أردوغان يحيي سياسة "التتريك".. وسوريا ميدان التجارب
القوات التركية تعمدت نشر الثقافة والولاء لتركيا في المدارس بمدينة عفرين وتدمير الآثار وشطب أسمائها التاريخية.
فشلت تركيا في سياسة "التتريك"؛ أي فرض لغتها وأسلوب حياتها، على المنطقة العربية طوال احتلالها لها على مدى 400 عام، غير أن أحلام السيطرة التي عاودتها مع الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان دفعتها لإحياء تلك السياسة وفرضها بالقوة، مبتدئة بمدينة عفرين السورية.
فاليوم الجمعة، نقلت صحيفة "الزمان" التركية المعارضة لقطات من داخل مدارس بعفرين، تظهر أحد عناصر تنظيم "الجيش السوري الحر" الموالي لتركيا وهو يعلم الطلاب عبارات الشكر للرئيس التركي رجب طيب أردوغان ولبلاده.
واجتاح الجيش التركي وحلفاؤه من المعارضة السورية، وخاصة "الجيش السوري الحر"، عفرين السورية، يناير/كانون الثاني الماضي، وأعلن سيطرته الكاملة عليها مارس/آذار الجاري.
وتوقفت أنشطة الدراسة في عفرين بسبب الهجمات أثناء العملية العسكرية، غير أن الجانب التركي وحلفاءه ملؤوا بعضها بصور أردوغان والعلم التركي، والتي أعطوها للتلاميذ يحملونها ويمجدون بها تركيا بزعم أنها خلصتهم من "الإرهابيين"، في إشارة إلى تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية، الذراع العسكرية لقوات سوريا الديمقراطية، الذين تصفهم أنقرة بهذا الوصف.
وبعض المدارس علق عليها لافتة مكتوبا عليها: "لم نترك أبدا أي مظلوم في مخالب ظالم".
وتشير سياسة نشر الأعلام وعبارات المديح لأردوغان في المدارس إلى اعتزام أنقرة البقاء طويل الأمد في المدينة السورية، فيما يستعد الجيش التركي أيضا لاجتياح مدينة منبج المجاورة.
تغيير الأسماء وإسقاط الرموز
ومن بين جرائم إبادة هوية المدينة قيام القوات التركية وحلفاؤها بإسقاط تمثال "كاوا الحداد"، وهو شخصية محورية في الثقافة الكردية بعفرين ومرتبطة باحتفالات النيروز، فيما تم تعليق العلم التركي مع علم المعارضة السورية الموالية لها في جميع الأنحاء، ومنها مجلس المدينة.
وفي مشهد آخر للاعتداء على الهوية، غيَّرت هيئة الأوقاف التركية اسم "جامع الأكراد" في مدينة كيليس جنوب تركيا إلى "جامع الأتراك".
ويأتي هذا بالرغم من أن السجلات تشير إلى أن اسم المسجد الرسمي والتاريخي هو "جامع الأكراد"، وفق صحيفة "الزمان".
وقامت بداية بإضافة لوحة باسم "جامع الأتراك" فوق لوحة اسمه الأصلي قبل أن تزال نهائياً اللوحة القديمة.
ويعود تاريخ بناء الجامع إلى القرن الـ17 الميلادي على يد الكردي حسين آغا.
تدمير الآثار
وفي الشهر الجاري، استهدفت الطائرات التركية المواقع الأثرية في عفرين، ومنها موقع براد الأثري الواقع 15 كم جنوبي عفرين، والمسجل على لائحة مواقع التراث العالمي باليونسكو.
ووفق بيان المديرية العامة للآثار والمتاحف السورية الصادر في 23 مارس/آذار الجاري، فإن هذا العدوان سبقه كذلك عدوان على معبد "عين دارة"، وموقع "النبي هوري" (قورش)، وتل "جنديرس" الأثري، وضريح القديس مار مارون، وكنيسة جوليانوس، وهي من أقدم كنائس العالم ويعود تاريخها إلى القرن الرابع قبل الميلاد، وهو ما يدل على وجود خطة ممنهجة للقضاء على التراث السوري ومحو الهوية السورية.
التمهيد بالاحتلال الناعم
ويقوم النظام الحاكم في تركيا بمحاولات "التتريك" الثقافي لدول المنطقة بطرق أخرى، ولكنها ناعمة وبدون قوة عسكرية، وبدأت منذ عام 2008 على الأقل بطوفان من المسلسلات التركية التي غزت الفضائيات العربية، ونشاط المراكز الثقافية التركية بالدول العربية في تعليم اللغة التركية لأبنائها.
واتضح تجاوز هذا الأمر لفكرة "التبادل الثقافي" بين الدول إلى مخطط إعادة الاحتلال العثماني بكشف النظام التركي أهدافه الحقيقية بعد شن حملات عدائية ضد مصر إثر خلعها الرئيس الإخواني محمد مرسي 2013، ثم التدخل العسكري السافر في كل من سوريا والعراق، ودعم الجماعات الإرهابية في ليبيا.