في اتصالاته الأسبوع الماضي مع عدد من زعماء المنطقة بدا من الواضح جدا أن ترامب يدرك ما يقوم به مثلث الشر القطري الإيراني التركي
مثيرة إلى حد كبير تلك هي السياسة الأمريكية، لا سيما أن أجهزة الدولة تعلم تماما ما يدور حول العالم طوال الساعات الأربع والعشرين ليلا ونهارا، وما أشرنا إليه في المقال السابق عن توجهات أمير قطر تميم بن حمد الساعية لإقصاء الرئيس ترامب عن البيت الأبيض في الانتخابات القادمة 2020 كفيل بأن يدعو ترامب لرفض لقاء تميم في البيت الأبيض من الأصل، لكنها البراجماتية الأمريكية التقليدية وحساباتها غير الواضحة المعالم للكثيرين.
السؤال الأول والرئيسي الذي تطرحه الأحداث قبل هذا اللقاء كيف للرئيس ترامب أن يقابل تميم وهو يرى بأم عينيه العلاقات القطرية الإيرانية الداعمة للإرهاب والمعادية للسياسات الأمريكية وأيضا للمصالح الأمريكية؟
في اتصالاته الأسبوع الماضي مع عدد من زعماء المنطقة وفي مقدمتهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بدا من الواضح جدا أن ترامب يدرك ما يقوم به مثلث الشر القطري الإيراني التركي في حوض البحر الأبيض المتوسط، وتحديدا في ليبيا، وبدا كذلك أن هناك إرادة بعينها لإنهاء هذا المشهد العبثي، الذي أشار إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما أكد قيام أطراف بذاتها بنقل الإرهابيين من إدلب إلى ليبيا مباشرة.
يراهن القطريون أو بمعنى أدق القيادة القطرية الحاكمة على أمر واحد فقط، وهو الفوائض المالية التي أتاحت لهم الفرصة لتقديم عرض للجانب الأمريكي يتم بمقتضاه توسيع قاعدة العديد على حساب قطر وليس أمريكا، وينسى أو يتناسى هؤلاء أن واشنطن أكبر من أن يغرر بها من أجل حفنة دولارات
يكتب جوردن شاختل المحلل السياسي الأمريكي المتخصص في الشؤون الدولية عبر موقع "ديلي واير" الأمريكي أيضا الأيام القليلة الماضية عن إبعاد الدور الذي تلعبه قطر في دعم المتطرفين والإرهابيين ونقطة الالتقاء بين طهران والدوحة في دعم الإرهاب ومناصبة العداء لأمريكا.
ويشهد المحلل الأمريكي بأن الدوحة لا تنفك تستمر في الإساءة إلى جيرانها، والتدخل في شؤونهم، والتحريض على التمرد الإسلاموي الراديكالي في جميع أنحاء المنطقة.
يتساءل الرجل مندهشا: "كيف يمكن أن تكون قطر حليفا لأمريكا وعلى رأسها نظام يؤوي الإرهابيين الدوليين، لا سيما من جماعة الإخوان المسلمين الموصومة بالإرهاب في العديد من دول الشرق الأوسط، والمخضبة أيادي أفرادها بالدماء؟".
كما يستنكر "شاختل" استقبال ترامب لتميم الذي يفتح منابره الإعلامية الرئيسية للدعاة المناهضين للولايات المتحدة، ناهيك بتقديم بلاده المساعدات والدعم المنتظم للكيانات، التي أعلنتها الولايات المتحدة منظمات إرهابية، ذلك لأن مبدأ دعم الحركات الإسلامية يظل الأيديولوجية الأساسية لحكام قطر، وفق تعبير الكاتب.
يذهب تميم إلى واشنطن في توقيت قاتل بالنسبة إلى ترامب، حيث تضرب إيران بالنفوذ الأمريكي وبالرأي العام العالمي عرض الحائط، في الوقت الذي تسعى فيه إلى زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم، وجل هدفها الحصول على سلاح نووي في الأمد المنظور.
السؤال المزعج للأمريكيين: ما الإجراء الذي يجب اتخاذه مع قطر التي باتت الملاذ الاقتصادي الأكبر والأهم لإيران؟
في أبريل/نيسان الماضي، شهدت الدوحة لقاء فريدا من نوعه بين علي لاريجاني رئيس البرلمان الإيراني، ورئيس الوزراء القطري عبدالله بن ناصر بن خليفة آل ثاني، طالب الأول بإصدار تأشيرات وتراخيص إقامة للتجار الإيرانيين -وهو ما تم بالفعل- وصدرت تأشيرات لمجموعة من التجار الإيرانيين للدخول إلى قطر لمدة شهر، مع إمكانية تجديدها مرة أخرى كل 5 أشهر.
لاريجاني الصديق الصدوق لقطر يرى أن "أمن وتنمية قطر من أمن إيران وتنميتها"، وأن إيران تقف إلى جانب قطر وتساندها، وهو اعتراف رسمي بالمدى الذي وصلت إليه العلاقة بين الدولتين.
يدرك الأمريكيون اليوم أن قطر باتت تمثل بالنسبة إلى منظومة العقوبات المفروضة على إيران "كعب أخيل"، أي الجزء القادر على إصابة العقوبات بعطب كبير، لا سيما أن الميزان التجاري بين البلدين قد تضاعف 9 مرات الشهور الأخيرة. لقد عملت الدوحة منذ عام 2005 على تطوير علاقاتها الاقتصادية مع إيران، بتوقيع اتفاقية مع طهران وأنقرة للنقل المشترك، وتعمل قطر على تغذية هذه العلاقة خصوصاً في الوقت الذي تتشارك فيه الدولتان بحقل الشمال الغني بالغاز حيث يعد الأكبر في العالم.
إيران تخطط للمستقبل، وتحاول أن تقدم لقطر عروضا لا ترفض، من تقديمها للمساعدة في تنظيم كأس العالم لكرة القدم عام 2022، الأمر الذي يمكن أن يدر على الإيرانيين ذهبا من العملات الصعبة التي هي في أمس الحاجة إليها.. فهل يراقب الأمريكيون كل هذا ويصمتون؟
الشاهد أن أصواتا عديدة في الداخل الأمريكي قد علا صراخها الأيام الماضية وقبل لقاء تميم مع ترامب، وجميعها يتساءل: هل حان وقت تأديب قطر من قبل الرئيس الأمريكي؟
يراهن القطريون أو بمعنى أدق القيادة القطرية الحاكمة على أمر واحد فقط، وهو الفوائض المالية التي أتاحت لهم الفرصة لتقديم عرض للجانب الأمريكي يتم بمقتضاه توسيع قاعدة العديد على حساب قطر وليس أمريكا، وينسى أو يتناسى هؤلاء أن واشنطن أكبر من أن يغرر بها من أجل حفنة دولارات.
هنا يقول المراقبون إن لدى ترامب فرصة ذهبية لتعزيز مكانة أمريكا الدولية وتحسين حياة الملايين من الناس المعرضة للخطر من جراء تفاقم خطر الإرهاب الإيراني المزخوم قطريا بالأموال والمسارب الدبلوماسية.
ناهيك بالتأكيد على ضرورة فتح سجل قطر الشائن تجاه حقوق الإنسان، وسوء معاملة العمال؛ الأمر الذي لفتت إليه منظمة العمل الدولية.
أمريكا وترامب في اختبار في كل الأحوال، وإن غدا لناظره قريب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة