الكونجرس يصارع ترامب لأخذ صلاحيات إدارة الأمن القومي
الكونجرس بات يشعر أن ترامب لا يسير بخطوات سريعة في تنفيذ ما كان مأمولا منه في ملفات تخص روسيا وكوريا الشمالية وإيران
تدور في كواليس دوائر الحكم بالولايات المتحدة معركة طاحنة حول من له الحق في تحديد خطوط الأمن القومي الأمريكي وإدارة ملفاته.
وظهرت أصداء لهذه المعركة في المواقف المتناقضة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبين الكونجرس فيما يتعلق بقطر وروسيا وإيران وتنظيم الإخوان الإرهابي على سبيل المثال.
ففي الوقت الذي تبدو فيه إدارة ترامب متحفزة ضد قطر وتنظيم الإخوان يظهر الكونجرس بشكل مرن ويسعى للتهدئة.
في المقابل، فإنه في الوقت الذي تتخذ إدارة ترامب موقفا مرنا أو هادئا من روسيا يتجه الكونجرس إلى موقف متشدد ومتحفز.
ومن فصول هذه المعركة قيام الكونجرس بوضع عقوبات جديدة على إيران وروسيا وكوريا الشمالية وإرسالها إلى ترامب، في خطوة تعني أنهم يسعون لأخذ صلاحيات التشريعات الخاصة بالأمن القومي من يد البيت الأبيض.
وجاء ذلك على خلفية غضب بعض النواب من تأخر ترامب في وضع مثل هذه العقوبات.
وتجلى ذلك في انتقادات وجهها السيناتور جون ماكين٬ الثلاثاء الماضي، إلى ترامب بالرغم من أنه من الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه الرئيس الأمريكي.
وقال ماكين إن ترامب لم يحقق نتائج تذكر خلال الشهور الستة الأولى من الحكم.
وأضاف في كلمه أمام أعضاء الكونجرس: "لم نحقق شيئا، ونحن لسنا مرؤوسين للرئيس ولكننا أنداد".
وبحسب مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية فإن نسبة كبيرة من النواب داخل الكونجرس يريدون اتخاذ مواقف أكثر صرامة فيما يخص تحديات الأمن القومي، ويرون أن إدارة ترامب ستلحق بإدارة سلفه أوباما في التباطؤ أو التهاون في هذا الأمر.
وازداد هذا الغضب بعد نجاح كل من كوريا الشمالية هذا الأسبوع في إطلاق صاروخ باليستي للمرة الثانية، وقادر على الوصول إلى الأراضي الأمريكية.
وكذلك إعلان إيران نجاحها في إطلاق صاروخ يمكن استخدامه في إطلاق أقمار صناعية للفضاء.
وفي التجارب الصاروخية السابقة لكل من كوريا الشمالية وإيران كانت إدارة ترامب تتوعد البلدين بعقوبات رادعة، ولكن تخرج الإجراءات في هذا الاتجاه بأقل ما يطمح إليه الكونجرس.
نتيجة لذلك، قام النواب بأخذ الأمور بأيديهم، وكتبوا لوائح وقوانين خاصة بعقوبات جديدة لمواجهة تلك التهديدات.
فعلى سبيل المثال وضعوا لائحة عقوبات مالية وتجارية خاصة بروسيا لمحاسبتها على ما يرونه تدخلا منها في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2016، بالإضافة إلى تدخلاتها في سوريا.
ولضمان نجاح إقرار وتطبيق هذه العقوبات عملوا على "تكتيف" أيدي إدارة ترامب عن استعمال الفيتو ضد قوانين العقوبات بالاعتماد على لجنة المراجعة الخاصة بالكونجرس التي تمنع أي محاولة لتخفيف أو منع هذه العقوبات.
لكن في المقابل، هناك ثمن كبير يجب دفعه النواب للحصول على مثل تلك الصلاحيات.
فهذه الإجراءات ستتصادم مع صلاحيات أبرز أدوات السياسة الخارجية غير العسكرية الخاصة بالولايات المتحدة، ألا وهي وزارة الخارجية ممثلة بوزيرها ريكس تيليرسون، الذي لديه معركته الخاصة مع ترامب.
وسينتج عن هذا التقويض المحتمل لصلاحيات وزارة الخارجية والمعارك الطاحنة بين أركان الحكم في الولايات المتحدة إضعاف لمنظومة السياسة الخارجية الأمريكية ككل.
وتوضح ذلك مجلة "فورين بوليسي" بقولها إن هناك عاملين أساسيين سيقوضان قدرة الولايات المتحدة على قيادة السياسة الدولية إذا ما استمر هذا الأمر.
الأول هو ثقل حركة الكونجرس في تنفيذ وإنفاذ العقوبات نتيجة مستوى البيروقراطية العالي في عملية اتخاذ القرار بداخله؛ وهو ما سيبطئ خروج لوائح العقوبات والقرارات التي يريد أن يسبق بها ترامب.
والعامل الثاني الذي أشارت إليه المجلة هو أن محاولات المفاوضة على العقوبات ستواجه مشكلة كبيرة بين المناصب في الإدارة الأمريكية.
فعلى سبيل المثال إذا ما أراد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين التفاوض بشأن العقوبات حال تطبيقها على بلاده فهل سيتفاوض حولها مع الرئيس الأمريكي أم مع الكونجرس.
وقد يدفع هذا الارتباك الأمور إلى تصعيد غير مسبوق.
وتحذر المجلة من أن التبعات على السياسة الخارجية لن تقف عند هذا الحد.
بل قد يعمد الكونجرس إلى تكرار هذا النهج مع التشريعات والسياسات الخاصة بالتحالفات الدولية أو قرارات الحروب والعمليات العسكرية الخارجية، والتي لن تتحمل الصدامات والصراعات بين أركان الحكم في الولايات المتحدة.
وترى المجلة أن المعركة في هذا الصدد طويلة ومعقدة التفاصيل، حيث لن تستلم الإدارة الحالية، أو ربما المستقبلية أيضا، لجعل أدواتها الدبلوماسية تحت رحمة البيروقراطية التشريعية الخاصة بالكونجرس.
ومن الناحية الأخرى، لن يقوم الكونجرس بالسماح للإدارة الأمريكية بعمل وتنفيذ سياسات رخوة تضر بالأمن القومي الأمريكي.
وتشير "فورين بوليسي" إلى أن تلك هي مجرد المعركة الأولى في الحرب بين الإدارة الأمريكية والكونجرس، حيث إن الإدارة ستحاول تحديد صلاحيات الكونجرس فيما يخص سياساتها الخارجية.
وفي المقابل سيقوم الكونجرس بمحاولة التدخل في جميع الخطوات التي تتخذها الإدارة الأمريكية في العقوبات تجاه روسيا وإيران وكوريا الشمالية، حيث قد تبدأ معارك داخل جلسات الاستماع.
وأقر الكونجرس الأمريكي بالفعل عقوبات جديدة على روسيا وإيران في الشهر الجاري، ويتوقع أن يقوم الكونجرس بالتصويت على عقوبات جديدة فيما يخص كوريا الشمالية.
وهذه العقوبات في انتظار توقيع ترامب الذي يملك حق استخدام الفيتو عليها.