تركيا اليوم تتلقى الكثير من الضربات التي ستقود إلى تحجيم النفوذ التركي في القارة الأفريقية.
تنظر تركيا للقارة الأفريقية بأنها تشكل أهمية استراتيجية كبيرة، بالنظر لما قاله أحمد داود أوغلو في كتابه "العمق الاستراتيجي، الذي صدر عام 2001" قبل أن يكون وزيرا للخارجية التركية ورئيسا للوزراء، ففي حديثه عن الانفتاح على أفريقيا وقياس قوة الدول وثقلها على الساحة الدولية، أكد أنه من المهم لتركيا أن تغير وجهة نظرها تجاه المناطق التي لم تهتم بها بشكل كاف، إذا أرادت ألا تبقى في ذيل الركب، وفي مقدمة هذه المناطق (أفريقيا)، وأضاف: على تركيا التي تبدي اهتماماً بتعزيز تأثيرها الدولي أن تهتم بمناطق المنافسة الاقتصادية والسياسية الدولية، كما يجب عليها تجديد روح السياسة الخارجية من أجل الانفتاح على "أفريقيا" والتركيز على المجالات الاقتصادية والثقافية بالمراحل الأولى.
لقد شكلت حالة عدم الاستقرار في ليبيا، فرصة للأتراك بدعم من الدوحة للاستفادة من الأزمات وتغذيتها وسكب الزيت على نار الأزمات لإيجاد موطئ قدم وتثبيت وجودهم، فسعت أنقرة لتقديم الدعم بالأسلحة والذخائر للجماعات الإرهابية، وكان الهدف هو إطالة أمد الأزمة الليبية، وعرقلة القضاء على التنظيمات الإرهابية.
ولا تقف أهمية أفريقيا بالنسبة إلى تركيا عند تعزيز تأثيرها الدولي، بل تتخطاه، فهي تشكل أهمية لدى العقلية الأردوغانية، وهو ما نراه في تحركات الرئيس التركي أردوغان للحصول على جزيرة سواكن السودانية، حيث صرح أردوغان قائلاً: "طلبنا تخصيص جزيرة سواكن لوقت معين، لنعيد إنشاءها وإعادتها إلى أصلها القديم".
وتحظى جزيرة سواكن بمكانة مهمة في عهد الدولة العثمانية، إذ كانت مركزا لبحريتها في البحر الأحمر، وضمّ ميناؤها مقر الحاكم العثماني لمنطقة جنوب البحر الأحمر بين عامي 1821 – 1885، ومن بين المشروعات التركية في جزيرة سواكن هو تنفيذ وكالة التعاون والتنسيق التركية "تيكا"، مشروعا لترميم الآثار العثمانية، وهو ما يعكس النظرة التركية للقارة الأفريقية، فالعقلية الأردوغانية تحاول بناء علاقاتها مع الدول الأفريقية عبر استحضار التاريخ وإرث الدولة العثمانية.
لكن تركيا اليوم تتلقى الكثير من الضربات التي ستقود إلى تحجيم النفوذ التركي في القارة الأفريقية، فالدولة التركية التي تحاول تثبيت وجودها في القارة الأفريقية كانت تعول كثيراً على العلاقة مع إثيوبيا، فهي تعد أكبر دول القرن الأفريقي وتقع في قلبه، وتؤكد التقارير أن السيطرة على إثيوبيا يضمن لتركيا دورا محوريا في المنطقة، حيث تتحكم في منابع النيل الأزرق الذي يشكل ما بين 80% و85% من إجمالي مياه نهر النيل، ولذلك، كانت أنقرة تعول كثيرا على استمرارية الصراع الإثيوبي – الإريتري، وسعت في محاولات لإفساد المصالحة التاريخية بين إثيوبيا وإريتريا، وهو ما أكدته وزارة الإعلام الإريترية التي اتهمت تركيا بالقيام بأعمال تخريبية بتمويل قطري هدفها الأساسي وفق البيان الإريتري، عرقلة عملية السلام.
ومن هنا، نجد أن الجهود الدبلوماسية السعودية والإماراتية في تحقيق المصالحة التاريخية (الإثيوبية - الإريترية)، التي شكلت صفعة لمحاولات بعض الدول الإقليمية التركية والإيرانية في الاستثمار في هذا الصراع وتوظيفه في مصلحة تثبيت وجودهم والتمدد في القارة الأفريقية، كما أن نشاط الدولة المصرية في عهد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لاستعادة دورها التاريخي في القارة الأفريقية، قد أوضح مدى اهتمام مصر بالقارة ووضعها ضمن السياسية المصرية، وهو ما تم تتويجه في عام 2019 بانتقال رئاسة الاتحاد الأفريقي إلى مصر، لأول مرة في تاريخ المنظمة الأفريقية التي أحدثت عام 2002.
تأتي أحداث السودان، واقتلاع نظام البشير ضربة جديدة للأتراك، فلو نظرنا لرفض المسؤولين السودانيين استقبال الوفد القطري برئاسة وزير الخارجية القطري، نجد أنها رسالة للقطريين بأنه لا مكان لهم في مستقبل السودان، ما لم يكن هناك تغيير في السياسات القطرية الداعمة للجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان التي سقطت بسقوط "نظام البشير"، هذه الرسالة لا تقتصر على الدوحة بل تتخطاها إلى أنقرة، ولذلك فالتغيير في السودان لن يقف عند حدود الداخل بل سيتخطاه ليصل إلى علاقات السودان الخارجية، والذي سيقود إلى النظر إلى الاتفاقيات التي سعى لتوقيعها "نظام البشير" والتي أدت إلى استفادة الأتراك منها في تثبيت وجودهم في الأراضي السودانية، وذلك عبر جزيرة "سواكن" وهو ما يفتح الباب لإلغاء الاتفاقية وقطع الطريق أمام أنقرة لإقامة قاعدة عسكرية في جزيرة سواكن.
لقد شكلت حالة عدم الاستقرار في ليبيا، فرصة للأتراك بدعم من الدوحة للاستفادة من الأزمات وتغذيتها وسكب الزيت على نار الأزمات لإيجاد موطئ قدم وتثبيت وجودهم، فسعت أنقرة لتقديم الدعم بالأسلحة والذخائر للجماعات الإرهابية، كان الهدف هو إطالة أمد الأزمة الليبية، وعرقلة القضاء على التنظيمات الإرهابية، وضرب التسوية السياسية، والهدف الأول هو استهداف أمن واستقرار مصر التي تحد ليبيا من الشرق، إلى جانب الاستفادة من تغذية الأزمة الليبية باتخاذها مركزا للتمدد وتثبيت الوجود في القارة الأفريقية.
تضاءلت فرص الأتراك والقطريين في الحفاظ على تواجدهم في الأراضي الليبية، وإلى جانب الانتصارات التي يحققها الجيش الوطني الليبي في دحر الميليشيات الإرهابية وتحرير طرابلس نجد أن الحراك أو المحاولات التركية والقطرية لتأليب المجتمع الدولي على الجيش الوطني الليبي، والدفع به إلى وقف عملية تحرير طرابلس (تحت مسمى الحفاظ على التسوية السياسية) فشلت وهو ما نشاهده من اتساع دائرة الدعم والتأييد لعملية (تحرير طرابلس) بجانب الشرعية الشعبية، كما أن المواقف الخارجية دعمت الجيش الوطني الليبي، أما على الصعيد الدولي فقد شهد الموقف الأمريكي الكثير من التغيرات ليدعم في نهاية المطاف هذه العملية، وقد تمثل هذا الدعم في الاتصال الهاتفي بين دونالد ترامب وخليفه حفتر والتأكيد الأمريكي على دور الجيش الوطني الليبي في محاربة الإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة