لا تعمل الأسواق المالية على تحديد الأسعار في ظل الأوضاع الحالية فحسب، بل في ضوء قراءتها للمستقبل أيضا.
لا تعمل الأسواق المالية على تحديد الأسعار في ظل الأوضاع الحالية فحسب، بل في ضوء قراءتها للمستقبل أيضا. ولذلك فهذه الأسواق تتطلع دائما لمعرفة ما سيحدث في المستقبل. وفي أيامنا هذه تجدها شغوفة لسماع أدق التفاصيل عما يعرف بأجندة السياسات الداعمة للنمو التي سينتهجها الرئيس المنتخب دونالد ترامب. ومن دون الدخول في تفاصيل، فالحشود الجماهيرية المؤيدة للرئيس المنتخب في حاجة إلى الوقود السياسي.
فبعد النجاح المفاجئ لترامب في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بدا وكأن الأسواق قد تقبلت إمكانية الزيادة الضئيلة في إجمالي الناتج المحلي الناتجة عن ارتفاع معدلات النمو وكذلك التضخم الكبير. فقد ارتفعت الأسهم ومعها ارتفعت قيمة الدولار الأميركي، وزادت معدلات الفائدة البنكية، مما يشير إلى أن الإدارة الجديدة ستعمل على رفع القيود والقيام بإصلاحات ضريبية وإنفاق المزيد على البنية التحتية. ومما ضخم من تغيرات السوق كان ظهور بعض المؤشرات، للمرة الأولى منذ عام 2011 بأن الكونغرس سيعمل على التشريع لمبادرات رئاسية سياسية بدلا من منعها. وما ساعد على ذلك هو هدوء الأوضاع نسبيا في بقية دول العالم. فقد جاءت تطورات السباق المؤيدة لترامب على غرار ما ورد بالكتب المدرسية بأن جاءت ضمن نطاق فئة الأصول، حيث تسببت الحسابات المالية في نمو حالة الاحتشاد للسباق واتساعه داخليا (ومعها ارتفعت أسهم التكنولوجيا) وتطور السباق كذلك وسط الاقتصادات المتطورة (فقد تخلصت أوروبا من الفجوة التي نشأت بين الأسهم والسندات). والآن فإن حشد السباق الرئاسي يبحث عن دفعات أخرى للأمام، دفعة يتمنى الكثيرون أن يقدمها المؤتمر الصحافي الذي سيعقده ترامب الأربعاء المقبل.
وحسبما اتضح حتى الآن، فسوف ترتكز الأسئلة خلال المؤتمر الصحافي المشاكس على الموضوعات المرتبطة بروسيا، وبوكالات الاستخبارات، وتضارب المصالح التي تسبب فيها المشروعات الكبيرة التي يمتلكها ويديرها ترامب. كل ذلك لن يترك مساحة كبيرة لإثارة موضوعات تتعلق بتفاصيل إعلان السياسات التي تتوق الأسواق لسماعها مثل رفع القيود، والمستويات الجديدة المقترحة لضرائب الشركات، وغيرها من الإصلاحات الضريبية، وأيضا القوانين الجديدة التي تحكم استعادة أموال الشركات خارج البلاد، وزيادة الإنفاق على البنية التحتية. (عقد ترامب مؤتمرا صحافيا تناول فيه بعضا من هذه القضايا - المحرر)
ونظرا لأن تأثير البنوك لم يعد المحرك الأساسي للتقييم، فسوف تكون الأسواق معنية أكثر بما ستسمعه من الإدارة الجديدة ومن الكونغرس. ويأمل غالبية المستثمرين في رؤية تحول سريع من أسلوب الإعلان عن السياسات إلى رؤية تصميم مفصل وتنفيذ حقيقي يضع الكونغرس لبنته. فمن دون إشارات موثوقة ومشجعة إزاء هذا التحول، فسوف تجد الأسهم صعوبة كبيرة في الارتفاع، وسيكون من الصعب تصحيح التراجع الذي بلغ حتى الآن 30 بنطًا (نقطة أساس، أو وحدة قياس بنسبة واحد على مائة في المائة) بوزارات المالية في السنوات العشر الأخيرة، مما يتسبب في تضييق فجوة العائدات مع أوروبا أكثر وأكثر.
* نقلا عن الشرق الأوسط
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة