إنه من غير المنطقي فصل ما يجري في الولايات المتحدة الأمريكية عما يحصل في عالمنا العربي، لأن لدى واشنطن شراكات وتحالفات قوية على مستوى المنطقة..
ولا تزال أمريكا قادرة على تحقيق السلام أو صناعة الحروب إن أرادت، ولا مانع أن نهتم كعرب بشخص الرئيس الأمريكي القادم، لأن الأمر ذاته ينطبق حتى على القارة الأوروبية العجوز، على الرغم من كل التطور الحاصل فيها، واختلاط شعوبها عرقياً بالولايات المتحدة الأمريكية والمصير المشترك الذي يجمعهما.
ولعل عنوان المقال ينقلنا من العام إلى الخاص، فالمليشيات المسلحة الخارجة عن القانون في منطقتنا، مرتبطة كماً وكيفاً بإيران، ولدى طهران علاقة شائكة مع البيت الأبيض في واشنطن، بغض النظر عن ساكنه الحالي أو اللاحق، فضلاً عن سياسة خارجية لكلا البلدين، عجزت العقود الأخيرة الماضية عن إصلاحها.
وفي الحالة اليمنية، نُقل عن الرئيس الأمريكي السابق والمرشح الجمهوري الحالي دونالد ترامب قولٌ مقتضب، يذهب به بعيداً نحو مهمة عملية «حارس الازدهار» الرامية لإيقاف هجمات مليشيات الحوثي المدعومة إيرانياً ضد سفن مدنية وتجارية تعبر مضيق باب المندب أو تبحر قبالة سواحل اليمن.
ولدى ترامب مقاربة مباشرة كما يقول المقربون منه، حول نهج سيعتمده إزاء عمليات القرصنة الحوثية، ولن تدعم إدارة ترامب في حال فوزه، أسلوب الاكتفاء بالدفاع بدلاً من الهجوم، بل سيفتح رئيس أمريكا المحتمل بحسب مراقبين صفحةً جديدة، أساس بنودها يقوم على إيقاع خسارة كبيرة داخل صفوف مليشيات الحوثي، من خلال استهداف قادتها بالصف الأول، ونسف غرفة العمليات الموجودة في صنعاء المحتلة، والإجهاز على حياة كل من يساعد الحوثيين، سواءٌ كانوا ضباطاً في الحرس الثوري الإيراني أو مرتزقة لبنانيين ينتمون لمليشيات حزب الله، التي لا تخفي وجود عناصرها في اليمن.
وأما ملامح سياسة ترامب حيال العراق، فستتم ترجمتها من خلال عقوبات مالية وهجمات عسكرية ضخمة على مليشيات الحشد الشعبي، التي ينظر إليها ترامب، على أنها جزء رئيسي من مليشيات فيلق القدس الإيرانية، المعنية بتنظيم صفوف العرب المنتمين لخط الثورة الإيرانية في عدة بلدان عربية، كما يبدو أن تعامل ترامب مع حكومة بغداد، لن يكتسي رداء النعومة الذي تحبذه إدارة الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن.
وحيال فلسطين، لا يخفي ترامب دعمه القوي لإسرائيل في حربها ضد حماس وبقية المليشيات التي تتحالف معها، لكن مصادر ترجح انفتاح البيت الأبيض في حقبة ترامب الثانية على السلطة الفلسطينية، ونيته فتح خطوط مباشرة مع رئيسها محمود عباس، ودعم أنشطتها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإحياء نظرته للسلام الفلسطيني الإسرائيلي التي تم وصفها في فترة حكمه السابق بـ"صفقة القرن".
وسيجد ترامب نفسه محاطاً لربما بحلفاء أوروبيين أكثر وضوحاً في ظل صعود أحزاب اليمين الأوروبي، التي ترى ترامب عراباً لتوجهاتها، وإن كانت هناك تحفظات قد تمارسها بعض حكومات الدول الأوروبية، نتيجة مطالبات ترامب لأوروبا بالاعتماد على نفسها في مجالات الأمن و الدفاع، ومواجهة التحديات الأمنية التي أفرزها الصراع الروسي الأوكراني.
وبعض الأوروبيين لا يخفون حذرهم من نية ترامب إيقاف دوران عجلة الحرب بين كييف وموسكو، على حساب تثبيت حكم روسيا لمناطق سيطرتها في أوكرانيا، مثل شبه جزيرة القرم وغيرها، لكن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نفسه، أبدى استعداده للتعاون مع إدارة ترامب في حال فوزه لإحلال السلام والاستقرار والحوار مع الكرملين.
وخلاصة القول فيما يخص المليشيات وترامب إذا فاز، تأخذنا نحو معركة جديدة بين واشنطن وطهران، قد تتبلور بعدها لتشكل بمجملها رؤية ترامبية أكثر نضوجاً في التعاطي مع نظام إيران، فالمنطقة العربية الخليجية تعيش حالة استثنائية من خفض التوتر مع إيران على خلفية الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين في مارس/آذار ما قبل الماضي، وخلفية ترامب في عالم المال والأعمال ووعوده بتحسين الاقتصاد الأمريكي، قد تدفعه إلى التفكير بطريقة أكثر واقعية، من أجل تحقيق مكاسب التوازن والحوار والتنمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة