ثمة عامل داخلي يرجح كفة الرئيس الأسبق دونالد ترامب في العودة مجددًا إلى البيت الأبيض، حيث يتصدر هذه العوامل محاولة الاغتيال الفاشلة في ولاية بنسلفانيا.
حتمًا الداخل الأمريكي يؤثر في أي انتخابات رئاسية أمريكية، لكن في الوقت نفسه، هناك قضايا خارجية تمثل حجر الزاوية في ترجيح كفة مرشح من عدمه.
العلاقات الأمريكية - الصينية حاضرة على الدوام خلال فترات الدعاية الانتخابية للمرشحين. الصدام مع المارد الآسيوي يؤرق مضاجع الأمريكيين.
استراتيجية الأمن القومي الأمريكية تعترف بأن الصين هي الدولة الوحيدة التي تمتلك النية لإعادة تشكيل النظام الدولي، والقدرة الاقتصادية، والدبلوماسية، والعسكرية، والتكنولوجية للقيام بذلك.
تأخذ الإدارة على محمل الجد جهود بكين لتجاوز الولايات المتحدة في التكنولوجيا، وزيادة اعتماد العالم على سلاسل التوريد الصينية، وتصعيد العمليات العسكرية الإقليمية، والتقارب مع إيران وكوريا الشمالية وروسيا. لا يمكن التعاطي مع الحرب الروسية - الأوكرانية بمعزل عن المحاولات الأمريكية لترويض المارد الآسيوي.
استراتيجيات متفاوتة الأهداف
هناك فروق واضحة بين نهج الحزبين الديمقراطي والجمهوري في هذا السياق.
يميل الديمقراطيون إلى العمل مع الحلفاء والشركاء الدوليين لمواجهة التحدي الصيني. يفضلون بناء تحالفات متعددة الأطراف لتعزيز الضغط على بكين. يعطون أولوية أكبر لقضايا حقوق الإنسان، ويسعون لفرض عقوبات على المسؤولين الصينيين المتورطين في انتهاكات حقوقية. ويركزون على إيجاد توازن بين التنافس التجاري مع الصين وحماية الابتكار الأمريكي، ويميلون إلى تعزيز القوانين والسياسات التي تحمي التكنولوجيا والملكية الفكرية الأمريكية.
أضف إلى ذلك أنهم يرون أن التعاون مع الصين في قضايا عالمية مثل التغير المناخي يمكن أن يكون وسيلة لبناء علاقات إيجابية وتحقيق تقدم في القضايا البيئية.
في المقابل، يتبنى الجمهوريون نهجًا أكثر تشددًا ومواجهة مباشرة مع الصين. يركزون على التنافس الاقتصادي والاستراتيجي، وغالبًا ما يفضلون فرض تعريفات جمركية وعقوبات اقتصادية قوية.
يعطون أهمية أكبر لتعزيز القدرات العسكرية في منطقة المحيط الهادئ كوسيلة لردع التوسع الصيني وحماية مصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة. ينتهجون سياسات تجارية حمائية أكثر، بهدف تقليل العجز التجاري، وتشجيع الشركات الأمريكية على إعادة التصنيع إلى الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى أنهم يدعمون تعزيز الصناعة الأمريكية وتقليل الاعتماد على الصين في سلاسل التوريد، وذلك كجزء من استراتيجية أوسع للأمن القومي.
افتراضات واقعية
ما سبق يؤشر إلى أن المزاج الأمريكي يتماهى مع استراتيجيات الديمقراطيين في هذا الملف تحديدًا، سيما وأن تبني النهج المتشدد قد يفضي إلى خروج المواجهة عن السيطرة.
بصرف النظر عن المنافسة بين الحزبين، فإنها فرصة مواتية للإجابة عن سؤال الساعة داخل دوائر صناعة القرار الأمريكية: ماذا تريد واشنطن من بكين؟ مستشار الأمن القومي الأمريكي، جيك سوليفان، استند في خطاب ألقاه مطلع العام إلى افتراضات واقعية حول قدرة الولايات المتحدة على تشكيل النظام السياسي في الصين.
ركز على الأهداف الأمريكية طويلة الأمد المتمثلة في الحفاظ على منطقة الهندي-باسيفيكي خالية من الهيمنة، كما تسعى إلى إعادة إحياء مصادر القوة الأمريكية من خلال الاستثمار في الداخل والتوافق مع الحلفاء والشركاء في الخارج.
من ذلك الأساس، يمكن للولايات المتحدة أن تنافس بقوة عن طريق إحباط الأنشطة الصينية التي تقوض المصالح الأمريكية وبناء تحالف من القوى التي ستساعد الولايات المتحدة في تأمين أولوياتها، كل ذلك مع إدارة مخاطر التصعيد.
الافتراضات الواقعية التي يسوقها سوليفان تتوافق مع رغبات الجمهور الأمريكي. وفقًا لاستطلاعات رأي أجراها "Foreign Policy for America"، يرى 87% من الديمقراطيين و68% من الجمهوريين أنه ينبغي على قادة الولايات المتحدة تجنب النزاع العسكري، وأن 21% منهم يعدون الصين "عدوًا"؛ بينما يعتبر 76% أنها "منافس".
التشدد تجاه بكين يعزز اعتناق القيادة الصينية سياسات أكثر انفتاحًا مع الدول المناوئة للسياسات الأمريكية. هذا بجانب المخاطر المترتبة على الصدام بين القوتين العظميين، حيث تتفاقم النزاعات الإقليمية في بحر الصين الجنوبي وتايوان، ما يزيد من احتمالية اندلاع صراع مسلح يمكن أن يشمل حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.
التوترات قد تدفع الدول الآسيوية إلى اتخاذ مواقف أكثر حدة، إما بالانحياز إلى الولايات المتحدة وإما الصين. وحدوث اضطرابات كبيرة في التجارة العالمية، وعرقلة سلاسل التوريد العالمية، ما يؤثر على توفر المنتجات والمواد الخام ويزيد من تكاليف الإنتاج.
وزيادة في الهجمات السيبرانية بين البلدين، ما قد يؤثر على البنية التحتية الحيوية والمؤسسات المالية والحكومية. زيادة النشاطات الاستخباراتية الإلكترونية يمكن أن تؤدي إلى سرقة البيانات الحساسة.
إضافة إلى تقويض فاعلية المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية. الخلافات بين القوتين يمكن أن تؤدي إلى تعطيل التعاون في القضايا الدولية الهامة مثل مكافحة التغير المناخي والأمن الصحي العالمي.
بيت القصيد.. تبني واشنطن وبكين استراتيجية «إدارة المنافسة» بدلاً من المواجهة يعزز من فرص التعاون في القضايا العالمية الأكثر إلحاحًا، مثل التغير المناخي والأمن السيبراني، ويساعد على تخفيف حدة التوترات العسكرية خاصة في منطقة آسيا الوسطى، ويحافظ على استقرار الأسواق العالمية، التي عانت الأمرين على مدار السنوات الأخيرة نتيجة جائحة كوفيد-19 والحرب الروسية - الأوكرانية.
• كاتب صحفي مصري
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة