رغم انتهاء اشتباكات المليشيات المتناحرة في العاصمة طرابلس إلا أن وقعها الثقيل نكأ جراح الليبيين ودق جرس إنذار من قادم الأيام وما تحمله.
فالاشتباكات التي دامت يومين ووصفت بـ"الأعنف" في عامين، تسببت في مقتل 32 شخصا وإصابة 159 آخرين، أغلبهم من المدنيين، إلى جانب تدمير عدد من المنازل والممتلكات والمباني السكنية والحكومية.
إلا أن الخسائر البشرية والمادية -رغم فداحتها- لم تكن وحدها ما أزاحت الاشتباكات الستار عنه، بل إن تناحر المليشيات سلط الضوء على أزمة غياب الثقة بين الأطراف الليبية، وخاصة بعد غياب الوسيط الأممي، بانتهاء ولاية المستشارة الأممية ستيفاني وليامز في 31 يوليو/تموز الماضي.
غياب الوسيط الأممي
وبحسب خبراء تحدثوا لـ"العين الإخبارية"، فإن غياب الوسيط الأممي بين أطراف النزاع الليبي، كان أحد أسباب جر العاصمة طرابلس إلى أتون حرب بين مليشيات تابعة ومؤيدة لكلا الحكومتين المتنازعتين على السلطة، محذرين من تجددها إن استمر غياب الحل السياسي لأزمة الحكومتين.
وكان مجلس النواب كلف في مارس/آذار الماضي، حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا، إلا أن رئيس حكومة الوحدة التي انتهت ولايتها عبد الحميد الدبيبة رفض تسليم السلطة، ما أفرز أزمة سياسية خانقة في البلاد.
تلك الأزمة حاولت البعثة الأممية في ليبيا التدخل لإنهائها، عبر حوار سياسي يجمع أطرافها؛ فأطلقت المستشارة الأممية السابقة ستيفاني ويليامز مبادرة تقضي بتشكيل لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة، للتوافق حول قاعدة دستورية تقود إلى انتخابات تجدد شرعية الأجسام السياسية الحالية.
لكن تلك المبادرة توقفت عند اختلاف أطرافها حول نقاط في تلك المسودة تتعلق بشروط الترشح للانتخابات الرئاسية المرتقبة، إلا أن ذلك الخلاف تزامن مع انتهاء المدة القانونية للمستشارة الأممية ستيفاني وليامز قبل أيام، مما ولد فجوة وخاصة وأنها كانت تدير ذلك الحوار بتكليف من الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس.
الانزلاق للحرب
وفي غياب ذلك الوسيط، انزلقت العاصمة الليبية طرابلس إلى "حرب" بين المليشيات المتناحرة والتي يؤيد بعضها حكومة باشاغا، فيما الأخرى تؤيد حكومة الدبيبة، مما دق جرس إنذار بشأن تجددها.
وإلى ذلك، قال المحلل السياسي الليبي الطاهر محمد علق في حديث لـ"العين الإخبارية" إن بلاده أسست بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 289 في 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1949 والذي قضى بمنح ليبيا استقلالها.
وأوضح المحلل الليبي، أن ذلك يعني أن "الأمم المتحدة عليها مسؤوليات تجاه الليبيين عليها الالتزام بها، ومنها حل الإشكاليات الواقعة بين أطرافها"، مشيرًا إلى أن "غياب الدور الأممي حاليا قد يعقد الأزمة إلى الأبد أو يؤخر مساعي حلحلتها".
المحلل الليبي أشار إلى أن الأزمة الليبية في الأساس أزمة ثقة بين جميع الأطراف المتصارعة، ما يجعل من وجود وسيط أممي يدير الحوارات بين تلك الأطراف "أمرًا ضروريًا".
وأشار إلى أن "تأخر اهتمام الأمم المتحدة بحل الأزمة الليبية زاد من حدتها، ما دفع البعض لمحاولة الحل عبر السلاح والعنف، وهو ما بدا واضحًا في اشتباكات طرابلس"، مشيرًا إلى أن تلك المحاولات ستهدد الأمن إن لم تحل الأزمة السياسية وتصبح الشرعية لدى أحد الأطراف أو عبر ائتلاف بينها يجعل امتلاك السلاح أمرًا حصريا على الدولة فقط.
فريسة الصراع
إلا أن المحلل الليبي، عبر عن أسفه لـ"وقوع مجلس الأمن والأمم المتحدة فريسة تصارع الدول دائمة العضوية فيه، وخلافهم حول تكليف شخصية لتمثيل الأمم المتحدة في إدارة الحوار لحل الأزمة الليبية"، مشيرا إلى أن "الخلاف الأممي الحاصل ألقى بظلاله على بلاده".
تطورات الأوضاع في العاصمة طرابلس أضاف إلى الأمم المتحدة عبئًا آخر إلى جانب توسطها بين الأطراف المتنازعة، بحسب أستاذ العلوم السياسية بالجامعات الليبية علام الزوي، الذي أشار إلى أن الوصول إلى الحل لم يعد الغاية الوحيدة، بل على الأمم المتحدة الآن ضمان تطبيقه في ظل التمترس الحالي وراء السلاح في طرابلس.
وتساءل عن ضمانة تطبيق اتفاق بين أطراف النزاع لكل منهم مليشيات تؤيدهم، مطالبًا الأمم المتحدة بإصدار قانون أممي واضح محدد قطعي لمعاقبة كل من يرفض الحل السياسي في حال توصلت له الأطراف الليبية، وعدم الاكتفاء بالبيانات الأممية التي وصفها بـ"الهزيلة".
وأشار إلى أن الأمم المتحدة "غير جادة في حل الأزمة الليبية؛ لأنها لو كانت كذلك لعاقبت المتسببين في عرقلة إجراء الانتخابات الماضية في 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي ".
وأكد أستاذ العلوم السياسية، أنه رغم أن الانتخابات التي تعثر إجراؤها كانت أحد مخرجات حوار أممي فيما عرف بـ"ملتقى الحوار السياسي الليبي"، إلا أن الأمم المتحدة لم تضع ضمانات لتطبيق ما تم الاتفاق عليه آنذاك.
ورغم أنه قال إن "خروقات" قد حدثت لإجهاض نتائج اتفاق ليبي برعاية أممية، إلا أنه قال إن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يقدموا على أي خطوة رادعة لكل تلك الأفعال، ما يعني أن أي حوار يأتي عبر الأمم المتحدة لن يكون المجتمع الدولي ضامنا لتطبيقه على أرض الواقع".