في بداية الأزمة السورية بذلت تركيا جهدها لاستمالة الموقف الأوروبي لتأييدها، وذلك باستخدام اللاجئين كورقة ضغط.
بات الرأي العام الغربي يشكك بسياسة أردوغان المتناقضة والمتهاوية في المنطقة العربية حتى لم يعد يرى الرأي العام الغربي فيه سوى شخص متفرد بالسلطة. وفي مناسبات سياسية ودبلوماسية يجاهر الرئيس التركي بأنه يهتم بشؤون المنطقة وحقوق الإنسان وقضايا العرب والمسلمين والعالم بأسره.
لقد اتضحت هزيمة أردوغان على مستوى الانتخابات المحلية في معظم المدن الكبيرة. وكانت بمثابة صدمة كبيرة لمحور الإخوان وغير متوقعة للحزب الحاكم في الوقت الذي تعاني فيه البلاد أوضاعاً اقتصادية متدهورة، وتزايداً في الدين العام، وهروب رؤوس الأموال، وإعلان البنك التركي بأنه لا يملك سيولة نقدية
في بداية الأزمة السورية بذلت تركيا جهدها لاستمالة الموقف الأوروبي لتأييدها، وذلك باستخدام اللاجئين كورقة ضغط والتلويح بأن أي موجة لجوء ناجمة من سوريا والعراق لن تقتصر آثارها على تركيا وحدها، وإنما تطال تأثيراتها أوروبا، الأمر الذي يخلق مشكلة حقيقية وكابوساً بالنسبة للحكومات الأوروبية التي تواجه صعوداً لليمين المتطرف واحتجاجات شعبية ضد الهجرة واللاجئين، ناهيك عن احتمال تسلل مقاتلي القاعدة إلى أوروبا بين أفواج اللاجئين.
كما استفادت تركيا من المخاوف الأوروبية حيال سلوك واشنطن تجاه الاتحاد الأوروبي فيما يخص الناتو والاتفاقات التجارية بين الاتحاد وأمريكا، وعكست المواقف الأوروبية ما يمكن اعتباره رغبة في إثبات أن الناتو يستطيع التحرك منفرداً دون غطاء أمريكي، وهو ما تدل عليه مزاعم تركيا بأن حدودها مع إدلب هي حدود الناتو.
وقد أثبتت الحقائق لدى الشارع التركي أن أردوغان هو داعم حقيقي للتنظيمات الإرهابية في سورية وليبيا والعراق ومناطق شتى من العالم، كما أن هناك بلاغات وتقارير تقدم بها عدد من النواب الأتراك ضد أردوغان بتهمة تقديم الأسلحة والمعدات العسكرية إلى هذه التنظيمات المتطرفة عبر شركات الأمن الخاصة ومؤسسات الفكر الاستراتيجية -وهي مؤسسات غير شرعية تنشط علناً- ومنحت حكومة حزب العدالة والتنمية بعض الشركات مناقصات عسكرية لتزويد التنظيم الإرهابي بالمعدات العسكرية والذخيرة ومنحت أيضاً شركتي نيتروماك وميتكيم المدرجتين على القائمة السوداء العالمية مناقصات عسكرية لتزويد التنظيمات الإرهابية بمختلف صنوف الأسلحة.
إن الأوضاع الداخلية التركية التي أحدثها أردوغان واضحة، تمثلت في الاعتقالات التي طالت قيادات عسكرية وأمنية وقضاة وصحفيين إلى أن وصل الأمر إلى إلقاء القبض على المحامين الذين يدافعون عن المتهمين الأتراك واعتقال أشخاص من جنسيات أخرى من خارج الدولة من ماليزيا وألمانيا. وحين جرى تبادل الاتهامات التي وقعت بين أردوغان والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، اتهم الرئيس التركي ألمانيا بأنها لا تزال تعيش تحت حكم النازيين وأنها تُؤوي الإرهابيين، الأمر الذي أدى إلى مهاجمته وفضح مواقفه المتباينة.
ويوضح تقرير المفوضية الأوروبية بشأن تقدم الدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي انتقادات لحكومة حزب العدالة والتنمية بسبب مراسيم قانون الطوارئ الذي يلغي اعتبار البرلمان ودوره في صياغة المسائل المتعلقة بالسياسات الداخلية والخارجية. وتضمن التقرير الانتقادات الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان وتراجع معايير دولة القانون، وهنا يشير مارك بيريني في معهد كارينجي عن الأوضاع العامة التركية بـ"إنه بعد اتخاذ العديد من القرارات السياسية وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية وتنفيذ إجراءات قمعية انتقلت تركيا من حالة إنكار الديمقراطية الليبرالية إلى الحكم الفردي المستبد".
وهناك انقسامات واضحة في الشارع التركي، وبخاصة ما بين أنصار المعسكر المحافظ والمتمثل بالدرجة الأولى في حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية الذي كان متحالفاً مع الحزب الحاكم ولكنه فض التحالف في نهاية العام الماضي، وبين أنصار المعارضة العلمانية وبشكل أساسي حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية، وبذلك تدهورت شعبية أردوغان وتهاوت أمام الأحزاب المعارضة التي عادت إلى الحياة السياسية وبدأت بتفعيل أدوارها الشعبية وبناء نفسها من جديد لمواجهة أوهام أردوغان التي باتت مكشوفة للعيان.
لقد اتضحت هزيمة أردوغان على مستوى الانتخابات المحلية في معظم المدن الكبيرة. وكانت بمثابة صدمة كبيرة لمحور الإخوان وغير متوقعة للحزب الحاكم في الوقت الذي تعاني فيه البلاد أوضاعاً اقتصادية متدهورة، وتزايداً في الدين العام، وهروب رؤوس الأموال، وإعلان البنك التركي بأنه لا يملك سيولة نقدية. واعتبر زعيم حزب السعادة الذي يعد امتداداً لحزب الرفاه أن أردوغان في حالة صراع مع نفسه وهو الآن في مأزق لا يمكن الخروج منه، فهو يريد إظهار احترامه لسيادة القانون لكنه في الوقت نفسه يستصعب خسارة مدينة بحجم إسطنبول.
لقد شكلت الانتخابات المحلية عنواناً بارزاً في انهيار الحزب الحاكم الذي اعتبرها "مسألة حياة أو موت" وأظهرت تبريراته لحالات بالغة الخطورة على مستقبله السياسي، وغدت النتائج التي آلت إليها عقاباً له، وعلى حد تعبير صحيفة يني شفق التركية التي خاطبت الأتراك بقولها: لا تعتبروا الانتخابات محلية، فالخطوة التالية من هذا الأمر هي شل حركة تركيا.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة