الغنوشي والأربع بنات.. أخطبوط إخواني يلتهم جيوب التونسيين
من عمولات أسلحة مرورًا بتسفير الشباب التونسي لبؤر التوتر إلى سندات التصدير والتوريد المشبوهة ومقايضة تحويلات المهاجرين بالعملة الصعبة، أساليب ملتوية اعتمدها زعيم حركة النهضة الإخوانية وعائلته، لتجميع ثرواتهم، من أفواه التونسيين.
فرغم راتبه الجامعي الزهيد الذي لا يتجاوز ألف دولار، فإن زعيم حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي بات وعائلته متربعين على عرش إمبراطورية عظمى.
فما دور عائلة الغنوشي في إفساد تونس؟
بفتياته الأربع، قاد الغنوشي طيلة السنوات العشر الماضية تنظيمًا مصغرًا بات الأكثر نفوذ سياسيا لا سيما مع دخول الصهر رفيق عبد السلام (زوج سمية الغنوشي)، على الخط.
ومن المال إلى السياسة كان دور بنات الغنوشي الثلاث، لا تخطئه العين؛ فتسنيم الغنوشي وهي ابنته الكبرى، لديها دكتوراه بريطانية في علم الاجتماع، وتنشط في حقل المجتمع المدني غامض التمويل.
وترأس تسنيم الغنوشي جمعية "الياسمين" المشبوهة التي أمضت سنة 2017، اتفاقية تمويل مع الحكومة التونسية، مكنتها من تلقي تمويلات بقيمة 200 ألف يورو من فرنسا، بحسب تصريحات سابقة للبرلمانية التونسية ليلى الشتاوي.
إلا أنها وقعت يوم الجمعة في شرك الأمن، بعد عثور السلطات التونسية على وثائق تمسّ الأمن القومي في البلاد، أثناء تفتيش منزلها.
وقالت مصادر مطلعة لـ"العين الإخبارية"، إنه تم العثور في منزل ابنة الغنوشي على مبالغ مالية من العملة التونسية تبلغ أكثر من 400 ألف دينار وآلاف الدولارات.
وأوضحت المصادر أنه تم حجز وثائق في غاية الخطورة تمس بالأمن القومي وتتعلق بقضية التآمر على أمن الدولة التي تم فتحها في منتصف شهر فبراير/شباط الماضي.
المصادر قالت إنه "بتفتيش منزل ابنة الغنوشي، تم العثور على مبالغ مالية بالعملة التونسية والأجنبية وأربعة حواسيب سلمت للشرطة الفنية لتحليلها إضافة لمخططات حول سياسة قطع المواد الغذائية وقائمة بباعة الجملة".
كما تم العثور في الشقة، على قائمة بمن سيجرى محاكمتهم بعد تنفيذ انقلاب على قيس سعيد، وعلى رأسهم وزيرة العدل ليلى جفال، وفق المصادر.
وأوقفت السلطات التونسية -كذلك- السائق الخاص لتسنيم الغنوشي، إضافة إلى منصف العمدوني الذي كان يعمل منذ مدة في منزل راشد الغنوشي.
سمية الغنوشي.. الأكثر خطورة
أما سمية الغنوشي ذات النفوذ الواسع؛ فهي حائزة على ماجستير في الفلسفة في جامعة لندن وباحثة في مدرسة الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن، ومتزوجة من رفيق عبد السلام وزير الخارجية التونسي الأسبق في حكومة الإخواني حمادي الجبالي.
وقد وصفت بالمرأة الأكثر خطورة من زوجة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي (ليلى الطرابلسي)، مما جعلها تسيطر على مفاصل الاقتصاد الوطني ودواليب الاستيراد والتصدير.
وتحدث ثامر بديدة رئيس حراك 25 يوليو عن كيفية تحول سمية الغنوشي من إنسانة عادية قبل 2011 إلى أغنى امرأة تونسية سنة 2020، فيما باتت ثروتها الآن تقدر بملايين الدولارات.
وأوضح بديدة أن سمية الغنوشي أسست شركة استيراد وتصدير بعد 2011 وعاثت في ميناء رادس (ضواحي العاصمة) فسادا، مشيرًا إلى أن الدولة منحتها صفقة استيراد الحليب في 2013 وقامت الحكومة حينها بإجبار مصنع متخصص في إنتاج الحليب على توقيف إنتاجه لمدة 4 أيام حتى تتمكن سمية الغنوشي من بيع أطنان الحليب المستورد قبل أن يفسد في مخازن ميناء رادس.
وأكد أن إدارة الجمارك منحتها سنة 2013 رخصة لاستيراد صفقة سيارات رباعية الدفع، رغم مرور 50 يوما على انتهاء آجال طلب العروض وتم إضافة شهادة طبية بـ50 يوما للملف من أجل قبوله، كما منحتها الدولة صفقة استيراد الخرفان الإسبانية كذلك سنة 2013.
وتابع: "كما منحتها الدولة صفقة استيراد أطنان من البطاطس الهولندية والتركية سنة 2019 كما أسست مجلة ميم"، مضيفًا: "كما نشطت في مجال تنظيم رحلات الحج والعمرة منذ سنة 2013".
انتصار الغنوشي.. قائدة التشويه
وبالنسبة لانتصار الغنوشي وهي ابنته الصغرى، محامية ومتزوجة من ضابط في الجيش الوطني التونسي متهم قبل 2011 في قضية براكة الساحل الشهيرة والمتمثلة في محاولة اغتيال الرئيس التونسي الراحل زين العابدين بن علي سنة 1991.
انتصار الغنوشي اتهمها النقابي الأمني ورئيس منظمة الأمن والمواطنة عصام الدردوري في تصريحات سابقة لـ"العين الاخبارية" بالتورط في جلب ضباط بريطانيين إلى تونس لتدريب المدونين الذين يشرفون اليوم على صفحات مدعومة لتشويه سمعة البعض".
ولأول مرة يذكر اسم انتصار الغنوشي ويخرج للضوء منذ الدور الذي لعبته في تكوين وتدريب مجموعة من المدونين وصناع المحتوى وإدارة المواقع والصفحات".
وبحسب الدردوري، فإن "انتصار أنشأت مركزا لهذا الغرض في العاصمة التونسية، وتكفلت بعملية التكوين والتدريب لعشرات الشباب، وقد كان لضباط من المخابرات البريطانية وعسكريين الدور في تكوين هذه العناصر".
ومنذ أن كشف عن اسم ابنة الغنوشي في برنامج عرض على إحدى القنوات، قبل أيام، "تحركت الصفحات الإخوانية المدعومة لتشن حملة شعواء ضدي وضد الصحفي سفيان بن فرحات وعدد من الأشخاص ممن انحازوا علنا للخط الوطني"، بحسب رئيس منظمة الأمن والمواطنة.
أما يسرى الغنوشي فقد كانت علاقاتها متشعبة ما دفع بإخوان تونس لتعيينها المتحدثة الرسمية الدولية باسم حركة النهضة، وعضوًا في لجنة العلاقات الخارجية التابعة لها.
معاذ الغنوشي.. الأخطر
أما معاذ الغنوشي هو أكبر الولدين (معاذ وبراء) وكان مدير مكتب والده في الحزب، ويرافقه في عدة زيارات خارجية وصادرة في حقه مذكرات جلب دولية لتورطه في جرائم متعددة؛ أبرزها تبييض الأموال والتآمر على أمن الدولة وتورطه في قضية تسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر.
ولم يتم الاستماع إليه في أي قضية نظرا لفراره خارج الوطن قبل أيام من إجراءات 25 يوليو/تموز 2021، بعد تفطنه لفقدان والده تلك القوة والنفوذ الذي كان يتمتع بها بعد 2011، وإثر تنامي التساؤلات حول ثروة الغنوشي المشبوهة والملف المالي للنهضة.
ووُصف معاذ الغنوشي بـ"رجل الكاش" مستندا في ذلك إلى أن أغلب المعاملات المالية أو كلها كانت تتم عن طريقه وعن طريق صهره رفيق عبد السلام .
صهر الغنوشي.. الصندوق الأسود
أما صهر الغنوشي، رفيق عبد السلام زوج ابنته سمية، فقد صعد مع راشد الغنوشي سياسيا منذ 2011، وكان بمثابة حامل أختام التمويلات المشوهة للإخوان.
ويعتبر عبدالسلام الصندوق الأسود في مملكة "المال والإرهاب" بتونس، وهو عضو مكتب النهضة السياسي، ووزير خارجية تونس في حكومة الترويكا الأولى من 2012 إلى 2014.
اسمه الحقيقي رفيق بوشلاكة، لكنه غير لقبه إلى عبدالسلام، ويعتبر أحد أكثر بيادق التنظيم الإخواني نفوذا، وذراعه التي تحرك علاقاته الخارجية وتشرف على تحصيل تمويلاته المشبوهة، عبر شبكة علاقاته الخارجية في بريطانيا وتركيا وأوروبا، منذ أن هرب من تونس في بداية التسعينيات حيث انتقل إلى الرباط في المغرب ثم إلى لندن في مطلع الألفية.
وبفضل تعيينه كوزير خارجية ساهم بصفة مباشرة في ملف تسفير الإرهابيين إلى بؤر التوتر بتسهيل كل الأمور من إمضاء على وثائق ومد بأموال.
ورفيق عبد السلام متورط في نهب منحة صينية، وقيمتها مليون دولار، إثر تحويلها مباشرة إلى حسابه البنكي الخاص حينما كان وزيرا الخارجية، بحسب مصادر خاصة لـ"العين الإخبارية".
طبخات فاسدة
وقال حسن التميمي المحلل السياسي التونسي ان راشد الغنوشي لديه ولدان وأربع بنات، كان لهم تأثير ونشاط في صلب حركة النهضة، وفي تسيير شؤون الدولة طيلة العشر سنوات الأخيرة.
وأوضح المحلل السياسي التونسي، في حديث لـ"العين الاخبارية" أنه كانت لعائلة الغنوشي أدوار كبيرة في إعداد الطبخات السياسية؛ فابنه معاذ كان لا يظهر في الأضواء، لكنه كان مشاركا محوريا في كل الطبخات السياسية التي عرفتها تونس من تعيينات وتحالفات ومخططات".
وتابع: "أما البنات فقد كن أصابع الإخطبوط الإخواني الذي طوق أعناق التونسيين؛ فقد عين كل واحدة منهن في ملفات قوية، فسمية وزوجها اهتما بالملف الإعلامي والاقتصادي، وكانا مهتمين بتشويه الخصوم وبالتغلغل في مفاصل الاقتصاد التونسي عبر صفقات مشبوهة".
وأضاف: "حرص الغنوشي على بلوغ بناته مراتب متقدمة في العلم؛ لأنه كان يعول على أدوارهن في التموضع داخل تنظيم الإخوان الإرهابي حيث كان لأصهاره وأبنائه وبناته مناصب متقدمة في التنظيم لم يتمتع بها أي قيادي إخواني آخر".
وأشار إلى أن أبناء الغنوشي صدرت في حقهم بطاقات استدعاء، بعد التأكد من جرائمهم، مؤكدًا أنهم فارون الآن من تونس ويعيشون خارج البلاد بأموال طائلة حصدوها عن طريق نهب أموال التونسيين.
وفي 20 أبريل/نيسان الماضي، أمر قاضي تحقيق تونسي بسجن زعيم حزب النهضة المعارض راشد الغنوشي، للاشتباه في تآمره على أمن الدولة الداخلي بعد ساعات من التحقيق معه وعدد من قيادات حزبه.
وكانت الشرطة التونسية اعتقلت الغنوشي من داخل منزله بتونس العاصمة، تنفيذا لمذكرة توقيف صادرة عن النيابة العامة، بعد ظهوره في مقطع فيديو وهو يهدّد بإشعال حرب أهلية في صورة إقصاء النهضة واستبعاد الإسلام السياسي، ويصف مساندي الرئيس قيس سعيد بـ"الإرهابيين والاستئصاليين"، خلال اجتماع لجبهة الخلاص الموالية للإخوان كما تم إيقاف 3 من قيادات حركة النهضة.