مذكرات ستولتنبرغ.. قمة 2018 كادت تُفني حلف الناتو

كشف ينس ستولتنبرغ، الأمين العام السابق لحلف الناتو، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اقترح استبعاد النرويج من الحلف، متهما
إياها بأنها لم تتحمل نصيبها العادل من الأعباء الدفاعية.
وجاء هذا التصريح في مذكراته المرتقبة "خلال رئاستي: قيادة الناتو في زمن الحرب"، التي توثق عقدًا من قيادته للحلف في مرحلة حرجة اتسمت بتحديات غير مسبوقة، وفقا لمجلة نيوزويك.
ستولتنبرغ، الذي أنهى مهامه في عام 2024، أوضح أنه خلال عام 2018 في الولاية الأولى لترامب، كان يخشى أن يشهد أحد اجتماعات الحلف انهياره الكامل. فمرحلة حكم ترامب، بحسب وصفه، مثّلت اختبارًا وجوديًا غير مسبوق لبنية الناتو.
لطالما وجّه ترامب انتقادات متكررة لأعضاء الحلف الأوروبيين بسبب عدم التزامهم بالإنفاق الدفاعي المستهدف عند 2% من الناتج المحلي الإجمالي، كما لوّح بعدم ضمان تدخل الولايات المتحدة في حال تعرض أحد الأعضاء لهجوم. هذه المواقف أثارت شكوكًا عميقة حول جدية التزام واشنطن بالحلف.
بدايات العلاقة مع ترامب
يقول ستولتنبرغ إنه سعى منذ البداية إلى إقامة علاقة عمل مستقرة مع ترامب بعد انتخابه عام 2016، رغم وصفه الناتو في حملته الانتخابية بأنه "منظمة متهالكة". وأشار إلى أن أول اتصال بينهما جرى في 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، حيث أكد ترامب حينها أنه "معجب كبير" بالناتو، قبل أن تتبدل لهجته تدريجيًا إلى العداء نتيجة استمرار الأوروبيين في التقاعس عن زيادة إنفاقهم الدفاعي.
وفي قمة 25 مايو/ أيار 2017، ازدادت المخاوف بعد أن لمح ترامب في اجتماع بالبيت الأبيض إلى أن واشنطن قد لا تلتزم بالدفاع عن بقية الأعضاء إذا تعرضوا لهجوم، ما أثار قلقًا بالغًا بشأن مستقبل الحلف.
تهديد للنرويج
يروي ستولتنبرغ أن ترامب تساءل في اجتماع بالبيت الأبيض قبل قمة 2018، عمّا إذا كان ينبغي طرد النرويج من الناتو لعدم بلوغها سقف إنفاق 2%. ونقل عنه قوله: "هل يمكن للنرويج أن تتبنى نموذجًا مشابهًا للسويد إذا لم تدفع؟"، في إشارة إلى وضع السويد آنذاك التي لم تكن قد انضمت بعد بشكل كامل إلى الحلف (قبل أن تصبح عضوًا رسميًا عام 2024).
ويضيف ستولتنبرغ أن خطاب ترامب في قمة 2018 كان الأكثر خطورة، حيث هدد صراحةً بسحب الدعم الأمريكي ما لم ترفع الدول الأوروبية ميزانياتها الدفاعية، وهو ما جعله يخشى أن "يتفكك الناتو"، فبدون المظلة الأمريكية، حسب تعبيره، تصبح معاهدة الحلف وضماناته الأمنية "قليلة القيمة".
وعقب القمة، سارع القادة الأوروبيون إلى التعهد بتسريع وتيرة زيادة إنفاقهم الدفاعي، الأمر الذي منح ستولتنبرغ "ارتياحًا لا يوصف"، وإن ظل التوتر قائمًا.
وكتب في مذكراته: "قد يكون هذا الاجتماع هو الذي يفنى فيه الناتو. لقد صمد الحلف 70 عامًا، لكن بعد 12 يوليو/ تموز 2018 لم يعد كما كان. حدث ذلك في عهدي."
على شفا الانسحاب الأمريكي
يكشف ستولتنبرغ أيضًا أن ترامب كان قريبًا من إعلان انسحاب الولايات المتحدة من الناتو مطلع 2019، إذ أُعدّت نسختان من خطاب حالة الاتحاد: الأولى تتضمن إعلان الانسحاب، والثانية تحصر التزام واشنطن بالدفاع عن الدول الملتزمة بالإنفاق الدفاعي المطلوب.
ولتفادي الأسوأ، قرر ستولتنبرغ مخاطبة ترامب عبر قناته الإعلامية المفضلة "فوكس نيوز"، حيث أثنى خلال مقابلة على دور الرئيس الأمريكي في دفع الحلفاء لزيادة الإنفاق. وما إن بُثّت المقابلة حتى غرد ترامب قائلاً: "لقد أكد ستولتنبرغ أن الناتو جمع أموالًا أكثر من أي وقت مضى بفضلي. هذا هو تقاسم الأعباء والوحدة". وهكذا، خلت كلمة ترامب من أي إشارة إلى الانسحاب.
ويقر ستولتنبرغ بأن تبني خطاب ترامب وفر له مكاسب سياسية داخلية، لكنه برر ذلك قائلاً: "إذا كان هذا هو الثمن للحفاظ على وحدة الناتو، فليكن."
دور هولندي حاسم
أشار ستولتنبرغ كذلك إلى الدور المهم لرئيس الوزراء الهولندي آنذاك مارك روته خلال قمة 2018، حين واجه ترامب مباشرةً مؤكداً أن الحلف أضاف 33 مليار دولار إلى ميزانياته الدفاعية خلال عام واحد بفضل ضغوطه. هذا الطرح لاقى صدى إيجابيًا لدى ترامب، حتى أنه أرسل ملاحظة بخط يده إلى ستولتنبرغ جاء فيها: "إذا قلت إن أعضاء الناتو زادوا إنفاقهم بفضلي، فسوف نتوصل إلى اتفاق."
ملفات فنلندا والسويد
تغوص المذكرات أيضًا في كواليس انضمام فنلندا والسويد. ففي قمة مدريد 2022، اعترض الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على عضوية السويد متهمًا إياها بإيواء مقاتلين أكراد. ومع طول النقاش، انفجر الرئيس الفنلندي ساولي نينيستو في وجه أردوغان قائلاً: "ما الذي تريده بالضبط؟"، قبل أن يتدخل ستولتنبرغ لإبقاء المفاوضات على مسارها.
وفي النهاية، انضمت فنلندا رسميًا في 4 أبريل/نيسان 2023، بينما انضمت السويد بعد نحو عام. وعلّق ستولتنبرغ: "فنلندا قادت، والسويد تبعت."
ويؤكد ستولتنبرغ أن الناتو خرج من تلك السنوات العاصفة أكثر صلابة، حيث تحول من تحالف يُنظر إليه على أنه فقد مبررات وجوده، إلى كيان استعاد غايته الاستراتيجية في عالم يزداد اضطرابًا. وكتب: "الدول لم تعد تنزع سلاحها. التوترات والحروب عادت. الناتو اليوم أكثر استعدادًا مما كان عليه منذ عقود."