حسناً فعل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عندما دعا أطراف النزاع السوري إلى الالتزام بالهدنة لأنها قد تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلاد، انطلاقاً من أن الحل الواقعي والممكن الوحيد هو حل سياسي في نهاية المطاف.
هذه الخلاصة، وإن كانت تبدو بديهية، إلا أنها جاءت، هذه المرة، بعد سلسلة طويلة من المفاوضات الشاقة بين واشنطن وموسكو، الحليفين الأكبر لأطراف النزاع، والتي توجت بإعلان الاتفاق الأمريكي- الروسي الأخير في جنيف، وهي أيضاً محل إجماع لدى كل اللاعبين الإقليميين والدوليين، وتمت صياغتها من قبل في تفاهمات فيينا ومفاوضات «جنيف 1» و«جنيف 2» وقرارات الأمم المتحدة، حيث الكل يجمع على أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية، وبالتالي لا بديل عن التسوية السياسية.
لكن المشكلة تكمن في تفسير كل طرف لماهية الحل السياسي، والرهان على الظروف الميدانية لتغيير المعادلات القائمة واستثمارها في تحقيق مكاسب لصالحه. غير أن هذه الرهانات هي التي تسببت في إطالة أمد الأزمة، وإبقاء الجرح مفتوحاً على مزيد من نزيف الدم والقتل والخراب والتدمير الذي يدفع ثمنه السوريون الأبرياء.
قد يكون الاتفاق الأمريكي الروسي بالفعل الفرصة الأخيرة لوقف شلال الدم، لو التزمت كل أطراف الصراع، نظاماً ومعارضة، بالهدنة المقترحة، تمهيداً لإرساء أول خطوة على طريق الحل السياسي، بدفع الأطراف مجدداً إلى طاولة المفاوضات لبحث عملية الانتقال السياسي، وإتاحة المجال أمام عمل أمريكي - روسي مشترك للتخلص من المجموعات الإرهابية، وهي عملية ليست سهلة بعدما اتضح أن هناك فصائل غير «داعش» و«فتح الشام»، ومن بينها فصائل مؤثرة مثل «أحرار الشام» ترفض الالتزام بالهدنة، ناهيك عن أن فصائل «المعارضة المعتدلة» تأخذ موقفاً مشككاً من الاتفاق وآليات المراقبة والتنفيذ، وترى أنها لم تطلع على تفاصيله، وتطالب بضمانات لجهة التزام النظام وعدم خرقه للهدنة.
ما يعيب الاتفاق الأمريكي- الروسي أنه انحصر في الملف الأمني ولم يضع خطوطاً عريضة للتسوية السياسية المحتملة، ما يجعله هو نفسه بلا ضمانات، وبالتالي فهو قابل للنجاح والفشل، وربما تكون فرص فشله أكبر من نجاحه، لأنه قابل لأن يتهاوى إذا ما تراكمت الخروقات سواء من هذا الطرف أو ذاك. وبعيداً عن التفاصيل، فالاتفاق، رغم الجلسات الطويلة والشاقة، لم يتوصل إلى مقاربة لحل شامل يأخذ بالاعتبار تفاصيل العملية السياسية ومخرجات الحوار السوري السابقة، وحسم مصير الرئيس السوري بشار الأسد في النهاية، الأمر الذي ترك على أنه بيد السوريين أنفسهم، بعدما أصبحت خيوط اللعبة خارج أيديهم، وبالتالي فإن من يتحكم بخيوط اللعبة هما الراعيان الأمريكي والروسي، وهما مختلفان أصلاً حول هذه النقطة الجوهرية، كما هو معروف، ما يضفي مزيداً من التعقيد على إمكانية التوصل إلى التسوية المنشودة، اللهم إلا إذا كانت هناك تفاهمات لم يعلن عنها. فهناك خمس وثائق تم التوقيع عليها، لم يكشف النقاب عنها، لكن أشير إلى أن بعضها يتعلق بآليات التنفيذ والمراقبة ومعاقبة الطرف أو الأطراف التي تنتهك الهدنة. وفي كل الأحوال، لا مناص من القول إن هناك استحالة لإرضاء جميع الأطراف، وإن الاتفاق سيبقى في مهب الريح ما لم يكن هناك قرار أمريكي روسي حاسم بإنهاء الصراع حتى لو أدى ذلك إلى فرض الحل على كل الأطراف المتصارعة دون استثناء، بديلاً من استمرار القتل والدمار والخراب.
نقلًا عن صحيفة الخليج
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة