بالصور.. "قبور السلاطين" كنز من الألغاز في القدس الشرقية المحتلة
موقع "قبور السلاطين" يحمل وضعا فريدا فرغم ملكيته الفرنسية لكن غالبا ما يتم ربط المواقع الأثرية في القدس بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني
تخترق أشعة المصباح العتمة لتكشف عن مقابر رومانية محفورة بالصخور تحت الأرض في مقبرة "السلاطين" في مدينة القدس الشرقية المحتلة تعود إلى ألفي عام، لم تتح سوى لقلة من الناس فرصة معاينتها في السنوات الأخيرة.
في نهاية شارع صلاح الدين الشارع الرئيسي في مدينة القدس وعلى بعد سبعمئة متر من باب العمود المدخل الرئيسي للقدس القديمة، علقت لافتة كتب عليها بالفرنسية "مقبرة الملوك" المعروفة لدى المقدسيين بـ"قبور السلاطين".
وتظهر بقايا نقوش فوق مدخل المقبرة الذي يقود إلى درج صخري ضيق يؤدي إلى حجرات تحت الأرض، حجرات من المقابر الحجرية يتبعها سراديب تؤدي إلى قبور حجرية أخرى مثل الرفوف في المقبرة التي تحت الأرض، ويمتد الموقع على مساحة 250 مترا مربعا ويعود تاريخه إلى ألفي عام.
ويعتبر الموقع مثالا لافتا عن القبور العائدة للحقبة الرومانية، وهو من أكبر المقابر في المنطقة، لكن المكان لا يزال مغلقاً في الوقت الحالي، ويريد اليهود المتدينون السماح لهم بالصلاة بالموقع لاعتقادهم بأن إحدى الملكات المدفونات هناك اعتنقت اليهودية.
وعلى موقع "قبور السلاطين" رُفع العلم الفرنسي إذ تعود ملكية المكان لفرنسا. وتجري محادثات بين إسرائيل وفرنسا لإعادة فتح المكان.
وقال مسؤول الآثار في منطقة القدس في هيئة الآثار الإسرائيلية يوفال باروخ "نحن نتحدث على الأرجح عن معلم أثري من أهم المعالم الرائعة في القدس خارج المدينة القديمة".
ويرجع إغلاق هذا الموقع منذ 2010 إلى أعمال الترميم التي تقرب قيمتها من مليون يورو.
ويحمل موقع "قبور السلاطين" وضعا فريدا، فعلى الرغم من ملكيته الفرنسية لكن غالبا ما يتم ربط المواقع الأثرية في القدس الشرقية المحتلة ذات الأهمية الدينية بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويريد اليهود المتدينون السماح لهم بالصلاة بالموقع كما يطالبون بعدم المس بقدسية المكان من خلال الزيارات.
واحتلّت إسرائيل القدس الشرقية في 1967 وضمّتها ثم أعلنت المدينة بشطريها عاصمة "موحّدة وأبدية" لها في 1980، في قرارٍ لم يعترف به المجتمع الدولي بما فيه الولايات المتحدة حينها، لكن واشنطن اعترفت بتلك الخطوة في 2017، ويطالب الفلسطينيون بالقدس الشرقية عاصمة لدولتهم المنشودة.
وتجمع، الخميس، نحو 12 شخصا من اليهود المتشددين عند بوابة المقبرة لفترة وجيزة، للضغط من أجل إعادة فتحها حتى يتمكنوا من الصلاة هناك، وهم يصفونها بأنها "موقع دفن مقدس للأجداد القدماء".
وفي خطوة تنم عن تحد، توجه متدينون للمحكمة الحاخامية في إسرائيل التي تحكم في المسائل المتعلقة بالقانون اليهودي والمواقع المقدسة للوصول إلى المقبرة التي تملكها فرنسا.
وقالت راشيل شكرجي من محاكم الحاخامات الإسرائيلية إن الهيئات المعنية تتفادى النظر بالدعوى القضائية في الوقت الحالي بناء على طلب وزارة الخارجية الإسرائيلية، لكن هناك مناقشات بشأن استئنافها.
وتريد فرنسا ضمانات قبل إعادة فتح الموقع، بينها ما يضمن عدم مواجهتها تحديات قانونية، كذلك تطلب التزامات بشأن كيفية إدارة الزيارات.
ورفض المسؤولون الفرنسيون التعليق، في حين قالت وزارة الخارجية الإسرائيلية إن المفاوضات مستمرة، من دون مزيد من التوضيحات.
وتشعر كلتا الدولتين بالقلق من إمكانية أن يتحول موقعا اثريا الى موقع ديني بعد إعادة فتحه.
وتطرق جان باتيست أومبير، عالم الآثار الفرنسي الذي قام بحفريات عند القبر حديثا، إلى تاريخ الموقع وكيف آلت الملكية لفرنسا.
ويقول إن أولى الحفريات الأثرية الكبيرة حصلت في الأراضي المقدسة خلال سيطرة الإمبراطورية العثمانية على المنطقة، وتولى الفرنسي فيليسيان دو سولسي المشروع في عام 1863 وسعى لتأكيد أن هذا الموقع يضم قبور ملوك مثل داود وسليمان المذكورين في الكتاب المقدس، واستبعدت هذه النظرية، لكن بقي اسم المقبرة مقبرة الملوك باللغات الأجنبية في حين أطلق عليها "مقبرة السلاطين" بالعربية.
وعثر على توابيت عدة في داخل المقبرة باتت موجودة في متحف اللوفر في باريس، بما في ذلك نقش آرامي.
وتشير النظرية الأكثر قبولاً إلى أنها للملكة هيلينا من أديابيني في كردستان العراق اليوم، وربما تكون قد بنت القبر لسلالتها. ويعتقد أنها قد تحولت إلى اليهودية وربما دفن رفاتها هناك.
سواء كان هذا صحيحا أم لا يعتقد أن الموقع قد أعيد استخدامه على مر السنين، بعد أعمال التنقيب التي قام بها دو سولسي، تم شراء المقبرة من قبل الأخوة بيرير، وهي عائلة مصرفية يهودية في باريس قامت بتسليم ملكية المكان إلى فرنسا.
وبالنسبة إلى علم الآثار الفرنسي أومبير، فإن "عظمة الموقع وعوامل أخرى تعني أنه لم يكن من الممكن بناؤه لسلالة هيلينا، إنه يفترض أنه قد بني من قبل هيرودوس أغريباس الأول، حفيد هيرودوس الأول" مضيفا "أنه قبر كبير جدا بالنسبة للملكة هيلينا".
أما يوفال باروخ من الآثار الإسرائيلية فيقول: "ينبغي إعادة فتح الموقع وعودة التوابيت من باريس. وأن يبقى كموقع ثقافي أثري، وبالطبع إذا أراد أي شخص الذهاب إلى هناك والصلاة فيمكنه القيام بذلك".
aXA6IDE4LjIyNi4yMjIuMTMyIA== جزيرة ام اند امز