مع الترويج المتصاعد لزيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة، تتجلى ملامح واضحة لما يُعرف في علم السياسة والإعلام بـ التهيئة الإعلامية والسياسية.
وهي أداة شائعة تُستخدم عالميًا قبل الأحداث المفصلية، ليس فقط لخلق زخم، بل لتهيئة الرأي العام نفسيًا وتحليليًا. هذا الأسلوب ليس جديدًا، فقد رأيناه في محطات مفصلية عالمية.
فعلى سبيل المثال، قبل زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى لبنان في أعقاب انفجار مرفأ بيروت (2020)، سبقتها حملة إعلامية مكثفة رسمت صورة “المنقذ الأوروبي”، مما أدى إلى تفاعل شعبي كبير، رغم غياب نتائج ملموسة لاحقًا.
كذلك، استخدمت كوريا الجنوبية التهيئة ببراعة خلال اللقاء التاريخي بين الرئيس مون جاي-إن وزعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون (2018)، حيث لعب الإعلام دورًا في ترسيخ صورة اللقاء كـ”بداية سلام” رغم هشاشة الواقع.
كما شهدنا في الولايات المتحدة نفسها، كيف أن التهيئة الضخمة لقمم ترامب مع زعيم كوريا الشمالية عامي 2018 و2019 خلقت ترقبًا عالميًا وغطت على توترات داخلية، لكنها لم تُفضِ إلى اختراق سياسي فعلي.
إذاً، التهيئة ليست اختراعًا محليًا، بل نهج سياسي عالمي. لكنها تصبح مشكلة حين تتحول إلى فقاعة إعلامية لا ترتكز على وقائع أو نتائج منتظرة، بل تهدف فقط لصرف الانتباه أو تغليف الواقع بشعارات.
لذلك، فإن زيارة ترامب المقبلة يجب أن تُقرأ بهدوء. من حق الإعلام أن يروج، ومن واجب الجمهور أن يتفاعل، لكن الأهم أن يكون الرأي العام قادرًا على التمييز بين الزخم الطبيعي والتضخيم المبالغ فيه. التهيئة الناجحة لا تصنع الحدث فقط، بل تصنع الفهم، وتمنح المجتمع أدوات للتحليل والمتابعة.
وفي زمن تتسارع فيه الأحداث وتتشابك المصالح، تظل التهيئة الذكية والمهنية وسيلة لبناء وعي سياسي راقٍ، لا مجرد وسيلة لصناعة الانبهار المؤقت.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة