أحداث ساخنة تُضاف للأحداث المستمرة منذ سنوات تشهدها تونس.
تراوحت بين مناوشات مع محتجين وتصريحات لمسؤول حكومي حول استخدام لقاحات كورونا "منتهية الصلاحية"، سارعت السلطات بنفيها، محذرة من محاولات الزج بها لتصفية حسابات سياسية.
وعليه، يرى كثير من المحللين أن تونس حالياًّ تنتظر بيانات عديدة، أهمها بيان وطني يصدر من قاعدة الاتفاق السياسي، الذي يحقق رضا الشعب ويُسهم في رفع أي معاناة عنه.
من هنا نعود ونتساءل: هل تحققت المطالب الفئوية والشعبية بعد ثورة الياسمين، التي تُعد الأقل دموية والأكثر هدوءًا بين احتجاجات "الربيع" المشؤوم؟ وما الذي منع شعباً مثل الشعب التونسي من أن يحول احتجاجاته من كتلة بشرية خائفة ومضطهدة كما كانوا يَرَوْن إلى شعب يخرج من ثورته نحو أفق أفضل وأجمل؟
بعد سنوات من محاولة الإخوان الهيمنة على تونس، عبر "النهضة" التونسية، تأكد للجميع بأن الجماعة لا تستطيع العيش إلا في الظلام، وهي قناعة لم تصل إلى البعض للأسف إلا متأخراً، فقد شاهدنا كثيراً من الحملات والدعوات والمسيرات لتحرير البرلمان التونسي من ديكتاتورية الإخوان بلا جدوى، مما يُظهر الوضع كأنه حالة مرضية مستعصية على العلاج، لأن كل العوارض لا تزال تشير إلى أنها ستستمر حتى النهاية إذا لم يتم تطويقها من كل الجهات وبكل الأساليب.
فما فعله الإخوان في تونس لا يمكن شطبه من الحياة العامة والسياسية، ومحاولة ردم الهوة بين السلطة والشعب، وصولا إلى حكومات تقوم بواجباتها تجاه شعبها، غير موجودة، وصارت تونس تدفع ثمن سياسات حزب النهضة الإخواني، الذي يرتدي ثوبا مدنيا، فكيف سيتعايش التونسيون إذاً مع مغامرات "النهضة"؟، وهل تصلح تونس أصلا لحكم وهيمنة الإخوان؟
التقارب التونسي كحدثٍ وتحدٍ يبدو لي أنه قد صار أكثر صعوبة من ذي قبل، رغم وجود الحوار الوطني الحالي، الذي لا يشترط استقالة المشيشي، والذي يرى فيه البعض بوادر لانفراجة أزمة تونس، إلا أن ذلك غير ممكن في ظل الإقالات والقرارات المتعددة، والتجاذبات والصراعات الحزبية السياسية والفكرية، والتعارض في التوجهات والخلافات الرئاسية والبرلمانية.
فالرئيس التونسي، الذي يرى أن "هناك أطرافاً تسعى لاغتياله"، يقول إنه لا حوار مع مَن تعلقت به شبهات فساد، ولا مجال للتفريط في أموال الشعب التونسي، والحصانة لا يمكن أن تكون أداة لتجاوز القانون، والوضع في البلاد لا يمكن معالجته بالطرق التقليدية، كما يرى وجوب إدخال إصلاحات سياسية على القانون الانتخابي وبعض مواد الدستور، بعد أن أثبتت التجربة أن النظام الحالي أدى إلى الانقسام.
بينما "النهضة" الإخوانية تهاجم، وترى عدم تصديق الرئيس على قانون المحكمة الدستورية يمسها شخصيا، حيث ذكرت أن "عدم الختم يعد استمراراً لخرق الدستور، وتعطيلا لاستكمال بناء الهيئات الدستورية"، بينما زعيمها، راشد الغنوشي، يروّج بأنه "مهدد بالاغتيال"، في فصل درامي جديد يؤكد أن الرجل يهدف بذلك لـ"التمويه عن فساده".
كل ذلك يهدد بموجة اضطرابات جديدة لن تمر منها تونس بسلام، فهي المتأزمة سياسيًا واقتصاديًا وصحيًا واجتماعيًا، فضلا عن كونها إحدى الدول غير البعيدة عن منطقة الساحل الأفريقي، المتأثرة بالإرهاب.
ما يفعله "النهضة" اليوم لا يعبر عن محاولة استيلاء على الثورة فقط، وإنما تأسيس حزب يملك عقيدة وخلفيات فكرية مؤدلجة يرغب بها في الهيمنة الكاملة على تونس، مستنسخًا استنساخاً كاملًا لتجربة "حزب الله" في لبنان و"الحوثيين" في اليمن، فهل تدفع تونس ثمن معادلة حب الإخوان للسلطة وعدم التخلي عنها؟ وهل على تونس وشعبها الصبر على الوجود السياسي الإخواني بكل ترهلاته وفساده؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة