحية في سلطنة عمان، ولدت الدراما الإذاعية والتلفزيونية بشكل قوي، ويحمل قدرا كبيرا من الخصوصية، وبدأ الأمر مع تأسيس هيئة الإذاعة والتليفزيون، حيث ظهر فنانون متحمسون للكتابة الدرامية التليفزيونية والإذاعية، ومن أبرزهم الفنان الراحل جمعة الخصيبي، صالح زعل، المخرج أمين عبداللطيف، محمدالشنفري، وفوزي الغماري.
وساهم هذا الجيل في صناعة تاريخ جميل للدراما العمانية، ونجح في إفراز مواهب فنية مهمة، ومن أهم الأعمال التي ظهرت في السنوات الأخيرة في التلفزيون العماني "الشعر ديوان العرب” للمؤلف الراحل أبو الوفا القاضي، و"زيد وعبيد" تأليف محمود بن عبيد الحسني، وإخراج الكويتي خالد المفيدي "طيبة وسلامة" تأليف حمد الشهابي، و"اليرام" تأليف شيخة الفجري و"جديد الصوف" تأليف زكريا الزدجالي. وسمح انتعاش الدراما العمانية للفنان العماني بالسطوع في الدراما العربية من المحيط للخليج.
aXA6IDMuMTQ0LjMxLjE3IA==
جزيرة ام اند امز