التطرف والإرهاب بانتشاره في شتى أصقاع العالم بات خطرا عالميا مشتركا يهدد كل مظاهر الحياة والمجتمع والحياة البشرية.
الصعود المضطرد لموجة الأصوليات على اختلاف أنواعها بات يشكل هاجساً مؤرقاً أفضى لتحولات متسارعة تصاعدت فيها الأحداث المرعبة، وتصادمت التطرفات المختلفة بشكل تراجيدي، لا سيما بعد تصاعد العنف، وتراجع الإيديولوجيات، وبروز التطرف الديني -لمختلف الديانات- وبشكل لا إنساني بشع اصطبغ بالعنف التدميري والقسوة والشر.
إفشاء التسامح بين الشعوب والأفراد بات ضرورة ليس ضمن النسق الأخلاقي فقط وإنما صون للسلم العالمي، وهو ما يمكن التفاعل مع جوهره الإنساني والإيجابي الذي نص عليه الإعلان العالمي للتسامح، والذي أكد أن التسامح هو الانسجام داخل الاختلاف
ومما يزيد من قلق هذه الظاهرة لنا كمسلمين أنها تحولت إلى إيديولوجية تكفيرية، وأصبح يرتكب باسم الإسلام من قبل الإسلام الراديكالي أبشع التقتيل والعنف والإرهاب، كما أنهم لا يتورعون عن ارتكاب أبشع المجازر كما هو في «تنظيم داعش» الذي أوجد «الظاهرة الجهادية» وتوظيفها بشكل دموي ومجاني ذهب ضحيته آلاف المغرر بهم من مسلوبي الإرداة والتفكير.
ولأن التطرف والإرهاب بانتشاره في شتى أصقاع العالم بات خطراً عالمياً مشتركاً يهدد كل مظاهر الحياة والمجتمع والحياة البشرية فضلاً عن تهديده السلم العالمي، فقد استوجب تضافر الجهود لدحره واجتثاثه وقبلها تتبع منابعه وجذوره للقضاء عليه في مهده، وهو ما دعا كتّاب ومفكرون إلى تناول هذه الظاهرة وتحليلها سوسيولوجياً منهم المفكر العراقي إبراهيم الحيدري عبر كتابه «سوسيولوجيا العنف والإرهاب»، لفت فيه النظر إلى خطورة الحواضن المهيأة لتقبُّل الفكر التكفيري مما يسهّل للحركات الإرهابية استغلال الشباب الذين يبحثون عن معنى لحياتهم وتوكيد هويتهم الضائعة وإغرائهم بوعود براقة، مؤكداً أن أخطر ما في هذه الردة الحضارية هو الجانب اللامرئي فيها، وهو عالم الأفكار الذي يفصح عن نفسه في الإيديولوجيا التكفيرية التي تزود الإرادة بطاقات ورغبات وميول للانتقام واستخدام العنف والقسوة.
كما أن ظواهر العنف والإرهاب لم تنتشر بهذا الشكل السريع والواسع إلا بوجود تربة حاضنة تنتشر فيها إيديولوجية مولدة للعنف ومشايخ دين يحرضون عليه ويغذونه باستمرار. وعن «العنف والصورة المعادية للإسلام» يشير الدكتور الحيدري إلى أن ما قدمه الفكر الإسلامي الراديكالي غلب فيه السياسي والإيديولوجي على الفكري والثقافي لصب ذهن المسلم البسيط في قالب يتلاءم والتحديات الراهنة التي أثارتها الصحوة الإسلامية التي قامت على فكرة أن الواقع الاجتماعي فاسد، وأن أنظمة الحكم مستبدة، وأن على المسلمين المؤمنين مواجهة هذا الفساد والاستبداد بالأدوات نفسها التي يستخدمها الحكام الظالمون، والهدف من ذلك هو تسييس الدين والدخول في صدامات عنيفة ضد المجتمع الفاسد وضد الحكومات الاستبدادية القائمة واستخدام جميع الوسائل ضدها.
أيضاً الفيلسوفة الألمانية الأمريكية حنّة آرنت (1906-1975م) فقد كانت من أرصن من فكك منظومة العنف، واستطاعت أن تسك مصطلحاً عميقاً كثيف الدلالة أسمته بـ« تفاهة الشر» حيث رأت في العنف تعارضاً مع السياسة، معتبرة أن من يمارسه ما هو إلا أداة مسلوبة الإرادة ولم تجد حنة أرنت حرجاً في تفسير الشر تفسيراً سياسياً، باعتباره عملاً تافهاً عادياً، أحد أسبابه الفرد عوز الفكر لدى هذا الفرد، وتشخص نفسيات الشريرين بعبارة مهمة، حيث تقول: «إن افتتان الدهماء بالشر والجريمة افتتاناً أكيداً ليس بالأمر الجديد، إذ لطالما ثبت أن الرعاع يرحبون «بأعمال العنف قائلين بإعجاب: لئن كان ذلك جميلا فإنه بالغ القوة بالتأكيد».
يبقى التأكيد على أن إفشاء التسامح بين الشعوب والأفراد بات ضرورة ليس ضمن النسق الأخلاقي فقط وإنما صونٌ للسلم العالمي، وهو ما يمكن التفاعل مع جوهره الإنساني والإيجابي الذي نص عليه الإعلان العالمي للتسامح، والذي أكد أن التسامح هو الانسجام داخل الاختلاف، ويتجلى ذلك في تقبل مظاهر الاختلاف والتنوع والثراء في الثقافات البشرية التي يزخر بها عالمنا، وفي احترام وتقدير جميع الأشكال والأساليب التي يتم بواسطتها التعبير عن خصائص الوجود البشري، وتعد المعرفة والتواصل والانفتاح الفكري وحرية التفكير والاعتقاد من العوامل المساعدة على نموه، كما أكد أن التسامح ليس فقط إلزاماً أخلاقياً وفضيلة مثلى غايتها إحلال ثقافة السلام مكان ثقافة الحرب، بل إنه ليعد كذلك ضرورة سياسية وقانونية، لا يجب أن ننظر إلى التسامح على أنه منّة وتنازل أو مجاملة، إنه قبل كل شيء موقف إيجابي يتلخص في الاعتراف بحريات الآخرين الأساسية، وإنه لا حق لأي إنسان في فرض آرائه على غيره.
نقلا عن "الرياض"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة