منتدى تريندز حول الإسلام السياسي يرسم خريطة طريق شاملة لمواجهة التطرف

أكد خبراء وباحثون في المنتدى السنوي الخامس لمركز تريندز للبحوث والاستشارات حول الإسلام السياسي أن مواجهة التطرّف تتطلب مقاربات شمولية متعددة المستويات، لا تقتصر على الحلول الأمنية وحدها، بل تشمل الأبعاد الفكرية والاجتماعية والثقافية.
وأوصى المنتدى الذي انعقد تحت عنوان "مشتركات العنف: مقاربات حديثة لأنماط التطرّف المؤدلج"، وشهد الإعلان عن فوز جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بجائزة تريندز العالمية لمكافحة الفكر المتطرف في دورتها الأولى، بضرورة الفصل بين المظالم الحقيقية والاستغلال الأيديولوجي لها، وفتح مسارات مدنية بديلة تمنح الشباب فرصاً للقيادة والابتكار، إلى جانب حماية المؤسسات التعليمية من التدين الحركي عبر تدريس مهارات التفكير النقدي وتفكيك السرديات التي تبرر العنف.
وركز المنتدى الذي عقد تحت شعار “معاً نجابه التطرف بالمعرفة” في فندق فيرمونت باب البحر بأبوظبي، عدد من كبار المسؤولين، و بمشاركة واسعة من مسؤولين وخبراء وأكاديميين من الإمارات، والسعودية، والولايات المتحدة، وكندا، وفرنسا، وإيطاليا، والهند، وإندونيسيا، والبرتغال، وبولندا، ومصر، والأردن، وطلاب الجامعات ، على بؤرة البحث على القواسم المشتركة التي تجمع بين أنواع التطرف المؤدلج، وغالباً ما يؤدي هذا الانشغال المفرط بالفروقات إلى حصر فهم الظاهرة في مقاربات ضيقة تقود إلى حلول بعيدة عن النجاعة.
وشدد المشاركون على أهمية تعزيز التماسك الاجتماعي كجدار حماية ضد خطابات الكراهية، ووضع أطر تشريعية واضحة للفصل بين النشاط الديني والعمل السياسي، ومنع استخدام الدين لتحقيق مكاسب سياسية. وأكدوا أن اللجوء إلى العنف مرفوض في أي نظام ديمقراطي أو دستوري. كما ناقش المنتدى دور الفضاء الرقمي، داعياً إلى التصدي للمحتوى المتطرف على الإنترنت عبر التعاون بين الحكومات والمجتمع المدني وشركات التكنولوجيا، وإطلاق حملات توعية رقمية تعزز قيم التعددية والمواطنة وتواجه الدعاية المتطرفة بخطاب بديل.
وأكد المشاركون محاسبة جميع الجهات التي تمارس العنف المؤدلج، دولاً كانت أو تنظيمات، وفق القانون الدولي، لكسر دائرة الإفلات من العقاب التي تغذي الإرهاب. وخلص المنتدى إلى أن بناء مجتمعات قوية قادرة على إفشال الدعاية المتطرفة، وتطوير ميثاق للمنابر والعمل الخيري، وإنشاء شبكات إنذار مبكر لرصد الخطاب المتشدد، إلى جانب برامج إعادة تأهيل للمتطرفين السابقين، يمثل ركائز أساسية لمكافحة الإرهاب الفكري، وصون القيم الإنسانية القائمة على الانتماء والعدالة والكرامة.
وتناول المنتدى، على مدار جلساته، قضايا محورية تتعلق بكيفية توظيف الدين في تأجيج الصراعات السياسية، والطرق التي تتبناها الجماعات المتطرفة في استقطاب الأفراد عبر أدوات الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي. كما ناقش دور الخطاب الديني المعتدل في تعزيز السلم المجتمعي، وأهمية بناء خطاب فكري بديل يعزز قيم التعايش والتسامح.
خرائط فكرية جديدة
في كلمته الافتتاحية للمنتدى، رحب الدكتور محمد عبدالله العلي، الرئيس التنفيذي لمركز تريندز للبحوث والاستشارات بالمشاركين، مؤكداً أن المنتدى يهدف إلى رسم خرائط فكرية جديدة تكشف التقاطعات الخفية بين تيارات متطرفة متنوعة، مثل الإسلاموية، واليمين المتطرف، واليسار الراديكالي.
وأشار الدكتور العلي إلى جماعة الإخوان المسلمين كنموذج يوضح قدرة الأيديولوجيا على الجمع بين الخطاب الدعوي والمشاريع العنيفة، مستفيدين من الثورة الرقمية لتجنيد المتابعين عبر المنصات الرقمية، محذراً من أن مواجهة التطرف تتطلب خريطة طريق عالمية تجمع الخبرات والتحالفات الفكرية والسياسية، تتجاوز تفكيك خطاب الكراهية إلى تفكيك الأوهام التي تمنح هذه الجماعات القدرة على استقطاب الأجيال الجديدة. وختم داعياً إلى جهد جماعي يدمج البحث الأكاديمي والسياسات العامة والتقنيات والإرادة السياسية لجعل المنتدى منصة لإطلاق سرديات التعايش والإنسانية بدل العنف الأيديولوجي.
البنية الفكرية والسلوكية للتطرف
في كلمته الرئيسية، أبرز الدكتور خليفة مبارك الظاهري، مدير جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية، أوجه التشابه بين جماعات الإسلام السياسي والتيارات المتطرفة الأخرى، مشيراً إلى أنها تشترك في بنية فكرية وسلوكية متطابقة تقوم على رؤية منغلقة تدعي امتلاك الحقيقة المطلقة، وتصنّف الآخرين كأعداء، مع تبجيل قائد مخلّص وسرديات تبرر الصراع النهائي.
وأوضح الظاهري أن هذه الحركات تشوه الواقع عبر خطاب مؤامراتي، وتوظف مفاهيم دينية وسياسية مغلوطة، وترفض البنى الوطنية، وتسعى للسيطرة أو الإطاحة بالدولة، مستخدمة التحالفات الانتهازية، والتشويه، والعنف، وتجنيد الأطفال، ما يعكس عدميتها واعتمادها العنف كوسيلة وحيدة.
توظيف الدين
أكد السير ليام فوكس، رئيس مجموعة الاتفاقات الإبراهيمية – المملكة المتحدة، أن مصطلح "المتطرفين الدينيين" غير دقيق، فهم ليسوا رجال دين، بل أشخاص يوظفون الدين لتحقيق أهداف سياسية وسلطوية. واستشهد فوكس بـ"مفارقة التسامح" لبوبر، وحذر من مخاطر التطرف في أوروبا نتيجة الصواب السياسي، مؤكداً أن السماح للتعصب بالانتشار جعل الغرب، خصوصاً بريطانيا، ملاذاً لجماعات، مثل الإخوان، الذين استغلوا المساجد للتحريض. واختتم بدعوة لمواجهتهم بصرامة، وفضح خطابهم أمام أتباعهم وتسميتهم بما هم عليه "متطرفون يوظفون الدين ولا يمثلون التدين".
كما طرحت السيناتورة نتالي جوليه، عضوة مجلس الشيوخ الفرنسي عن منطقة أورن (نورماندي)، في كلمة مماثلة فكرة أن العنف هو خيط مشترك بين الإسلام السياسي والحركات اليمينية المتطرفة، موضحة البعد المالي المشترك بينهم، مثل هياكل التمويل الغامضة، وإساءة استخدام المنظمات الخيرية والأصول المشفرة.
جائزة تريندز العالمية لمكافحة الفكر المتطرف
ومع انطلاق أعمال المنتدى، أعلن الكاتب والمفكّر البروفيسور رضوان السيّد، عضو المجلس العلمي والأكاديمي لـ"تريندز" ورئيس مجلس أمناء جائزة تريندز العالمية لمكافحة الفكر المتطرف، عن فوز جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية بالدورة الأولى من الجائزة تقديراً لجهودها الرائدة في ترسيخ قيم الوسطية والاعتدال، وتفكيك الخطابات المتشددة، وتعزيز أسس التعايش الإنساني المشترك.
وأشار البروفيسور رضوان السيّد إلى أنّ اختيار الجامعة يعكس إيمان الجائزة بالدور المحوري الذي تضطلع به المؤسسات الأكاديمية في بناء الحصانة الفكرية، وإعلاء قيم المواطنة والحوار والتسامح، باعتبارها خط الدفاع الأول في مواجهة التطرف، موضحاً أنّ الجامعة تمثل اليوم نموذجاً معرفياً عالمياً يجمع بين البحث والتعليم وخدمة المجتمع في التصدي للفكر المتطرف وتكريس ثقافة السلام.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAg جزيرة ام اند امز