حين وجّه بوتين صفعة قوية لأمريكا بتجريدها من أداتها الأطلسية، وقتها قررت الإدارة الأمريكية العمل على استعادة أردوغان للحضن الأمريكي.
حين وجه بوتين صفعة قوية لأمريكا بتجريدها من أداتها الأطلسية، وقتها قررت الإدارة الأمريكية العمل على استعادة أردوغان للحضن الأمريكي مرة أخرى، وأردوغان مستعد لذلك، فتقاربه مع الروس ليس عن قناعة استراتيجية بعيدة المدى، بل من أجل ابتزاز الولايات المتحدة والضغط عليها وتحقيق مكاسب في المسألة الكردية، والصراع على النفوذ في المنطقة، وتلك فرصة يمكن أن تساعد أردوغان على إحياء هدفه بأن يصبح محور استقطاب بعض دول المنطقة من خلال اتخاذ موقف ضد أكبر التهديدات للولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط، لكن تركيا بأوضاعها الراهنة تجري خلف سراب.
وفقاً لمعادلات المراقبين يبدو أن الأوضاع ستتجه شمالاً، وتأخذ مسارات تفضي إلى قطع الطريق على محاولات العبث التي تقودها تركيا في سوريا، ومن الاحتمالات التي يخشاها المسؤولون الأتراك أن القوات السورية بدعمٍ من روسيا قد تتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية
الرهان الأمريكي أكبر من وجود ألفي مقاتل أمريكي على الأراضي السورية، واللعبة الأكبر المخطط لها قد تكون واسعة في إطار الرهانات التي وضعتها إدارة ترامب على مستوى الشرق الأوسط بأكمله، حيث يود ترامب وقف التراجع الأمريكي في المنطقة، والانسحاب من سوريا قد يكون أسهل وأقل ما يمكن أن تفعله، وقد يكون أردوغان على علمٍ تام بوجود أمر أكبر يوضع على المحك في سوريا غير التحركات التركية العسكرية، وانطلاقاً من رغبته في استئناف علاقاته مع الإدارة الأمريكية ومع إسرائيل، فإنه يرغب في التعاون مع الإدارة الأمريكية لخلق مستجدات محورية في هذا الشأن.
ووفقاً لمعادلات المراقبين يبدو أن الأوضاع ستتجه شمالاً وتأخذ مسارات تفضي إلى قطع الطريق على محاولات العبث التي تقودها تركيا في سوريا، ومن الاحتمالات التي يخشاها المسؤولون الأتراك أن القوات السورية بدعمٍ من روسيا قد تتعاون مع وحدات حماية الشعب الكردية، وهذه الأخيرة قد تضطر لعقد صفقة مع الحكومة السورية؛ لمواجهة زحف القوات التركية إذا نفَّذ الرئيس التركي تهديده باجتياح المناطق الحدودية، باعتبار أن قوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية الشعب لم تقاتل قط القوات السورية، بل إنها تعاونت في بعض الأحيان ضد خصوم مشتركين، وفي وقت سابق دخلت في محادثات سياسية مع دمشق.
وبالمحصلة، فإن الانسحاب الأمريكي يأتي ضمن تطورات سياسية متلاحقة في المنطقة، ولجعل أردوغان يعود للحضن الأمريكي بعد تنفيذ مطالبه بدعم وحدة تركيا وأمنها القومي، وللرد على محاولة بوتين تجريد أمريكا من الأداة التركية، ومنعه أيضاً من تفكيك التوظيف الأمريكي للأداة التركية في المنطقة، وإخراج تركيا من الحلف الثلاثي لن يتحقق إلا من خلال تقديم إغراءات أكبر من تلك التي قدمتها روسيا، وإن كان ذلك على حساب الوجود الأمريكي ذاته، وهذا ما يفسر تصريح قيادات البنتاجون أنه سيتم تسليم تركيا صواريخ باتريوت المتطورة لمنعها من شراء صواريخ إس 400 من روسيا، ذلك يستدعي ضمانة بقاء ترامب سياسياً، وكي لا تفلت الأمور منه داخل بلاده فهو يسعى إلى تحويل انتباه ناخبيه إلى أشياء أخرى ولإفهام الداخل الأمريكي أنه سينفذ كل ما كان قد اتخذه بوعود انتخابية للمواطنين.
وأردوغان الداعم للمنظمات الإرهابية والذي فتح حدود بلاده أمام قتلة السوريين لا يزال يقامر بدماء الأبرياء، ويتلاعب بمواقفه المتناقضة حيال الأزمة السورية وتفاعلاتها، وأنه وعد ترامب هاتفياً بأن تركيا ستتحمل مسؤولية إنهاء داعش لكنه يتطلع في الوقت نفسه للخروج ولو بالحد الأدنى بمكاسب سياسية تروق له بعد أن فشل في تنفيذ مشروعه التقسيمي على الأرض السورية.
إن أي عملية عسكرية تركية في شرق الفرات محكومة بظروف دولية وإقليمية ستشكل حرجاً كبيراً للولايات المتحدة وهي بحاجة إلى تركيا لتنفيذ خطوات استراتيجيتها فيها، واعتبر المبعوث الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري وصاحب العلاقات الواسعة مع المسؤولين الأتراك بحكم عمله السابق سفيرا لبلاده في أنقرة، أنه لا يمكن للاستراتيجية الأمريكية في سوريا أن تنجح من دون تركيا، فالمشكلة التي تشكل هاجساً رئيسياً في تفكير جيفري هو إدراكه أنه لا يمكن نجاح سياسة بلاده ضد إيران ما لم تكن تركيا طرفاً في تنفيذ هذه السياسة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة