هل يفتح ترامب باب الصراع مع إيران بعد داعش؟
مراقبون ومسؤولون يتوقعون صداما بين أمريكا وإيران بعد سقوط تنظيم داعش الإرهابي، مشيرين إلى بدء تصاعد المواجهات بينهما في سوريا.
فتحت القوات الأمريكية النيران 3 مرات على مليشيات تدعمها إيران في سوريا خلال الشهر الماضي فقط، وسط تصاعد التوترات التي تثير قلقا لدى مراقبين ومسؤولين سابقين بأن تتحول إلى نزاع متفاقم غير مخطط له.
ووقعت الاشتباكات الثلاث في التنف التي تلتقي فيها الحدود السورية والعراقية والأردنية، حيث يستقر 150 جنديا أمريكيا يدربون المقاتلين المحليين في الحرب ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، واقتربت منهم قافلات من مليشيات تقاتل لصالح الرئيس السوري بشار الأسد، قبل أن يرد الجيش الأمريكي بضربات جوية.
وقالت صحيفة "الجارديان" البريطانية إن القوى الزاحفة يبدو أنها مزيج من مليشيات سورية وشيعية عراقية يحتمل أنها كانت مصحوبة بقوات من الحرس الثوري الإيراني، الراعي الأكبر للمليشيات التي تدعمها إيران.
وأضافت الصحيفة أن الحرس الثوري الإيراني بالتأكيد لم يكن قلقا من إخفاء آثاره في سوريا بعد أن تم تصوير قائد فيلق القدس التابع لهم قائم سليماني مع مليشيات قريبة من هناك، فضلا عن إسقاط القوات الأمريكية لطائرة دون طيار بعد إلقائها قنبلة عليهم ليتبين أنها إيرانية الصنع.
وتوضح سلسلة الحوادث المتتالية كيف تصبح صحراء سوريا الشرقية ساحة مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران، وهي نقطة مواجهة محتملة أخرى بجانب اليمن، التي دعمت فيها واشنطن وطهران جانبين مختلفين خلال الحرب المستمرة منذ عامين، وكذلك الخليج العربي حول مضيق هرمز.
فالأربعاء الماضي، اقتربت سفينة تابعة للبحرية الإيرانية على مسافة 800 ياردة من أسطول أمريكي صغير يبحر عبر المضيق، وقامت بتوجيه أضواء ساطعة تجاه السفن الأمريكية ووجهت ضوء ليزر تجاه مروحية ترافق الأسطول، في مواجهة اعتبرها مسؤولون بالجيش الأمريكي أنها غير مهنية وخطيرة.
ورأت الصحيفة أنه رغم "فوضوية" الإدارة الجديدة بواشنطن من عدة نواح، إلا أنها متحدة على رغبة كبح النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط، لكن الآراء الداخلية تختلف بشكل رئيسي حول مدى القوة والمخاطرة اللازمين لتحقيق ذلك.
وأضافت الصحيفة أن الاتصالات الرفيعة التي أسسها الرئيس السابق باراك أوباما بين واشنطن وطهران تم قطعها، ومن داخل البيت الأبيض فإن الرئيس دونالد ترامب حافظ على خطابه الحماسي المعادي لإيران منذ حملته الانتخابية، فضلا عن أن زيارته الخارجية الأولى منذ توليه الرئاسة كانت في السعودية.
وأكد ترامب في خطاباته أن النفوذ الإيراني هو تهديد عالمي على درجة تنظيمي "داعش" و"القاعدة" الإرهابيين، حتى عندما وقع هجوم داعش في طهران قال الرئيس الأمريكي ضمنيا إن الحكومة الإيرانية يقع عليها اللوم في النهاية، "نشدد على أن الدول التي ترعى الإرهاب تقع ضحية للشر الذي يدعمونه".
ورغم عدم وفاء ترامب حتى الآن بإلغاء اتفاق إيران النووي بين إيران والست دول الكبرى، كما قال خلال حملته الانتخابية، إلا أنه يستمر في اتهام الإيرانيين بينما يدفع الجمهوريون في الكونجرس نحو عقوبات جديدة ستضيق الخناق على الاتفاق النووي المثير للجدل، وقد تعرضه في النهاية للإلغاء أو إعادة التفاوض.
وأعلنت إدارة ترامب أنها ما زالت تعيد النظر في سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران، لكن وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون أبلغ مجلس الشيوخ الأسبوع الماضي بأن واشنطن ستعمل على دعم عناصر داخل إيران سيقودون البلاد نحو انتقال سلمي للسلطة.
وتشير المواجهات المتصاعدة في سوريا والعراق إلى توجه أمريكا وإيران نحو تصادم وشيك، حيث إن التفاهم الضمني المبني على عدم الاعتداء المتبادل خلال الحملة ضد عدو مشترك، "داعش"، من المتوقع أن ينهار بمجرد سقوط التنظيم الإرهابي في الموصل العراقية والرقة السورية، وهي أكبر مدن يسيطر عليها الإرهابيين حاليا.
وقال المسؤول الأمريكي السابق والخبير الاستراتيجي ليان جولدنبرج إنه "بمجرد اختفاء داعش من على الخريطة، هذا التسامح الذي أظهرته المليشيات المدعومة من إيران والمجموعات التي تدعمها أمريكا تجاه بعضهما، سيكون في خطر الزوال، ويمكن وقتها رؤية كل شيء يخرج عن السيطرة بسرعة".
وأوضحت جينيفر كافاريلا -خبيرة النزاع في معهد "دراسات الحرب" الأمريكي- أن "الصورة الأكبر هي الحرب ما بعد داعش، حرب السيطرة على المجال الأمني بعد استعادة الموصل"، مشيرة إلى أن "إيران بالفعل تتجهز للمرحلة القادمة وبدأت في اتخاذ خطوات لتفوز المرحلة القادمة، أما الولايات المتحدة ما زالت تركز اهتمامها على داعش كما لو أنه الأولوية الاستراتيجة الوحيدة بالنسبة لها في المنطقة".
ويشكل قرار الولايات المتحدة بفتح جبهة جديدة لمواجهة "داعش" في جنوب شرق الصحراء السورية وإنشاء قاعدة لهم في التنف، تحديا أمام الطموحات الإيرانية للسيطرة على ممر بري آمن من الشرق للغرب يصل بين طهران ودمشق ولبنان، والذي يجب أن يمر بمعبر التنف البري بين العراق وسوريا.
ورأى نيكولاس هيراس خبير الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد، أن إيران ومليشياتها والأسد يعتزمون عدم السماح للولايات المتحدة بأن تكون حرة في كسب المزيد من الأراضي في صحراء سوريا".
وعزز الجيش الأمريكي موقعه الجديد في التنف بنشر نظام الصواريخ المتحرك "هيمراس"، لكن من غير الواضح إلى أي مدى تستطيع الولايات المتحدة الحفاظ على سيطرتها هناك، خاصة أن وزير الدفاع جيمس ماتيس أوضح أن أولوياته القصوى تتمثل في "داعش" وكوريا الشمالية، رغم محاولات بعض مسؤولي البيت الأبيض الضغط عليه لمواصلة الهجوم على المليشيات الإيرانية بعد سقوط "داعش".
ويثير ذلك مخاوف لدى المراقبين أن يتسبب غياب سياسة كاملة تجاه إيران في البيت الأبيض في قرارات تكتيكية على الأرض قد تؤدي إلى نزاع أوسع غير مقصود، حيث أشار جولدنبرج إلى أنه استنبط من حديثه مع بعض مسؤولي البيت الأبيض أن كل ما يحدث على الأرض بين الولايات المتحدة وإيران "ليس وراؤه أي مواد موضوعية أو مداولات".
aXA6IDMuMTQ3LjY1LjExMSA= جزيرة ام اند امز