استكمالا لمتابعة إعلام جماعة الإخوان التقليدي وعلى شبكات التواصل تجاه مصر والموجه من خارجها، سواء قام به أعضاء منتمون للجماعة أو "ملتحقة" بها من تيارات أخرى، خلال الأسابيع الأخيرة، وبصورة أعم منذ العدوان الإسرائيلي الدموي على غزة..
نلاحظ وجود عدة ملامح جوهرية بارزة على أدائه والقائمين عليه، بعضها جديد وبعضها الآخر امتداد لخصائص لصيقة به وجزء منه منذ انطلاقه قبل أكثر من عشر سنوات.
والأبرز في تطور هذا الإعلام الإخواني خلال شهور العدوان التسعة المنصرمة، هو استمرار تركيزه المتواصل دون انقطاع منذ انطلاقه، على مواقفه المعروفة من مصر والحكم فيها وما يتعلق بها من شؤون وتطورات.
فالعدوان الإسرائيلي الدموي على غزة ودخوله شهره العاشر، بكل ما رافقه من مآسٍ وتدمير غير مسبوق للقطاع وقتل وجرح لعشرات الآلاف من المدنيين بما يصل لحد الإبادة الجماعية، وغير هذا من مظاهر عدوان لم يتم مثله من قبل على الشعب الفلسطيني خلال 75 عاماً، والتطورات والتغيرات الكبرى التي لحقت بالقضية الفلسطينية والوضع الإسرائيلي حول العالم دولياً وأممياً، كل هذا لم يضع في ذلك العدوان في قائمة أولويات إعلام الإخوان سوى في مرتبة متأخرة للغاية.
فقد ظل هذا الإعلام، بكل وسائله التقليدية والإلكترونية، محافظاً دون تغيير يذكر على أهدافه المستمرة منذ نشأته، وهي السعي لتأليب المصريين على نظام حكمهم، والتوهم الذي وضح أنه اقترب من الهذيان المرضي بقرب إسقاطه وعودة حكم الجماعة، والاستخدام التقليدي، والسابق لنا تحليله في عدة مقالات في هذه المساحة، لكل الأدوات والوسائل التي تندرج ضمن الدعاية السوداء وما يطلق عليه عالم العلوم السياسية الكبير حامد ربيع «التسميم السياسي»، والتي يأتي ضمنها المغالطة والمبالغة والاصطناع والأكاذيب وغيرها، مما يخرج هذا الإعلام بصورة شبه نهائية من كونه «إعلاماً» ليصبح دعاية وتسميماً مفرطين في بدائيتهما ومباشرتهما إلى الحد الذي لا تخطئه عين المتابع العام.
خالف هذا الإعلام الإخواني والقائمون عليه، تقديماً وبثاً وإعداداً وإنفاقاً، كل ما سعت الجماعة لترويجه زوراً لأكثر من ثلاثة أرباع القرن من أن القضية الفلسطينية بالنسبة لها هي المركزية بين كل قضايا الأمتين العربية والإسلامية، وأن الجماعة وأعضاءها وحلفاءها الأكثر عطاءً لها وتضحية من أجلها من الجميع، وأنها تضعها في مقدمة كل القضايا والاهتمامات بكل أنواعها.
نجح الإعلام الإخواني بصورة باهرة في تأكيد مدى تركيزه ووراءه الجماعة على «السلطة والحكم» في مصر، وبذل أكثر من 90% من مساحات وأوقات البث والنشر طوال شهور الحرب التسعة، للسعي المرضي للوصول لهذا الهدف، وليس للوقوف مع الشعب الفلسطيني ومساندته في مواجهة هذه الظروف غير المسبوقة منذ نكبته عام 1948.
وحظيت مأساة غزة وأهلها فقط طوال هذه الشهور بفقرة صغيرة هنا أو تدوينة عابرة هناك أو تعليق هزيل في موضع ثالث، بينما استمر التركيز الهيستري على مصر وأحوالها هو الوظيفة الوحيدة لإعلام الإخوان، وكأن شيئاً لم يحدث في فلسطين ولا في المنطقة ولا في العالم منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وحتى في تغطيته المتهافتة للعدوان الإسرائيلي الدموي على غزة، واصل إعلام الإخوان منهجي «الدعاية السوداء» و«التسميم السياسي» إزاء مصر وتوجهاتها ومواقفها نحوه. فقد تفنن بكل أدوات هذين المنهجين من تدليس وكذب وإخفاء وتلوين، من أجل تشويه مواقف مصر وجهودها الهائلة، التي لم تكن فقط شديدة الحسم ناصعة الوضوح منذ لحظات العدوان الأولى، بل وغيرت وقادت عديداً من التطورات الرئيسية الإيجابية لصالح القضية الفلسطينية على مستوى العالم والإقليم، فضلاً عما تصدرته من جهود إنسانية وإغاثية لمساعدة أبناء غزة في محنتهم المأساوية.
لقد أثبت إعلام الإخوان طوال هذه الشهور التسعة الماضية أنه لا يزال يحتفظ بكل خصائصه اللصيقة به والمكونة له وبكل وساوسه وأدائه لنحو 11 عاماً، والذي وكما ذكرنا في مقال سابق قبل عدة أشهر، أنه يعبر عن إشكالية نفسية كبيرة وخطيرة تتعلق بإدراك هذا الإعلام لما يجري في مصر، والآن لما يجري في الإقليم والعالم، وأن الإدراك المغلوط والزائف له حول مصر وما بها وما ينتظرها، لم يتغير مطلقاً طوال هذه الفترة وظل محتفظاً بكل خصائصه التي تكاد تحوله إلى ظاهرة مرضية محل التعامل الطبيعي معها هو علوم الأمراض العصبية والنفسية والمتخصصين فيها، وليس علوم الإعلام والاتصال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة