التدخل الخارجي والفوضى والفقر تتصدر اليوم الثاني لـ"فكر16" بدبي
بمشاركة شخصيات بارزة ونخبة من صناع القرار والمسؤولين والمفكرين والمثقفين والباحثين والقادة الفاعلين.
لليوم الثاني على التوالي تتواصل فعاليات المؤتمر السنوي السادس عشر "فكر"، في مدينة دبي، بمشاركة شخصيات بارزة ونخبة من صناع القرار والمسؤولين والمفكرين والمثقفين والباحثين والقادة الفاعلين.
ثلاث جلسات متزامنة انطلقت، اليوم الأربعاء، في فندق "جراند حياة" مقر انعقاد المؤتمر، الأولى بعنوان "الفوضى.. اختلال آليات العمل السياسي" تناقش العوامل السياسية وتقصير المؤسسات المعنية في التعبير عن المطالب الشعبية وضعف المشاركة العامة.
الفوضى.. اختلال آليات العمل السياسي
وتضم الجلسة التي يديرها وحيد عبدالمجيد مدير الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، كلا من الصادق بخيت الفقيه، سفير السودان في الأردن وفلسطين والأمين العامّ الأسبق لمنتدى الفكر العربي، وعبدالعزيز بن عثمان بن صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث، وعبد الإله بلقزيز، أستاذ الفلسفة في جامعة الملك الحسن الثاني، إلى جانب آمال قرامي، باحثة ومفكّرة وأستاذة في جامعة منوبة، والكاتب والباحث البحريني حسن مدن.
حسن مدن وفي مداخلته، قال إن الإرهاب ظاهرة مركبة ومعقدة تتداخل عوامل متنوعة في تشكيلها، مؤكدا أن تنظيمات الإسلام السياسي تمثل الحاضنة الرئيسية للجماعات الإرهابية المتطرفة.
مدن رأى أن الحاجة الاقتصادية أحد الأسباب التي تقذف بالشباب في أحضان الجماعات الإرهابية، كما أن "المنظومة التعليمية غير القادرة على تقديم تعليم عصري توفر حاضنة للإرهاب".
المتحدث نفسه لفت إلى البحث عن سياقات أشمل في إيجاد تعريف للإرهاب، وضرورة أن يكون للدين فضاؤه الخاص به دون أن يتم توظيفه في العملية السياسية.
عبدالعزيز بن عثمان بن صقر، من جانبه اعتبر أن الفوضى في المنطقة العربية ظهرت منذ ما يسمى بثورات الربيع العربي.
وفي هذا الصدد، دعا بن صقر إلى ضرورة الحفاظ على ما تبقى من دول المنطقة والحيلولة دون الزج بها في أتون الفوضى، وتفعيل العمل الجماعي العربي المشترك، وتفعيل دور جامعة الدول العربية، وتقوية المصالح الاقتصادية بين الدول العربية، والتعاون الأمني الفعال، وإيجاد صيغة فعالة للتعاون العسكري والاستخباري بينها.
أما آمال قرامي فتحدثت عن السياسة الواجب اعتمادها للحد من ظاهرة انخراط النساء في التطرّف العنيف، ورأت أن دواعي التحاق الفتيات والنساء بالجماعات المتطرفة، تختلف باختلاف السن والطبقة الاجتماعية والمستوى التعليمي والثقافي والانتماء الجغرافي.
وأشارت إلى أن النساء اللواتي انتمين إلى القاعدة يختلفن في تصوراتهن ورؤيتهن للجهاد عن اللواتي انضممن إلى تنظيم داعش، مبينة أن أسباب الانضمام للجماعات المتطرفة تتطلب التعمق في حياة الفرد وبنيته الذهنية وسلوكه وتركيبته النفسيّة.
قرامي رأت أن وضع سياسة لمكافحة التطرف العنيف والوقاية من مخاطره ليست منفصلة عن تبني سياسة مناهضة التمييز ضد النساء، كما أن مكافحة التطرف العنيف يجب أن تجمع بين الطرح الأمني والتربوي والتعليمي والاجتماعي والاقتصادي والسياسي والثقافي والديني والإعلامي.
الفوضى.. التدخلات الخارجية
أما الجلسة الثانية فجاءت تحت عنوان "الفوضى.. التدخّلات الخارجية"، وتتناول الدور الذي تقوم به تركيا وإيران في النزاعات العربية والسعي للتدخل في الشؤون الداخلية العربيّة.
كما تتناول الجلسة التي يديرها جميل مطر، باحث ومسؤول صفحة الرأي وعضو مجلس تحرير في جريدة الشروق المصرية، دور إسرائيل في استغلال الوضع في المنطقة وسعيها إلى توسيع دائرة الاستيطان والسيطرة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتضم الجلسة كلا من مصطفى البرغوثي، الأمين العامّ لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية وعضو المجلس التشريعي، ومحمد بن صقر السلمي، رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية، والسفير ناصيف حتّي، مدير المعهد العالي للعلوم السياسية والإدارية في جامعة الروح القدس الكسليك، ومحمد الشيخ بيد الله، الرئيس السابق لمجلس المستشارين في المغرب،وابتسام الكتبي، رئيسة مركز الإمارات للسياسات.
البرغوثي وفي مداخلته أكد أن القضية الفلسطينية هي خط الدفاع الأول للعرب والمسلمين، لافتا إلى أن إسرائيل تصدعت من الداخل خلال الأسبوعين الماضيين بسبب الضغوط الشعبية الفلسطينية.
وعن إيران وتدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول، تحدث محمد بن صقر السلمي، قائلا إنها تستغل صراعها مع العرب لإشغال شعبها عن أزماتها الداخلية.
السلمي لفت أيضا إلى أن طهران تستغل قواها الناعمة لتحقيق أجندتها في المنطقة، حيث تحاول التوسع بشكل كبير في المغرب العربي، فضلا عن متاجرتها بالقضية الفلسطينية لعزل الفلسطينيين عن محيطهم العربي.
وفي السياق ذاته، أشار رئيس مركز الخليج العربي للدراسات الإيرانية إلى أن إيران توسع نطاق جامعاتها للتبشير بالفكر السياسي الشيعي، وتستخدم السينما لتحسين صورتها في العقلية الذهنية للعرب.
ابتسام الكتبي، هي الأخرى تحدثت عن إيران وكيف استغلت قضية القدس لأسباب سياسية بشكل يثير الاستفزاز، منوهة بأن التدخلات الإيرانية والتركية ستكون محورا رئيسيا للنقاش على طاولة القمة العربية التي ستنعقد الأسبوع المقبل بالسعودية.
الكتبي وصفت التدخل التركي في عفرين السورية بأنه احتلال ممنهج، لافتة في الوقت نفسه إلى أن إيران شكلت مليشيات لتأجيج الطائفية في سوريا والعراق.
الفوضى.. الفقر والتفاوت والبطالة
ثالث الجلسات حملت عنوان "الفوضى.. الفقر والتفاوت والبطالة"، وتتناول الأسباب الاقتصاديّة التي تخلق البيئة المواتية للفوضى والاضطراب.
كما تتناول قضايا الفقر والحرمان النسبي، والبطالة وانخفاض مستويات المعيشة، والتفاوتات الاقتصادية.
وتضم الجلسة التي تديرها فاطمة الشامسي، نائب المدير للشؤون الإدراية في جامعة السوربون أبوظبي، كلا من خالد أبو إسماعيل رئيس قسم التنمية الاقتصادية والفقر في لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (الإسكوا)، وجاسم المناعي، المدير العام ورئيس مجلس الإدارة الأسبق لصندوق النقد العربي، عضو مجلس إدارة بنك لبنان والمهجر، إضافة إلى رولا دشتي، وزيرة التخطيط والتنمية السابقة في الكويت.
وينتظم المؤتمر بمبادرة من مؤسسة الفكر العربي، تحت عنوان "تداعيات الفوضى وتحدّيات صناعة الاستقرار"، في تظاهرة ثقافية ترمي إلى إقامة منصة للتحاور والتبادل العميق للأفكار والخبرات بين المشاركين.
كما يسعى المؤتمر أيضا لتشكيل بنية تحتية من المناقشات الرامية للتصدّي للتحدّيات الراهنة التي تواجه المنطقة العربية، ولبحث السياسات البنّاءة اللازمة لإيجاد الحلول ورسم خطّة عمل مستقبلية، تُساهم في بناء الاستقرار بالمنطقة.
وعموما، تجمع التظاهرة أكثر من 600 من الشخصيات البارزة، من رؤساء الدول ونخبة صناع القرار والمسؤولين والمفكرين والمثقفين والباحثين والقادة الفاعلين من القطاعين العام والخاص، إضافة لممثلين عن منظمات المجتمع المدني، ونخبة من كبار رجال الفكر والإعلام والثقافة.
"فكر".. تجارب عربية رائدة
ومنذ انطلاقه عام 2002، شكل مؤتمر "فكر" السنوي منصة تفاعلية للتبادل الهادف للأفكار والخبرات والتجارب العربية الرائدة، في وقت بات فيه العالم عموما والمنطقة العربية في حاجة أكثر إلحاحا لمناقشة قضاياه.
وفي مختلف نسخه، طرح المؤتمر ملفات شائكة مثل تناولها حجر زاوية في معالجتها لاحقا، من خلال تحليل مكامن التعقيد والوهن فيها، ما أفسح المجال لدراسة معمقة مكنت المشاركين وبلدانهم من الاطلاع بشكل دقيق على القضايا التي تقض مضجع العالم وتعطل تقدمه بشكل أو بآخر.
ووفق ما خلص إليه متابعون للمؤتمر، فإن هذه المنصة توفر فرصة للتلاقي بين مختلف الفاعلين، من مسؤولين وقادة من القطاعين العام والخاص، إضافة إلى مفكرين، وصنّاع قرار، وممثلين عن منظّمات المجتمع المدني، ورواد الفكر والثقافة والشباب، ما يجعل منه ملتقى شاملا يوفر أكبر قدر ممكن من الاستفادة.
توليفة تعزز تنوع الآراء والمواقف، وتثري التجارب، ما يضمن حلولا متنوعة ومواكبة لجميع الأنماط الحياتية بمختلف جوانبها الاقتصادية والاجتماعية، ويطرح بالتالي مخرجات على نفس القدر من الثراء والتنوع، وهو ما تحتاجه المنطقة العربية في سياقها الراهن، بحسب محللين.